إذا أهَمّتكَ الدنيا يا بُنَىّ فلا تحزن فلكَ ربٌ لا ينساك، وقد رجوتُهُ كثيراً في حياتى ألّا يجعَلَكَ من بعدى في دُنياكَ شقيا، وأن يُيَسِرَ لكَ أمرَك ويجعلَ لكَ بعد عُسرٍ يُسراً، فاطمئن إلى رحمتِه وسِر على طاعتِه، ولا تنسَنِى من دعائِكَ بعد صلاةٍ سَكَنَت فيها جوارحُك أو في جوفِ ليلٍ هدأَت فيه الرياحُ وسكَنَ فيه صوتُ الشجرِ والدوابُ والطيرُ وفاضت دموعُكَ بين يدَى مولاك، فالتمس منه جلّ عُلاهُ أن يجعَلَنى في مُستَقَر رحمتِه، ولاتحرمنى من زيارةٍ إلى قبرى تُؤنِسُنِى فيها بدعاءٍ أو شىء من كتاب الله تحفظُه، ولاتُرهِق نفسَكَ بدموعٍ كم مسحتُها عن عينيك في الدنيا ويحز في قلبى أن أراها فيهما بعد مماتى.
أترانى يا ولدى قد أديتُ رسالتى التي فطَرَنى الله عليها في الحياةَ الدنيا؟ أترانى قد وفيتُك حقّكَ أم قصرتُ في شىء؟ لكن هذا ما كان بوسعى ويعلم ُربى الذى فطرنى على حبّكَ أننى بذلت كلَّما كان في استطاعتى من أجل سعادتِك، فقد أعاننى ربى وحملتُكَ صغيراً في بطنى ووضعتُك ضعيفا لا حول لك ولاقوة فمنحتُك نفسى وحياتى وراحتى وصحتى حتى كبُرَت سنى وانحنى ظهرى وضَعُفَت قوتى وتوقف الدمُ في عروقى ورحلتُ عن الدنيا، التمس لىَ العذرَ ياولدى إن كنتُ قد نهرتُك يوماً أو منعتُ عنك شيئاً أو أجبرتُك على أمرٍ لم تكن عنه راضياً، فما كان ذلك منى إلا رحمة ً بك وخوفاً عليك.
لم تتوقف الحياةُ يوماً يا ولدى عند أمٍ قد رحلت فقد حَبَى الله البشريةِ بالملايين من أمثالها لازِلن يؤدين نفسَ الرسالة منذ آلاف السنين، فلا تحزن يا ولدى ولا تجزع لفراقى، واستَقِم على طاعةِ ربِك وسر في نور هُداه أسعَد بك في قبرى وأطمئن على فلذة كبدى من بعدى وتَسعَد في دنياكَ وأُخراك، فسِر يا ولدى مع أبنائك على دربى ولا تبخل عليهم بشىء باستطاعتك فِعله ترسم به بسمةً على شفاهٍ صغيرةٍ ما أحوجها إلى عطفٍ وحنان.
قص على أبنائك يا ولدى بعضَ ما كان منِّى إليك، وحدثهم عنى ليس فضلاً منى عليك ولكن حتى يعرفوا فضلَ أمهم عليهم وقيمةَ أثمن هدية منحها الله للبشرية اسمها الأم، بدعائها تُمسَحُ الدموع وتنجلى الهموم وتُفرَّج الكروب، وبيدٍ طاهرةٍ تَمسح فتزول الأوجاع، لا تبخل يا ولدى على أبنائك وهم صِغارٌ بما لم أبخل به عليكَ يومَ كنتَ في مثلِ سنهم حتى لا يبخلوا عليكَ بما لم تبخل أنت به علىّ يوم كبُرت سنى وتقدَّم بى العمر، وحدثهم يا ولدى عن فضل طاعة الوالدينِ في غير معصيةِ الله وعن بِرّكَ بى طوال حياتى تجد بِرَّهم في انتظارك يا ولدى يوماً ما في قطار العمر، قل لهم يا ولدى إن هديةً يقدمونها لأمهم في عيدها أمر طيب ودليل حبٍ ومودةٍ لكن هديةً يَتبَعُها عقوق وقطيعة رحم ليس لها قيمة، فلتكن الطاعةُ والحبُ والعطفُ والحنانُ والمودة ُقبلَ الهدية.
ولا تجعل يا ولدى من ضغوط الحياة ِذريعةً تقطع بها رحِمَك فهُم أهلُك وسندُك فاحرص على صلتهم وصِل يا ولدى أحبتى مثلما كنتُ أفعلُ في الدنيا، فإن فعلتَ ذلك فقد أسعدتَ أمَّك وأرحتَ فؤادَها..... كانت هذه رسالتى إليك يا ولدى فتدبرها جيداً ثم احفظها في قلبك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة