هل لفت انتباهكم أن العين تغمض دائمًا في أكثر اللحظات صدقًا، فعندما نضحك بشدة، نجد العين قد أغضمت، وعندما نبكي، نُغمض أعيننا، وعندما نتعانق، وعندما نخشع للمولى عز وجل، وندعو ونتضرع، وعندما نحلم ونتخيل، وعندما نشعر بالامتنان، وكذلك عندما نشعر بالأسى، وأيضًا عندما نشعر أننا خرجنا من أزمة أو مأزق، فحينها نُغمض أعيننا، ونأخذ نفسًا عميقًا.
فكل هذه الأحاسيس كانت العين فيها مُغمضة، والسبب يرجع إلى أن الإحساس كلما اكتنفه الصدق، يجعل الإنسان يرى ببصيرته، وليس ببصره، فالبصر يعجز عن احتمال هذا الكم من الصدق في الإحساس، فيطلق العنان للخيال؛ لكي يسبح في الصور التي تتراءى أمامه، وفقًا لمُخيلته.
فالبصيرة لا تقف عند حدود معرفة الحق من الباطل، والصدق من الكذب، ولكن البصيرة تمتد إلى مرحلة الخيال، فالإنسان يستطيع أن يشعر بالأحاسيس العميقة الصادقة ببصيرته، فعندما يجد من يحتضنه، فبصيرته وحدها هي التي تحدد له إن كان هذا الحُضن صادقًا أم لا، وعندما يحلم، فقلبه هو الذي يدله، إنه كان حُلمه يسير في الاتجاه الصحيح، أما أنه أخطأ المسار.
فهناك أشياء لا تحتاج رُؤيتها إلى البصر، وإنما تحتاج فقط إلى القلب والبصيرة، فهما كافيان لكي يدلان الإنسان على صدق الأحاسيس التي يعيشها، فأغمض عينيك كيفما شئت، واترك العنان لقلبك لكي يرى ببصيرته، فقد يرى القلب ما لا تراه العين.
فالعين ترى الأشياء المادية فقط، أما القلب، فيرى ما بالداخل، ما يدور في الأعماق، ويسبح مع الأحاسيس، حتى لو كانت ضد التيار؛ لأنه أحيانًا كثيرةً ما يرى ما وراء الأفق.
وما أجمل أن ترى بصيرتك ما يفوق حُدود بصرك، وللأسف، البصيرة عادةً لا ترى إلا عندما تغمض العين وتخلد إلى السكون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة