مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يصدرالتقرير الاستراتيجي العربي 2019

السبت، 14 مارس 2020 08:59 م
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يصدرالتقرير الاستراتيجي العربي 2019 مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية
كتب مصطفى عنبر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أصدر مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، العدد 32 من التقرير الاستراتيجي العربي في فبراير 2020، والذي يترأس تحريره الدكتور عمرو هاشم ومدير تحريره الدكتور محمد عزالعرب.

 

ويقع التقرير في 278 صفحة من القطع المتوسط، وشارك فيه اثنان وأربعون خبير وباحث، منهم سبعة وثلاثين خبير وباحث وباحث مساعد من داخل المركز، وخمسة خبراء من خارج المركز، باعتباره "الإصدار الأم" للمركز منذ عدده الأول في عام 1985. وينقسم التقرير إلى ثلاثة أقسام فرعية وهي "التفاعلات الدولية، والنظام العربي والإقليمي، ومصر"، ويمثل الخيط الناظم المشترك فيما بينها في التركيز على "التفاعلات" على المستويات المختلفة، سواء داخل أو بين الدول، مع رصد وتحليل القضايا والظواهر مثل الإرهاب والهجرة غير النظامية واليسار الراديكالي ومستقبل العمل في العصر الرقمي والاحتجاجات الإقليمية والحكومات الائتلافية في المنطقة العربية.

تزايد العسكرة

وركز القسم الدولي على ازدياد التنافس الاستراتيجي والميل إلى العسكرة لدى القوى الكبرى في النظام الدولي، خاصة الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، التي تنظر لتصرفات بعضها بعضا باعتبارها تهديدا مباشرا، وسياسة مقصودة تستهدف إلحاق الضرر بمصالحها الحيوية ومكانتها الاستراتيجية؛ الأمر الذي يدفعها لزيادة التسلح كإجراء تراه دفاعيا ومشروعا، لكنه يسهم بدوره في زيادة الشكوك بين القوى الكبرى، ويدفعها إلى مزيد من التنافس الاستراتيجي، فيما يبدو أنه حلقة مفرغة، ليس معروفا متى سيتم كسرها، وكيف سيمكن للقوى الكبرى المتنافسة التوصل لطريقة أقل خطرا لإدارة علاقاتها.

ورصد القسم صعود الصين إلى مكانة القوة العظمى هو المتغير الاستراتيجي الذي أطلق الموجة الراهنة من التنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى. فالصين لم تكتف باحتلال مكانة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لكنها أيضا قرنت هذه التحولات بتطوير قوتها العسكرية، واتجاهها لحسم نزاعات طال أمدها مع جيرانها في شرق آسيا لمصلحتها، الأمر الذي أثار رد فعل حذرًا من جانب الولايات المتحدة، التي فهمت التصرفات الصينية باعتبارها سعيا للهيمنة على شرق آسيا، ومحاولة لإضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة.

ويعد التوتر المتزايد في بحر الصين الجنوبي المظهر الأهم للتنافس الاستراتيجي بين الصين، والولايات المتحدة، ودول المنطقة الأخرى. وتظهر آثار هذا التنافس أيضا في جهود تسريع التسلح، كمًا وكيفًا، التي شرع البلدان فيها. ومن أهم مظاهر هذه الضغوط انتهاء معاهدة الحد من الأسلحة متوسطة المدى، التي لا يبدو أنها ستكون آخر الأضرار التي تلحق بنظام دولي للحد من التسلح، تم تأسيسه في مرحلة القطبية الثنائية، وبات عاجزا عن البقاء في عالم متعدد الأقطاب.

التهديد الإرهابي

كما ركز ذات القسم على ما شهده عام 2019 تطورات وظواهر جديدة نسبيا في قضية الإرهاب على مستوى العالم. فقد تصاعد سعى تنظيمي القاعدة وداعش نحو خلق نقاط تمركز جديدة لهما، خاصة في قارتي أفريقيا وآسيا، إلى جانب الإعلان عن إقامة ولاية وسط أفريقيا، وولاية الهند. وكذلك الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة، الذي تتزايد فروعه، في محاولة للتحايل على الحصار الأمني والعسكري الدولي، ويحاول تعزيز الانتشار الجغرافي، وتعزيز لامركزية التنظيم، بالإضافة إلى فتح بؤر ومراكز عنف جديدة في بيئات أمنية هشة يمكن أن تكون حاضنة له.

وقد سلط التقرير الضوء على قضية أعضاء داعش المحتجزين والمأزق الأوروبي، بعد هزائم عسكرية متتالية، تركت وراءها أعدادًا كبيرة من المقاتلين وأعدادًا أكبر من عائلاتهم.. وأصبحت الدول الأوروبية معلقة بين مخاطر الاستغلال التركي لورقة محتجزي داعش ضدها، والمأزق القانوني والأخلاقي والأمني في تعاملها مع مواطنيها المحتجزين في سجون دول أخرى، ومعرضين لمحاكمات وظروف احتجاز مخالفة للقوانين الأوروبية.

معضلة طالبان

وفيما يخص المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان أفغانستان بشأن ظاهرة الإرهاب، فقد أثار معدو التقرير تساؤلات محددة تتعلق بتأثيراتها على مستقبل ظاهرة الإرهاب. ويتمثل التأثير الأول في تكريس غموض مفهوم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية. فعلى الرغم من أن طالبان تصنف بأنها جماعة إرهابية إلا أن توقيع اتفاق سلام مع الحركة سوف يستتبعه عدد من التنازلات الأمريكية لها، وتمتع قياداتها بحرية الحركة والتنقل على المستوى الدولي. ويتمثل التأثير الثاني في إفساح المجال أمام الحركة لبناء نظام ديني جديد في أفغانستان. ويتعلق التأثير الثالث بمستقبل كل من شبكة حقاني، والقاعدة، وداعش.

الإرهاب الأبيض

كما حلل التقرير ما شهدته الدول الغربية في 2019 من تصاعد لظاهرة الإرهاب الأبيض، الذي يُعظِّم قيمة العرق الأنجلوسكسونى، بعد أن أضحى يشكل تهديدات كبيرة، وبدأت هذه الظاهرة تأخذ مسارًا مثيرًا للقلق، لاسيما بعد تكاثر الجماعات اليمينية المتطرفة، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في مفهوم الإرهاب، وتغيير الصورة النمطية السائدة حوله، وعدم قصره على هويات بعينها، ومناطق جغرافية محددة، بعد تزايد شعارات الكراهية، و"الإسلاموفوبيا"، ومعاداة السامية.

الاقتصاد العالمي

وفيما يخص الاتجاهات الجديدة المؤثرة في الاقتصاد العالمي فقد رصد وحلل معدو التقرير ما شهده عام 2019 من تفاعلات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتراجع نمو التجارة العالمية إلى أقل معدل له منذ الأزمة المالية العالمية. فضلا عن عدم التفات قادة العالم لتحذيرات النشطاء البيئيين لتصاعد مخاطر التغير المناخي، وضرورة بدء خفض الانبعاثات المتسببة فى ارتفاع درجات الحرارة، في عام 2020، لتجنب نتائج، أبرزها زيادة أعداد الفقراء فى العالم بـ عشرات الملايين، خلال العقد القادم، وزيادة الوفيات جراء التلوث، وهجرة عشرات الملايين حول العالم، هربًا من التغيرات المناخية.

مستقبل العمل

كما سلط التقرير الضوء على مستقبل العمل، في ظل الثورة التقنية الرقمية، وهي ما يُشار إليها بالثورة الصناعية الرابعة، وما تقدمه من فرص وتحديات لتغيير العمل في المستقبل. ويتزامن اهتمام منظمة العمل الدولية بهذه القضية في وقت شهد فيه عام 2019، وحده، دخول أعداد من الروبوتات الصناعية الجديدة إلى الخدمة في العالم، بما يفوق عدد الروبوتات الموجودة بالفعل، والتي تم توظيفها على مدى السنوات السابقة. وبالتالي، يشير هذا إلى التسارع الجاد في الاعتماد على التقنيات الحديثة فى الإنتاج، وهو ما يأتي في ظل تقديرات بانخفاض نسب التوظيف إلى السكان مع كل روبوت صناعي جديد يدخل الخدمة، وما يطرحه ذلك من مخاوف حيال مستقبل العمل البشري.

صراعات معقدة

وفيما يتعلق بالقسم العربي فقد سلط الضوء على الأزمات العربية، خلال عام 2019، التي شهدت حالة من الجمود والتعثر على جبهتي الحلول السياسية وجهود الأمم المتحدة، فى الوقت الذي ظلت التفاعلات العسكرية نشطة، ولكن بدون حسم لمصلحة أي من الأطراف المتحاربة، وساعد على ذلك كثرة التدخلات الخارجية، ولكل منها معايير ومصالح لا تراعى بالضرورة العمل من أجل تسوية الأزمة، وإنهاء معاناة شعوبها. ففي الأزمة السورية استمر التصعيد العسكري للصراع في منطقتين استراتيجيتين تتصلان مباشرة بجملة من المصالح المتعارضة للقوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة وهما؛ منطقة إدلب شمال غرب سوريا، ومنطقة شرق الفرات، مما أدى إلى تشكل تحالفات وتفاهمات تتسم بالسيولة والقابلية للتفكك بعد وقت قصير، ومن إضفاء مزيد من التعقيدات على الأزمة ككل، الأمر الذي يجعل عملية التسوية السياسية مرهونة مباشرة بتفاهمات شاملة بين القوى الدولية والإقليمية.

وارتبطت سمة التعقيد أيضا بالأزمة الليبية، إذ أظهرت المعارك العسكرية المرتبطة بمحاولات تقدم الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس، ومقاومة الميليشيات المسلحة لها أن ميزان القوى العسكري بين الطرفين متقارب إلى الحد الذي لا يسمح لأحد الطرفين بالقضاء على الآخر، وفرض سيطرته على عموم ليبيا. وزاد الأمر تعقيدا توقيع فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، مذكرات تعاون عسكري وأمنى، وتحديد الحدود البحرية مع تركيا نهاية نوفمبر، وإصرار أنقرة على تقديم مزيد من الدعم العسكري لحكومة الوفاق لإفشال حملة الجيش الوطني الليبي، فضلا عن أن احتمالات التدخل العسكري التركي المباشر كانت تلوح في نهاية العام 2019، مما يجعل ليبيا مرشحة لفترة تصعيد عسكري قد تشارك فيه قوى خارجية. ولذا صارت التسوية السياسية بعيدة عن فرص النجاح.

فيما يتعلق بالنزاع اليمنى فقد شهد تطورات متسارعة أبرزت تناقضات شديدة الخطورة بين جميع الأطراف، حتى تلك التي يفترض أنها تقف في صف واحد ضد انقلاب حركة "أنصار الله" الحوثية، وهو ما تجسد في جبهة الجنوب، حيث ظهرت الدعوات للانفصال بصورة لا تخطئها العين، إضافة إلى تعثر تنفيذ اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة. كما شهد عام 2019 أكثر التحولات دراماتيكية في مسار الحرب، مما تمثل في الضربات الصاروخية، وضربات الطائرات المُسيرة على مواقع مدنية، ومطارات ومنشآت اقتصادية بالمملكة العربية السعودية، فضلا عن تهديدات قادة جماعة "أنصار الله" الحوثية بتوسيع مجال الحرب لتطول دولا أخرى بالإقليم.

أزمات مركبة

وفيما يخص الاتجاهات الرئيسة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقد أظهرت تفاعلات عام 2019 تعثر تشكيل حكومة ائتلافية في إسرائيل، الأمر الذي فرض إجراء انتخابات ثالثة في عام 2020، مع استبعاد خروج نتانياهو من حزب الليكود، بسبب تهم الفساد إذ إن أية قيادة جديدة ستأتي لن تتمتع بذات الشعبية التي تمتع بها نتانياهو، بما يؤدى إلى تزايد احتمالات إضعاف الحزب أو انقسامه. وعلى المستوى الفلسطيني، استمرت الأزمة الحادة، سواء داخل السلطة الفلسطينية، أو حركة حماس، أو في العلاقة بين السلطة والحركة.

وفيما يخص تكتيكات إدارة الصراع، فقد واصلت إسرائيل، خلال عام 2019، مساعيها نحو تعزيز احتواء حماس، من أجل التهرب من استحقاقات التهدئة التي كانت تقتضي رفع الحصار بشكل تدريجي، والشروع في جهود إعمار غزة؛ وذلك من خلال محاولة فرض معادلة جديدة تعتمد على ثنائية (الهدوء مقابل التسهيلات الإنسانية)، مع الاحتفاظ بحقها في توجيه ضربات (استباقية)، و(وقائية) ضد أي أهداف في القطاع، تشكل تهديدًا محتملًا لأمنها، وحرصها، في الوقت نفسه، ألا يتدحرج التصعيد المتبادل بين الطرفين إلى حافة الهاوية.

التزامن الاحتجاجي

وأجاب معدو التقرير عن السؤال المركزي هو: لماذا شَّكل، عام 2019، نقطة تحول مفصلية في الاحتجاجات ضد النظامين الحاكمين في السودان والجزائر، برغم وجود استقرار ظاهري دام لثلاثة عقود بالأولى، وعقدين في الثانية. فقد حدثت، خلال السنوات الماضية، شرارات احتجاجية متقطعة، ومتفاوتة الحدة، دون أن تبلغ مقاصدها، إذ تم احتواؤها من قبل نظام البشير عبر سياسات القمع والمراوغات السياسية، داخليا وخارجيا، بينما لجأ نظام بوتفليقة إلى المزاوجة بين سياسات المكافآت الاقتصادية – المجتمعية، والإصلاحات السياسية الجزئية.

ويفسر التقرير توقيت معادلة "التزامن الاحتجاجي"، بعاملين الأول تصاعد عوامل ضعف الأنظمة السياسية، خاصة فيما يتصل بوجود معوقات للخلافة السياسية. والثاني، أن اتساع مؤججات الاحتجاجات، للأسباب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، شمل شرائح مجتمعية عدة. فهذان العنصران تفاعلا ليوفرا القابلية المجتمعية لجعل شرارة مطلبية بعينها تتطور إلى مد احتجاجي واسع ينهى الحد الأدنى من القبول بين النظام السياسي والمجتمع، والذي هو جوهر الشرعية، ومن ثم الاستقرار السياسي.

لقد توازت مؤججات الاحتجاج في نظامي البشير وبوتفليقة مع فقدان النظامين لدعم الجيش كعنصر حاسم، لاسيما عندما تراجعت موارد الريع النفطي، وانحسر تأييد الطبقتين الدنيا والمتوسطة للنظامين بسبب سياسات التقشف والجباية، ورفض الإصلاح السياسي الواسع، أو حتى فى حده الأدنى. وفى الوقت نفسه، تطورت الخبرة المجتمعية والقدرة على التعبئة الاحتجاجية على الصعيدين الإلكتروني والواقعي، بفعل دروس الثورات العربية في عام 2011، وزادت الأمور اشتعالا بنشوء مشاعر إهانة مجتمعية في بلدين يعجان بملايين المتعلمين وخريجي الجامعات، كما الحال عندما تم ترشيح بوتفليقة برغم مرضه لولاية خامسة بالجزائر، أو محاولة البشير تعديل الدستور، بغية الاستمرار، برغم فشله في إصلاح الأوضاع الاقتصادية.

على أية حال، فقد جمع النظامان في الجزائر والسودان أنهما أصيبا، بفعل البقاء الممتد، بـ "عطب إدراكي" تجاه مؤججات الغضب المجتمعي، ولم يدركا أن أقرب الحلفاء (الجيش) قد لا يعبأ بهما، إذا حلت اللحظة التي يجد فيها أن استمرار رأس النظام يمثل خطرا على البلاد.

تفكك الائتلافات

وحلل التقرير تصاعد مشكلات الحكومات الائتلافية في المنطقة العربية، والدعوة إلى تشكيل حكومات بديلة، أو إجراء انتخابات نيابية مبكرة، في بعضها، على نحو ما عكسته حالات العراق، وتونس، والمغرب، بعد تعثر بقائها، أو انهيار تحالفاتها، وإن اختلفت السياقات الداخلية والتأثيرات الإقليمية لكل حالة. فاللجوء إلى هذا النمط من الحكومات يهدف إلى استيعاب التعددية السياسية والمجتمعية، وتوسيع نطاق المشاركة في السلطة، في ظل تآكل قدرة أي من القوى السياسية والحزبية على تحقيق الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية، التي تؤهلها لتشكيل الحكومة، دون الائتلاف مع غيرها من الأحزاب، والقوى، والكتل، والتيارات السياسية.

بيد أن انتشار هذا النمط من الحكومات عادة ما يصاحبه عدة إشكاليات، أهمها عدم الاستقرار، وانفجار الصراعات الحزبية، والانقسامات الداخلية، وضعف الكفاءة الحكومية، نتيجة عدم التوافق على السياسات المختلفة، وتآكل الرضاء العام عن أداء المؤسسات الحاكمة، وضغوط الأحزاب الصغيرة، والاعتراض على المرشحين للوزارات، وطرح الشروط المسبقة، وتأثير الضغوط الخارجية، وعدم القدرة على تمثيل الجماعات السياسية المختلفة، بما يؤدى إلى أن احتمالات الانهيار السريع للحكومات، وتفكك الائتلاف الحاكم.

ذئاب الإقليم

كما بين معدو التقرير ازدياد الحذر، الذي يمثله كل من تركيا وإيران بالنسبة إلى العالم العربي عام 2019، لثلاثة عوامل رئيسية: يتمثل أولها في الدعم المقدم للوكلاء على الأرض، إذ أصبحت الدولتان منخرطتين بشكل كبير، وبمستوى أكثر كثافة وارتفاعا عن ذي قبل في معظم الأزمات الإقليمية، إن لم يكن مجملها، بداية من الأزمة السورية، مرورا بالأزمات العراقية، واللبنانية، والليبية، وانتهاء بالأزمة اليمنية.

ويتعلق ثانيها بالتعامل الخشن من قبل الدولتين مع مستجدات الأزمات المعنية. إذ يلاحظ اعتماد كل من طهران وأنقرة، بشكل أكبر، على القوة الصلبة في تفاعلاتهما مع التطورات السياسية والميدانية التي تشهدها تلك الأزمات. وينصرف العامل الثالث والأخير، إلى طريقة تفاعل إيران وتركيا مع القوى الدولية المعنية بالأزمة. إذ تباينت أنماط التفاعلات بين طهران وأنقرة من جهة، والقوى الدولية المعنية بأزمات المنطقة من جهة أخرى.

وأشار معدو التقرير إلى تباين اتجاهات التفاعلات العربية مع الدولتين، التي تراوحت بين اتجاهات ثلاثة، الأول يحرص على التنديد بالتدخلات المباشرة والمستمرة من جانب طهران وأنقرة في الشئون الداخلية لدول المنطقة وعدّ سياساتهما أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار، وعرقلة الجهود التي تبذل للوصول إلى تسويات سياسية للأزمات الإقليمية المختلفة، ودعم التنظيمات الإرهابية، على نحو ما هو قائم في ليبيا، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن.

ويدعو الثاني، إلى ضرورة منح الأولوية للتفاوض والحوار، في ظل العواقب التى يمكن أن تنجم عن استمرار التصعيد الحالي، وعدم تبلور مسارات التفاعلات الحالية بين الدولتين والقوى الدولية المعنية بأزمات المنطقة. ويحاول الاتجاه الثالث، تعزيز دوره كوسيط من أجل تقليص حدة التوتر والتصعيد بين أي من الدولتين وبعض الدول العربية، على غرار السياسة التي سعت إلى تبنيها دول مثل العراق وقطر.

وفيما يتعلق بالقسم المصري رصد وحلل معدو التقرير ما شهده المجال العام عام 2019 من تفاعلات متنوعة بشأن إقرار قانون الجمعيات الأهلية الجديد، وقوانين المنظمات النقابية العمالية، والتنافس في نقابات التجاريين والصحفيين والأطباء والصيادلة. ورصد التقرير استمرار الاهتمام بمسألة تجديد الخطاب الديني، نظرا لازدياد الطلب السياسي والثقافي عليه. ولعل ذلك دفع المؤسسات الدينية الرسمية، سواء الأزهر الشريف، أو وزارة الأوقاف إلى إطلاق استراتيجيات لتطوير الخطاب الديني.

تحسن نقدي

وفيما يخص الإصلاح الاقتصادي، فقد شهد 2019 تحسنًا ملحوظًا في المؤشرات النقدية، غير أن الاقتصاد المصري لا يزال يواجه تحديات، يأتي في مقدمتها تيسير بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتخفيض معدلات التضخم والفائدة، وتحقيق استقرارها، وضمان حرية المنافسة، ومكافحة الفساد، فضلا عن وقف التدهور في معدلات الفقر، وهو ما يهدد، ليس فقط أهداف برنامج الإصلاح قريبة المدى، بل مسار الاقتصاد المصري مستقبلًا، على نحو يتطلب إعادة الحكومة النظر في أولوياتها وسياساتها الاجتماعية، وأن تبدأ في تطبيق إجراءات لمكافحة الفقر.

وعلى صعيد سياسات الحماية الاجتماعية، فقد حرصت الحكومة خلال العام 2019 على التوسع فيها لتشمل العديد من فئات المجتمع الأكثر تأثرًا ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، وهو ما تجلى في الاستمرار في إصلاح منظومة الدعم بهدف وصوله إلى مستحقيه، وتطوير منظومة دعم السلع التموينية، والعمل على دمج وتمكين المرأة والشباب في جهود التنمية، والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، مع تطوير منظومات الأجور والمعاشات والضمان الاجتماعي لرفع مستوى معيشة المواطن. فضلا عن إطلاق مبادرة "حياة كريمة"، وتطوير الرعاية الصحية.

التنمية والأمن

كما تواصلت خلال 2019 المهام العسكرية والأمنية والأدوار التنموية التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية. فقد نجحت القوات المسلحة في تقليص خطر الإرهاب في بؤر جغرافية محددة في شمال سيناء، وهو ما توازى مع تأمين الحدود في مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، شرقا مع قطاع غزة، وغربا مع ليبيا، وجنوبا مع السودان، والتي تتسم باضطرابات داخلية، وتحمل تأثيرات إقليمية لا يمكن تجاهلها. كما أسهمت جهود القوات المسلحة في منع انتقال الإرهابيين من سيناء إلى قلب الوادي والدلتا، وتدمير فتحات الأنفاق بين مصر وقطاع غزة، وتحجيم عمليات التسلل والتهريب والهجرة غير النظامية، فضلا عن إلقاء القبض على العناصر الإرهابية الخطرة، علاوة على التنسيق العسكري مع القوى الإقليمية والدولية، وهو ما ظهر في التدريبات والمناورات المشتركة، التي شارك فيها مختلف الأفرع الرئيسية. يضاف إلى ذلك تنفيذ القوات المسلحة العديد من الأدوار فى الأنشطة الاقتصادية الزراعية، والصناعية، والتعدينية، ثم إعادة إنشاء البنية الأساسية المتهالكة.

حضور إفريقي

كما شهدت السياسة الخارجية المصرية عام 2019 تحركات مكثفة للدفاع عن المصالح الأفريقية بعد تسلمها رئاسة الاتحاد الأفريقي لمدة عام، على نحو يؤدى إلى إشراك المجتمع الدولي في حل الملفات والقضايا الشائكة التي تعوق جهود التنمية المستدامة أفريقيًا، وهو ما انعكس في جملة من المؤشرات، منها زيارات متتالية عديدة لمسئولين مصريين إلى الدول الأفريقية، وتعزيز الحضور المصري في منظمات الاتحاد الأفريقي، وكذلك السعي إلى تنسيق الجهود الإقليمية لبناء السلم وتعزيز الأمن، وترسيخ مبدأ الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية باعتباره السبيل الوحيد للتعامل مع التحديات المشتركة التي تواجه الدول الأفريقية، وكذلك بحث سبل تعزيز التجارة البينية بين مصر والدول الأفريقية.

تسوية الصراعات

وعلى صعيد الأزمات العربية، واصلت مصر تمسكها بعدة مبادئ كموجهات رئيسية لمواقفها تجاه تلك الأزمات، ومنها دعم الدولة الوطنية ومؤسساتها الرسمية الشرعية، وتجلى ذلك في أكثر من أزمة عربية، وحفز التسويات السياسية للأزمات، وفقا للمرجعيات الدولية، ودحر الإرهاب بكل أشكاله ومستوياته. أما فيما يخص القضية الفلسطينية، فقد حرصت مصر خلال 2019 على ضبط التصعيد بين طرفي الانقسام (السلطة الفلسطينية وحماس)، حتى لا يحتدم على حساب مواجهة الاستحقاقات المهمة التي تمر بها القضية الفلسطينية، والتي تطلبت، في الوقت نفسه، تثبيت التهدئة بين حماس وإسرائيل.

محاربة الإرهاب

وعلى صعيد القضايا الدولية المحورية فى السياسة الخارجية المصرية، فقد برزت قضيتا مكافحة الإرهاب، ومواجهة الهجرة غير النظامية فى الخطاب، والتحرك الخارجي، نظرا لتهديدهما للأمن الوطني والاستقرار الإقليمي. وقد اتضح أن هناك مجموعة من المحددات الحاكمة للسياسة المصرية تجاه الملفين، وهي مواجهة الإرهاب "بالجملة" لا "بالتجزئة"، ومحاسبة شاملة للدول الداعمة والراعية للإرهاب، ودعم الحلول السلمية للصراعات في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، وتسلم المطلوبين أمنيا، في إطار الاتفاقيات المشتركة، وتعزيز التفاهمات الثنائية مع الدول الغربية المتضررة من ارتدادات الصراعات العربية والأفريقية.

 

 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة