كانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل يوم 18 مارس، مثل هذا اليوم، عام 1884، حين توفيت «كلدفان هانم» والدة الخديو توفيق، وقالت صحيفة «الأهرام»: «انتقلت إلى جنة الخلد مودعة بالنفوس مشبعة بالقلوب، كلدفان هانم، أوغصن الورد».
كانت «كلدفان هانم» وفقا للدكتور يونان لبيب رزق فى المجلد الثانى من»الأهرام.. ديوان الحياة المعاصرة: المرأة التى اقترن بها البداية العملية فى التحول من عصر «حريم أفندينا» إلى «حرم أفندينا»، أى «انفراد سيدة القصر بالوجود الاجتماعى، الأمر الذى أنهى عصر الحريم بكل أسراره وطقوسه ومؤامراته».. يشرح «رزق» قصة هذا التحول فى حياة الحكام من أسرة محمد على، مؤكدا أنه «لم يحدث بالصدفة، وإنما جرى فى إطار متغيرات اجتماعية شهدتها مصر، وانتقلت خلالها من العصر «العثمانلي» بكل مفرداته إلى العصور الحديثة بكل مفاهيمها ونظمها».
يذكر رزق «أن المفردة الأساسية فى عصر «حريم أفندينا» أنه «كان يضم فضلا عن الزوجات اللاتى كن يصلن عادة إلى الأربع، جملة من المحظيات والجوارى يعشن فى جناح منفصل يطلق عليه اسم «الحرملك»، وكان هذا يشيع بين أبناء الطبقات العليا من المجتمع من الحكام وكبار الملتزمين والتجار، ولما كانت النسبة الأكبر من هؤلاء من العناصر الوافدة لا العناصر المحلية المقيمة فقد اكتسبت طابعا تركيا أكثر مما اصطبغ بالطابع المصرى، حيث استمر أبناء البلاد من أعضاء طوائف الحرف وأبناء الريف يكتفون عادة بزوجة واحدة تقاسمهم هموم الحياة اليومية التى لم يكن فيها متسع للحرملك».
يؤكد «رزق»، أن نساء حكام مصر الخمسة بداء من محمد على وانتهاء بإسماعيل، عددهن 53 سيدة، بلغ نصيب مؤسس الأسرة العلوية محمد على تسعة وعشرين، بينما وصل نصيب الخديو الأشهر إسماعيل أربع عشرة امرأة بين بين زوجة ومستولدة، والمستولدات هن من المحظيات اللاتى كن يلدن للحاكم بعض أبنائه، وهو النظام الذى توقف بعد عزل «إسماعيل» عام 1879، فبدءا من توفيق وحتى آخر أبناء الأسرة الملك فاروق لم يكن لأى من الحكام الخمسة الذين اعتلوا سدة الحكم خلال 73 عاما سوى زوجة واحدة، صحيح أن أغلب هؤلاء الحكام اقترنوا بزوجتين، إلا أنهم عندما جلسوا فوق العرش لم يكن إلى جوارهم سوى زوجة واحدة.
يذكر رزق أن التحديث الذى أحدثه إسماعيل فى المجتمع أدى إلى التخلى عن أنماط اجتماعية كان منها «نظام الحريم».. يؤكد: والدة توفيق «كلدفان هانم» وضعت بصمة فى طريق انتهاء عصر الحريم ولها قصة وهى، أنها كانت إحدى مستولدات إسماعيل، ولم تكن إحدى زوجاته، وكان حظها حسنا أن أنجبت له أكبر أبنائه «توفيق».. يوضح «رزق» أن إسماعيل نجح فى أن يستصدر من السلطان العثمانى فى مايو 1866 فرمانا بتعديل نظام وراثة الحكم من أكبر أبناء الأسرة إلى أكبر أبناء الخديو، الأمر الذى وجدت معه «كلدفان هانم» نفسها فجأة والدة ولى العهد.. يؤكد «رزق»: لابد أن سعادة كلدفان هانم تضاعفت عندما رفض السلطان عبد العزيز أن يصدر فرمانه قبل أن تتحول والدة ولى العهد المنتظر من «مستولدة» إلى زوجة، وهو الأمر الذى كان إسماعيل مستعدا لقبوله بغض النظر عن درجة الاعتزاز التى تحتلها الهانم فى قلبه.
يؤكد أحمد شفيق باشا فى الجزء الثانى فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»: «انفصلت كلدفان هانم بعد زواجها من إسماعيل، وأقامت فى سراى القبة، وذلك عقب صدور الفرمان السلطانى بجعل ولاية مصر وراثية فى أكبر أبنائه».. يرى رزق، أن الفرمان المذكور وما اقترن به من هجر «كلدفان» للحريم كان البداية العملية فى التحول من عصر «حريم أفندينا» عصر انفراد سيدة القصر بالوجود الاجتماعى، الأمر الذى أنهى عصر الحريم بكل أسراره وطقوسه ومؤامراته.
يرصد «رزق» أن «حريم إسماعيل» أخذن فى الاختفاء السريع خلال الشهور الأولى من عهد خلفه «توفيق»، فمن ناحية قام الخديو المخلوع بتسهيل مهمة ابنه عندما اصطحب معه إلى منفاه زوجاته، باستثناء والدة توفيق التى آثرت البقاء إلى جوار ابنها، وقام الأخير باستكمال المهمة بتزويج من يليق من المتبقيات من بنات الحريم ببعض رجال الحاشية، ليبدأ بعد ذلك»عصر «حرم أفندينا»، وظلت امرأتين تحظيان بالمكانة الرفيعة فى حياة القصر» صاحبة السمو والعصمة حرم الخديو» و«ذات العصمة والفضل والنبل والدة الخديو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة