أسفرت الأحداث خلال السنوات الأخيرة عن ضغط كبير على العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا، ففى عام 2019، ساهم غزو تركيا لشمال شرق سوريا وشراء أنظمة الدفاع الصاروخى الروسية S-400 فى زيادة الإجماع بين الحزبين فى واشنطن على أن تركيا حليف غير موثوق به، حسب دراسة للباحث إيان لينش المتخصص فى الشأن التركى والمنشورة على موقع أحوال.
وبحسب الدراسة، تتمركز علاقة التعاون مع تركيا عند نقطة ارتكاز بين أوروبا والشرق الأوسط، وهى ذات أهمية جغرافية استراتيجية هائلة للولايات المتحدة وأوروبا. ومع ذلك، يركز صناع السياسة الأمريكية بشكل متزايد على ردود الفعل العقابية على قرارات السياسة الخارجية التركية ويشككون بشكل روتينى فى عضوية تركيا فى حلف الناتو، على الرغم من عدم وجود آلية لطرد عضو من التحالف.
وقد مول الجيش الأمريكى ورقة حديثة صادرة عن مؤسسة راند تحلل 4 مسارات محتملة يمكن للسياسة الخارجية التركية اتخاذها وتأثيراتها على تخطيط الجيش الأمريكى والسياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام.
استعرض لينش اثنين من هذه المسارات. الأول:عودة الديمقراطية إذا خسر أردوغان إعادة انتخابه فى عام 2023. الثاني: إمكانية قطع أردوغان العلاقات الغربية بشكل نهائى فى السعى لجعل تركيا قوة أورو آسيوية.
ورأى أن عودة الديمقراطية التى تراجع عنها حزب العدالة والتنمية الذى يقوده أردوغان ستكون الأكثر فائدة للمصالح الأمريكية، متسائلا :هل هناك إمكانية لعودة الديمقراطية ؟
وفقا لسيبل أوكتى، الاستاذ المساعد والمدير المشارك لبرنامج الدراسات العالمية بجامعة إلينوي: "ما نشهده هو نظام استبدادى تنافسي،هناك انتخابات، بالتأكيد، ولكن الملعب بعيد عن مستوى المرشحين". وحذرت قائلة: "لا يزال احتمال هزيمة أردوغان منخفض للغاية فى رأيي. أولا، يجب أن يكون هناك مرشح معارضة قوى وجذاب".
تخلت شخصيتان كبيرتان سابقتان عن عضوية حزب العدالة والتنمية، هما أحمد داود أوغلو وعلى باباجان، لتشكيل أحزاب جديدة، لكن أوكتى تقول إنها لا تعتقد أن أيا من الرجلين يمكنه تشكيل ائتلاف واسع بما يكفى لجعله يتقدم لجولة التصويت الثانية فى الانتخابات الرئاسية 2023.
بالإضافة إلى القيادة الكاريزمية، قالت: "يجب أن تستمر المعارضة باستخدام لغة واضحة من أجل مساعدة الناخبين على فهم حقيقة أن تركيا قد تراجعت تحت حكم أردوغان. وأعطت مثال بأكرم داود أوغلو، عمدة أسطنبول، الذى فعل ذلك بالضبط حيث كشف عن الفساد والإهدار فى اسطنبول".
على الرغم من تدخل أردوغان حيث فرض إعادة الانتخابات فى العام الماضى، تمكن إمام أوغلو من هزيمة خصمه فى حزب العدالة والتنمية واستحوذ على منصب عمدة إسطنبول. أن تكرار هذه الاستراتيجية يتطلب انضباط وتماسك كبيرين من أحزاب المعارضة على المستوى الوطني.
وبحسب الدراسة، تبدو الفكرة المعاكسة القطبية المتمثلة فى الانهيار التام فى العلاقات الأمريكية التركية، مع مغادرة تركيا لحلف شمال الأطلسى وتركيزها عن كثب مع الشركاء الاستبداديين فى أوراسيا والشرق الأوسط، غير مرجحة بنفس القدر نظر للفوائد العديدة التى تجنيها تركيا من عضوية الناتو وتجارتها مع أوروبا.
ومع ذلك، تشير ورقة مؤسسة راند إلى أن الرؤية الأوراسية قد اكتسبت شعبية فى الأوساط السياسية والأكاديمية التركية، خاصة بعد قرار الولايات المتحدة فى مايو 2017 بتزويد وحدات حماية الشعب السورى بالأسلحة الثقيلة. وبحسب ما ورد اكتسب المدافعون عن إعادة توجيه السياسة الخارجية التركية صوب الشرق نفوذ بيروقراطى حيث تولوا بعض المناصب فى وزارة الخارجية والقوات المسلحة بعد مغادرة المنحازين إلى العلاقات الأطلسية الذين تم تطهيرهم فى أعقاب الانقلاب.
من المشكوك فيه إلى حد كبير، بالنظر إلى استقطاب السياسة التركية، ما إذا كان الدعم الشعبى لمثل هذا الاتجاه الجذرى للسياسة الخارجية التركية قد يتطور. ومع ذلك، صحيح أن العديد من الأتراك يعتقدون أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا تضر بالأمن القومى لتركيا وأن التغيير الهائل الذى حدث بعد الانقلاب على البيروقراطية التركية قد أخرج العديد من النخب التى تفضل الانخراط الغربى من مواقع صنع القرار.
عززت التغييرات الدستورية التى تمت الموافقة عليها فى عام 2017 السيطرة الرئاسية على القوات المسلحة التركية (TSK)، وهى السلطة التى استخدمتها إدارة أردوغان إما لإطاحة أو فرض التقاعد القسرى على ما يقرب من 46% من قيادات وضباط الجيش.
حسب الورقة البحثية لمؤسسة راند، تخطط الحكومة لتجنيد حوالى 43 ألف فرد جديد لملء صفوفها المستنفدة وإصلاح جميع مستويات التعليم العسكرى المهنى، وذلك بهدف القضاء على ثقافة القوات المسلحة باعتبارها من تحمى علمانية الدولة.
ورأت أن إعادة تشكيل صفوف قيادات القوات المسلحة التركية يمكن أن يساعد حزب العدالة والتنمية إذا قرر الدفع باتجاه سيناريو القوة الأوراسية، لكن تشير الورقية البحثية لمؤسسة راند أيضا إلى أنه "يقال أن ضباط الرتب المتوسطة يشعرون بالإحباط الشديد من القيادة العسكرية ويشعرون بالقلق من إبعادهم فى ظل استمرار عملية التطهير بعد الانقلاب ".
وحذرت الورقة البحثية من أن "هذا السخط قد يؤدى إلى محاولة انقلاب أخرى فى وقت ما، ويبدو أن أردوغان يأخذ التهديد على محمل الجد". سيكون أردوغان حريص على الاستفادة من دعم القوات المسلحة من أجل إعادة توجيه السياسة التركية نحو الشرق، لكنه سيكون حذر من عدم دفع هذه الميزة بعيد نظر لخطر رد الفعل العنيف من الرتب الأدنى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة