القارئ أحمد علام يكتب: الصداقة فى زمن الغدر

الثلاثاء، 17 مارس 2020 10:00 ص
القارئ أحمد علام يكتب: الصداقة فى زمن الغدر الصداقة - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما زال صوت يصدح فى أعماقى، يبحث عن مجهول غير موجود، وسط زخم من مقاصد شخصية، تتعارض وتتوافق هنا وهناك، بأسلوب عبثى يسقط الكل فى اللا معنى. ويحيل الحياة إلى حلبة يصرع القوى فيها الضعيف بلا رحمة أو هوادة، ليدور الجميع فى دومات لا تنتهى باحثين عن معنى الحياة وجدواها، ما بين عقوق أبناء، وخيانة زوجة، وحقد قريب، وغدر زميل، وفساد مسئول، وطعنة جار، وسرقة شريك، وسخرية الحضور، وقذف صديق، وتخلى رفيق، وتوحش حبيب، وضلال معلم، ومادية طبيب، وغش مهندس، وكذب محامى، وندالة حبيب.  

فإن طعنك أحدهم فى ظهرك فذلك أمر طبيعى اعتدنا عليه، ولكن أن تلتفت وتجده أقرب الناس إليك فهذه هى الكارثة التى تقع على العقل فتفقده بوصلته، فكم من خائن اليوم لا يشنق بل يشنق الآخرين. حيث إن الغدر يأتى من منبع الثقة التى تضعها أنت بنفسك ومنها يتولد ذلك الوحش الذى ينتهك خيوط نفسك بشكل لا تستطيع إعادتها إلى ما كانت عليه، فكل شىء يمكن إعادته من جديد إلا الثقة والزمن – فإن سقطوا من دائرة الأيام فهيهات هيهات لمن يأمل أن يعودوا.

بعد توغل لوحات الظلام من تحول الجميع فيمن أراه إلى ذلك المسلك المخزى، يطل ذلك المجهول من أعماقى ليتصدر مشهد حياتى، فالصداقة حين تصدق تكون من أنبل أنواع الحب ولم لا فهو الحب بلا هدف، بلا منفعة، بلا أغراض سوى الاستمتاع بالصحبة حيث تشعر بروح صديقك تبادلك الحب، لأنها تبنى على التقارب الروحانى، ولذلك فهى تتخطى كل الحواجز حيث يمكن أن تقوم بين رجل وامرأة أو بين شاب وكهل أو بين أناس ينتمون إلى ثقافات وحضارات مختلفة. 

فالصداقة هى متعة سامية تعطى للحياة أخيرا معنى ومذاق.  فهى لا يمكن أن تفرضها على أحدا أبدا حتى الزواج يمكن أن تفرضه بالقوة، ولكن الصداقة إما أن توجد من تلقاء نفسها أو لا توجد.  فإذا وجدت الصداقة الحقيقية فقد عثرت على كنز دفين  وسط أشلاء إنسان تفرقت وسط أنياب الخونة، فهو الطبيب النفسى التى تلقى عند عتباته خواطرك وآلامك وأفراحك، ليصفى عندك ما تجد ويلقى به فى أعماق البحار، وتعود ماؤك إلى النقاء والشفافية، وكأن الزمن عاد بك إلى الوراء طفلا يبتسم لنسمة هواء، وطائر يرفرف فى السماء لتخرج الضحكة من صميم القلب متمسكة بالأمل وبهجة الحية تتناسى كل ما دار بينهما وبين الحياة سابقا، لتوقع على عقد جديد مع الأيام بألا تفقد تلك الروح وتظل مفعمة           بالحياة والجمال – ملتحفة بالسعادة الغامرة التى لا تعرف العبوس واليأس.

الصداقة كلمة فوق الكلمات، ومعنى فوق المعانى، وبحر بلا نهاية.  تحلم بها دائما تتمناها وتترقى لتحقيقها، فحروف صديق (الصاد عن الصدق، والدال عن الدم الواحد، والياء عن اليد الواحدة، والقاف عن القلب الواحد) فالصداقة كالمظلة كلما أشتد المطر ازدادت الحاجة لها، فهى ود وإيمان وحلم وكيان يسكن الوجدان، ولا توزن بميزان، ولا تقدر بأثمان، ولا تغيب مثلما تغيب الشمس، أو تذوب مثلما يذوب الثلج، ولا تموت إلا إذا مات الحب.  وهى أسمى حب فى الوجود – بل رمز لحب الخلود، والحب الطاهر بلا نفاق ولا حسد، وليس لها حدود، فهى إحترام للود، حيث إنك تذهب إلى الصديق متكدرا وحزينا فتعود صافيا وسعيدا.  

فالصديق علاقة فارقة فى الحياة وليس علاقة فارغة، حيث ينحت فى الأعماق مشاعر رائعة لذكرى خالدة لا تمحى، فإن كانت حروفها قليلة– فإنها كثيرة المعانى ولا تباع ولا تشترى  بل لقاء بلا ميعاد.  فهى أغلى من الذهب، ومفاتيحها الحب والصدق والوفاء، وبعد الفراق لا تنتظر بزوغ القمر لتشكو له ألم البعاد، بل ابحث عن الصداقة فى زمن الغدر.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة