القارئة مرفت السيد أحمد عبد الحميد تكتب: قصة قلم

الخميس، 19 مارس 2020 12:00 م
القارئة مرفت السيد أحمد عبد الحميد تكتب: قصة قلم نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قرأت يوما عن نجيب محفوظ فأثارتنى تركيبته الفلسفية والاجتماعية معا، وعندما بدأت فى دراسة بعض رواياته، وزدت أنا وقرأت المزيد من أعماله، وجدتنى كلما قرأت أكثر زدت تحامل عليه، وذلك لأنه أفسح مجالا واسعا لعرض الشخصيات العشوائية، والتى تتسم عادة بالازدواجية والانحلال، وبرع فى وصف أدق الصفات عن مدمنى الخمر والمخدرات وبنات الليل.

وكدت أزهل عندما احتفى به النقاد، وجعلوه نصير اﻹنسانية، وذلك طبعا لأن هؤلاء الفاسدين هم ضحايا المجتمع، وضحايا الفقر والجهل والمرض والظروف التى لو وجدوا فى غيرها لصاروا أحسن البشر، وأن النظرة الدونية من المجتمعات العليا هى من صنعت الجريمة فى تلك المجتمعات.

وعندما كبرت قليلا وأعدت النظر فى ذلك وجدته محق، وبدأ قلبى يرق لبعض تللك الشخصيات، التى مازلت أقول أنه مازال أمامها دائما باب للخير، بدلا من البار و طاولة القمار وضرب الكف بالكف ولعن الدنيا وإلصاق كل التهم بالحظ.

كان على نجيب محفوظ تحويل الوجهة ولو لمرة واحدة، ويبدو أننى لست وحيدة فى ذلك فقد توجه إليه أحد المقربين له بنفس السؤال الذى لو قابلته لكان أول ما سأقوله.

قال له : لماذا تهتم فى كل روياتك بالشخصية الغير سوية ؟؟

فرد قائلا : إن الشخصية المثالية لا تصلح للعمل الدرامى ......... 

لا أخفى عليكم.... أنى أحسست بصدمة... أصابتنى بشئ من التبلد والصمت غير المبرر.

حينما قرأت ذلك الرد أيقنت ساعاتها أن ما حفظته عن أهمية الفن و الأدب فى نشر الفضيلة لا يتعدى سوى الورقة التى كتب عليها، وأن الهدف حتما هو تحقيق اﻷرباح وبيع المزيد من الكتب .

لكن حصلت لى حادثة جعلتنى أعيد النظر فى تللك العبارة ثانيا.

فقد (خاصمنى قلمى ) فقد مرت فترة طويلة كنت فيها غير قادرة على كتابة شىء.

فجأة وكأن عقلى صار مثل الورقة البيضاء، وكأن قلبى لم يتلو من الفراق يوما، وكأننى أعيش فى جنة لم أعد لى حاجة لأى شيء ولم تعد قضايا البشر تهمنى ولا تؤلمنى .....  خاصمنى قلمى حين صالحت نفسى، حين سكنت الطمأنينة فى قلبى، حين رفرفت على حياتى أجنحة السلام ....

كدت أجن ...

لماذا أيها القلم ؟؟؟؟

ألم تبغ لى الخير ؟؟؟

أليس هذا ما كنا نحلم به ؟؟؟

حينها زارتنى الحيرة ورافقها الخوف والقلق

ووقتها فقط روداتنى الجملة إيها أن "الشخصية المثالية لا تصلح للعمل الدرامى".

وعلمت أنه فقط ليس الشخصية موضوع البحث لكن أيضا كل صاحب قلم من المؤكد أن بداخل كل منا شخصية أخرى لا يعلم عنها أحد، هى فقط صانعة أعماله وصانعة أفكاره، وبدأت أبحث فى ثنايا حياتى عن ذلك الجانب ووجدته، هو صانع كل شيء، هو من يشعرنى بالخوف، وهو من يغمرنى بالحب والسلام ، هى صانعة المجهول والغموض والتمرد، هى تقلباتى، وخصوصياتى، هى من صالحنى على قلمى.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة