د. داليا مجدي عبد الغني تكتب: البُكاء الأخير

الجمعة، 04 ديسمبر 2020 01:14 م
د. داليا مجدي عبد الغني تكتب: البُكاء الأخير د. داليا مجدي عبد الغني

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

ناك لحظة يرتجف فيها الجسد، لدرجة يصعُب معها السيطرة على الأعضاء أو الحواس، فيظن الإنسان أنه أصبح كائنًا هُلاميًا بلا أساس يرتكز عليه، فمفاصله تبدو غير مُترابطة، وأعصابه تكون غير مُتماسكة، وأنفاسه تلهث بشدة، وعينيه تُصبح غائرة، وضربات قلبه تكون مُتلاحقة، ويشعر أن أحشاءه أوشكت أن تُنتزع من داخله، والسبب في كل هذا الاضطراب للأسف، يكمن في كلمة أو لفظ أو تعبير أو أسلوب، قد يتسبب في تلك الحالة، التي تدعو إلى الرثاء.

وهنا أول شيء يبحث عنه صاحب ذلك الشعور لا يكون مُرتبطًا فقط بالمقعد الذي يتهاوى عليه، حتى يُلقي بجثته فوقه؛ بسبب تخبطه النفسي، الذي انتقل إلى أعضائه وحواسه، وإنما يبحث عن الشخص الذي يرتمي في أحضانه؛ لكي يُلقي بأعباء آلامه عليه، دُون أن ينطق بكلمة واحدة، ولو لم يجد ذلك الشخص، رُبما يسقط في ظلمات الألم، وغياهب الأحزان، التي يصعُب انتشاله منها، فكلمة واحدة، قد تُحيل الإنسان من حال إلى حال، وقد تُبدل أحاسيسه بالكامل، وربما تخرج منه شخصًا آخر لا يعرفه.

قديمًا قالوا: "الضربة التي لا تقتلك تُقويك"، وأنا أقول: "الكلمة التي تقتلك هي أيضًا التي ستُنجيك"؛ لأنك عندما تسمعها، ستنكشف أمامك كل الحقائق، وستتجلى لك كل الأمور، وستنقشع السحابة من على عينيك، ربما ستبكي، ولكن بلا شك سيكون البُكاء الأخير، فربما كلمة أبكتك بشدة، ولكنك لن تبكي بعدها أبدًا؛ لأن بُكاءك الأخير سيُطهرك من كل آلامك الماضية، وسيفتح آفاق الأمل أمام عينيك من جديد.

فلا تحزن من الكلمات القاتلة، أو التعبيرات الجارحة، أو الأساليب العاتية، ففي النهاية تلك الأشياء هي التي تُوقظ الحياة من جديد بعد انقشاع ضباب السنين، ولا ضرار في أن تسمح لعينيك أن تدمع بدُموع البُكاء الأخير.

               بقلم

د./ داليا مجدي عبد الغني







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة