"زوجي كان مسافر لدولة ليبيا والعربية التي كان يستقلها قدر الله أن يحدث لها حادثة واحترقت السيارة بمن فيها، لكنني حينما ذهبت لأتعرف على جثة زوجي لم أتعرف عليها بسبب حرق عدد كبير من الجثث، وانتظرت أنا وأهله بعد الحادث ما يقرب من السنة، وبعدها اضطررت للزواج من آخر" – بهذه الكلمات سردت "أ.ن"، 37 سنة، محافظة مرسى مطروح، مأساتها لـ"اليوم السابع" نتيجة فقد زوجها.
لو جوزك مسافر وانقطعت اخباره.. تعملي إيه؟
وتابعت: "وكما ذكرت تزوجت من آخر وأنجبت منه طفلين، ولكن كانت المفاجأة حينما وردت لي رسالة من الزوج الأول على يد أحد أقاربه بأنه لا يزال على قيد الحياة، وأنه سيعود خلال أيام إلى بلده، لكنني لا أعلم ما هو مصيري من الناحية القانونية والشرعية؟ هل سأظل مع زوجي الثاني أم سأعود إلى زوجي الأول الذي كنت أعتقد بوفاته؟ وما هو مصير تركته أو أمواله التي تم توزيعها؟".
وللإجابة على تلك الإشكالية – يقول الخبير القانوني والمحامي محمد عبد السلام – أن هذه الأزمة تدور حول أحكام المفقود وهو الشخص الذي يتغيب دون أن نعرف هل هو لا يزال على قيد الحياة أم توفاه الله؟ لكن الظروف التي اختفى أو تغيب فيها تقول إنه في الغالب "مات"، فالقانون يعتبره "ميت حكماَ" وهذه يطلق عليها أحكام المفقود، بمعنى أدق هناك فرق بين أحكام الغائب أو أحكام المفقود حيث أن "الغائب" معلوم مكانه ولكن ليس معلوم هل لا يزال حي أم ميت، بينما "المفقود" ليس معلوم مكانه ولا معلوم كونه حي أم ميت، وهنا يبقى السؤال متى يتم اعتبار المفقود ميتا؟ ومتى تتزوج زوجته؟ وما الموقف إذا ظهر حيا بعد ذلك وطالب بأمواله وبزوجته؟
الشخص الذى يختفى يكون في ظرف من الإثنين إما في ظرف يغلب فيه الهلاك أو في ظرف لا يغلب فيها الهلاك، والفرق بينهما لو الشخص اختفى في حالة يغلب فيها الهلاك مثل سقوط طائرة كان على متنها أو غرق سفينة أو دولة وقع فيها زلزال أو فيضان أو باء هذه هي الحالة التي يغلب فيها الهلاك، ففي هذه الحالة يكون لدينا قاعدة وعدة استثناءات حيث تتمثل تلك القاعدة بعد عملية البحث والتحري تصدر محكمة الأحوال الشخصية – محكمة الأسرة – حكم باعتبار الشخص "ميت" بعدما يكون مر على الواقعة 4 سنوات من تاريخ فقده – وفقا لـ"عبد السلام".
شروط اعتبار الشخص مفقوداً هي:
1-أن يكون الشخص غائباً، وغيابه هذا لم يعرف له مقام، سواء غادر بلده الى بلد غير معلوم، أم لم يغادره، أو خرج إلى الحرب ولم يعد، أو غاب بعد كارثة من الكوارث الطبيعية، كالزلازل أو الحرائق أو غيرها.
2-أن ينقطع خبره، أي أن لا يبلغ ذويه شيء مما هو صادر عنه، فيجهلون محل اقامته، وكل معلومة عنه .
3-أن لا تعلم حياته أو مماته، أي أنه لا يمكن التحقق من مصيره فيما إذا كان حياً أو ميتاً .
ما هى اجراءات اعتبار المفقود ميتا؟
أولا: طالما لم يحكم بوفاة المفقود بعد فإن شخصيته القانونية تبقى قائمة.
إذا انقضت سنة على غياب الشخص وترتب على هذا الغياب تعطل مصالحه، فإنه على المحكمة أن تحكم بتثبيت الوكيل الذي يكون الغائب قد عينه قبل غيابه، فإن لم يكن الغائب قد عين وكيلا عنه، فللمحكمة أن تعين وكيلا عن الغائب لإدارة أمواله.
ثانياً: الحكم بموت المفقود:
-إذا كان الفقد في ظروف يرجح فيها الهلاك:
ومن ذلك أن يكون الفقد في ظروف حرب أو كارثة "كزلزال أو حريق أو فيضان" في هذا الفرض توجد قاعدة عامة تجيز للقاضي أن يأخذ بهذه القرينة التي ترجح الهلاك ويحكم بوفاة المفقود بعد مضي 4 سنوات من تاريخ فقده، وذلك بعد قيام القاضي بواجب التحري بكافة الطرق للتحقق من هلاكه.
الاستثناء: خفض المشرع المدة من 4 سنوات إلى سنة واحدة في حالات جاء بها علي سبيل الحصر وهذه الحالات هي: "حالة الفقد إثر غرق سفينة، وحالة الفقد إثر سقوط طائرة، و فقد أحد أفراد القوات المسلحة أثناء العملية الحربية"، وفي هذه الحالات الثلاث يلزم علي الجهة المختصة بإصدار القرار باعتبار المفقود ميتا التحري بكافة الطرق الممكنة لترجيح الهلاك قبل إصدار قرار اعتبار المفقود ميتاً.
الفرض الثاني: الفقد في ظروف لا يغلب عليها الهلاك:
كسفره لطلب العلم أو للسياحة أو للعمل ثم تنقطع أخباره تماماً عن أهله، بحيث لا يدري أمات أما مازال حياً، في هذا الفرض علي القاضي أيضا واجب التحري بكافة الطرق الممكنة للتحقق من غلبة حياته أو مماته إلا أن تقدير المدة التي يجب مضيها علي الفقد موكول إلي القاضي والراجح أنه لا يجب أن تقل هذه المدة عن 4 سنوات.
ما هي الجهة المختصة بإصدار الحكم "أو القرار باعتبار المفقود ميتا"؟
أولاً: القاعدة العامة: أن يصدر الحكم باعتبار المفقود ميتا من محكمة الأحوال الشخصية.
ثانياً: الاستثناء: يصدر قرار اعتبار المفقود ميتا من رئيس مجلس الوزراء في حالتي الفقد إثر غرق سفينة أو إثر سقوط طائرة أما في حالة فقد أحد أفراد القوات المسلحة أثناء العمليات الحربية فوزير الحربية هو الذي يصدر قرار اعتبار المفقود ميتا.
آثار الحكم باعتبار المفقود ميت
إذا صدر حكم أو قرار يقضي باعتبار المفقود ميتا فهذا يعني انتهاء شخصيته القانونية كما لو كان قد مات حقيقة، من تاريخ الحكم أو القرار باعتبار المفقود ميتاً: ويسري هذا الحكم بالنسبة لزوجة المفقود كذلك بالنسبة لأمواله.
تعديل القانون
وبحسب تعديل مواد ونصوص مدى اعتبار المفقود ميت فقد نص قانون رقم 140 لسنة 2017، بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية، وجاء في نص المادة الأولى، أنه:
"تقرر استبدال نص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 21، وبنص المادة 22 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية، بالنصان الآتيان، الأول: أن يعتبر المفقود ميتًا بعد مضي 30 يومًا على الأقل من تاريخ فقده في حالة ما إذا ثبت أنه كان على ظهر سفينة غرقت أو كان في طائرة سقطت، أو بعد مضي سنة من تاريخ فقده إذا كان من أفراد القوات المسلحة وفقد أثناء العمليات الحربية أو من أعضاء هيئة الشرطة وفقد أثناء العمليات الأمنية".
وتتضمن النص المستبدل للمادة 21، أن يُصدِرْ رئيس الوزراء أو وزير الدفاع أو وزير الداخلية بحسب الأحوال، وبعد التحري واستظهار القرائن التي يغلب معها الهلاك، قرارًا بأسماء المفقودين الذين اعتبروا أمواتًا في حكم الفقرة السابقة، ويقوم هذا القرار مقام الحكم بموت المفقود.
فيما نصت النص الجديد للمادة 22، على أنه: "عند الحكم بموت المفقود أو نشر قرار رئيس مجلس الوزراء أو قرار وزير الدفاع أو وزير الداخلية باعتباره ميتًا على الوجه المبين في المادة 21، من هذا القانون، تعتد الزوجة عدة الوفاة، وتقسم تركته المتوفي بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم أو نشر القرار في الجريدة الرسمية، كما تترتب كافة الآثار الأخرى"، وجاء في نص المادة الثانية من القرار، أن يعمل بالتعديل آنف الذكر فور نشره بالجريدة الرسمية.
أحكام المفقود زوجها
إذا ظهر المفقود حيا فإن يسترد شخصيته القانونية بأثر رجعي أي يعتبر كأنه لم يفقدها في يوم ما ويعتبر الحكم بالفقد كأن لم يكن.
-بالنسبة لأمواله:
-إذا كانت الأموال محلا لأشياء قابلة للاستهلاك فإنه لا يرد منها إلا ما تبقي في يد الورثة أما المال الذي استهلك بالفعل فلا يسترده.
-إذا كان الأموال محلا لأشياء غير قابلة للاستهلاك فإنه يفرق بين المال الذي بقي لدي الورثة وبين المال الذي تم التصرف فيه للغير ففي الحالة الأولى يمكن للمفقود أن يسترد المال المتبقي لدي الورثة أما في الحالة الثانية فإنه يفرق بين الفروض الآتية:
1-إذا كان التصرف قد تم بسوء نية من جانب الورثة والمتصرف إليه، ففي هذه الحالة للمفقود استرداد المال، وللمتصرف إليه الرجوع علي الورثة بالتعويض.
2-إذا كان التصرف بسوء نية من جانب الورثة فقط فليس للمفقود طلب استرداد المال وإنما له حق الرجوع عليهم بالتعويض.
3-إذا كان التصرف قد تم بحسن نية فليس للمفقود طلب استرداد المال ولا المطالبة بقيمته.
بمعنى أدق:
الزوجة وأموال المفقود تمر بثلاثة مراحل:
أولاَ: منذ وقوع الحادث لحين صدور الحكم أو القرار: يجب التعامل مع الزوج على أنه حى وليس ميت وبالتالي زوجته تصبح على ذمته ولا يجوز لها الزواج.
ملحوظة: يحق للزوجة في هذه الحالة إقامة دعوى طلاق للضرر بسبب غيابه وليس فقده.
أمواله لا يجوز توزيعها أو تقسيمها . لو كان له وكيل عنه يحق له أن يدير أمواله. إن لم يكن لو وكيل على المحكمة أن تعيين له وكيل.
ثانياَ: المرحلة الثانية: صدور حكم أو قرار بأنه "ميت"
-تعتبر الزوجة أرملة من تاريخ صدور الحكم أو القرار وتبدأ في تلك اللحظة أن تعد عدة الوفاة وليس الطلاق وهى 4 شهور و10 أيام وبعدها يحق لها الزوج.
-أما أمواله أو تركته من بداية يوم صدور الحكم أو القرار يبدأ توزيع التركة.
ثالثاَ: ظهور المفقود.. ما هو الحكم القانوني في عودة المفقود للزوجة؟
بالنسبة لزوجته: هناك حالات قرر فيها القانون عودة الزوجة إلى زوجها المفقود بعد ظهوره وذلك بقوة القانون دون حاجة إلى عقد جديد.
-وهناك حالة قرر فيها عدم العودة.
الحالة الأولى تتضمن 4 شروط:
أ-إذا لم تكن الزوجة تزوجت بغيره وهذه لا تثير أية مشكلة حيث تبقي العلاقة الزوجية قائمة مستمرة.
ب-إذا كانت قد تزوجت بغيره ولكنه لم يدخل بها وفي هذه الحالة يعتبر عقد الزوج الثاني مفسوخاً.
ج-إذا كانت قد تزوجت بشخص سيء النية أي يعلم بحياة المفقود ولكنه رغم ذلك سارع إلى الزواج في هذه الحالة يجب أن عامل هذا الشخص بنقيض قصده وهنا يعد عقد الزواج الثاني باطلاً.
د-إذا تم الزواج أثناء فترة العدة فهنا يعد الزوج الثاني لزوجة المفقود سيئا النية باستعجالها الزواج قبل انقضاء فترة العدة وفي هذه الحالة يعد عقد الزواج الثاني باطلا.
الحالة التي ليس للمفقود الحق في إعادة زوجته إليه، تتضمن 5 شروط كالتالي:
أ-إذا تزوجت زوجة المفقود فليس للمفقود الحق في إعادتها إليه إذا توافرت الشروط الآتية:
ب-أن يكون الزوج الثاني قد دخل بها.
ج-أن يكون الزوج الثاني حسن النية أي لم يكن يعلم بأن المفقود مازال على قيد الحياة.
د-ألا يكون الزواج قد تم في فترة العدة.
ه-إذا توفرت هذه الشروط مجتمعة لم يكن للمفقود أن يسترد زوجته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة