نظام عالمى جديد في مؤتمر برلين.. الفاعليات تتجاوز مناقشة الأزمة الليبية.. وأوروبا تحتشد خلف روسيا لملء فراغ "الحماية والحمائية" الأمريكية.. وتجاهل "ذراع أوباما المكسور" دليل على تغير طبيعة التحالفات

الأربعاء، 22 يناير 2020 05:00 م
نظام عالمى جديد في مؤتمر برلين.. الفاعليات تتجاوز مناقشة الأزمة الليبية.. وأوروبا تحتشد خلف روسيا لملء فراغ "الحماية والحمائية" الأمريكية.. وتجاهل "ذراع أوباما المكسور" دليل على تغير طبيعة التحالفات مؤتمر برلين
تحليل يكتبه: بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رغم أن الأزمة الليبية كانت بمثابة القضية المهيمنة على فاعليات مؤتمر برلين، فإن تداعيات المؤتمر ربما تتجاوز تلك القضية إلى قضايا أكبر، لا تقتصر على المدى الإقليمى فى منطقة الشرق الأوسط، وإنما تمتد إلى النظام الدولى بأسره.

ويظهر ذلك فى مشاركة العديد من القوى الدولية الرئيسية، ذات التوجهات المختلفة، ليصبح جزءا لا يتجزأ من مشهد أكبر، تتشكل من خلاله تحالفات جديدة، ربما تبدو أكثر ملائمة للخريطة الدولية الجديدة، والتى من المستبعد أن تهيمن عليها قوى بعينها، على غرار مرحلة ما بعد الحرب الباردة، والتى تحول فيها العالم، إلى نظام أحادى تتزعمه الولايات المتحدة بمفردها، فى حين تحولت باقى القوى الأخرى، بين التبعية لواشنطن على غرار أوروبا، أو الانكفاء على الداخل بغرض البناء والإعداد لمرحلة جديدة، كما هو الحال فى روسيا.

ولعل الملفت للانتباه فى مؤتمر برلين، هو حضور قوى دولية ذات توجهات دولية وإقليمية متناوئة، مثل ألمانيا وفرنسا، واللتان تدعمان أوروبا الموحدة، وبريطانيا المتمردة، والتى تستعد للخروج من الاتحاد الأوروبى فى أواخر الشهر الجارى، بالإضافة إلى الحضور الروسى رفيع المستوى، برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين، بينما اكتفت الولايات المتحدة بحضور وزير خارجيتها مايك بومبيو، فى انعكاس صريح لأهمية الأطراف الفاعلة على مستوى الأزمة من جانب، أو حتى تغير خريطة التحالفات الدولية، فى المرحلة الجديدة، والتى تمثل بداية النظام الجديد، متعدد الأقطاب، الذى سيهيمن على العالم فى المستقبل القريب، فى حين تبقى أنقرة الطرف المنبوذ، فى ظل تجاهل الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان من قبل زعماء العالم، مما اضطره إلى الانسحاب فى نهاية المطاف.

بين الحماية والحمائية.. روسيا تملأ الفراغ الأمريكى بأوروبا

الحضور الروسى الطاغى فى مؤتمر برلين يمثل انعكاسا صريحا لحقيقة أصبحت مهيمنة على الرؤية الدولية الراهنة، تقوم فى الأساس على أن موسكو لم تعد خصما لأوروبا الغربية، على عكس مرحلة ما بعد الحرب الباردة، بفضل المصالح المشتركة التى تجمع الجانبين، وعلى رأسها المخاوف الأمنية جراء تنامى الدور الذى تلعبه الميليشيات فى ليبيا، بالإضافة إلى الاعتماد الأوروبى على الغاز الروسى باعتباره أحد مصادر الطاقة الرئيسية التى لا غنى عنها لتحقيق التنمية الاقتصادية فى القارة العجوز، وذلك بعد التخلى الأمريكى عن الحلفاء الأوروبيين، سواء عبر سياساته الاقتصادية "الحمائية" عبر فرض تعريفات جمركية، على الواردات الأوروبية للأسواق الأمريكية منذ بداية حقبته من جانب، أو تخليه عن "الحماية" الأمنية المجانية لهم، عبر التلويح بورقة الانسحاب من الناتو، فى انقلاب صريح على التقاليد التى اعتمدها المعسكر الغربى، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فى الخمسينات من القرن الماضى.

صورة للزعماء المشاركين فى مؤتمر برلين
صورة للزعماء المشاركين فى مؤتمر برلين

وبين "الحماية الأمنية" و"الحمائية الاقتصادية"، أصبحت الولايات المتحدة طرفا مشكوكا فى نواياه من جانب دول الغرب الأوروبى، والتى أصبحت بحاجة إلى شركاء جدد، من بينهم روسيا، يمكن الاعتماد عليهم، سواء سياسيا أو اقتصاديا، أو أمنيا، وإن كانت سياسة "الاعتماد" الأوروبى، سوف تحمل مناحى مختلفة، عن السياسات السابقة، والتى اعتمدوا خلالها على الجانب الأمريكى، حيث ستقوم العلاقة بين الشركاء فى المرحلة الجديدة على مبدأ الشراكة، وليس نهج التبعية، والتى طالما اعتمدته واشنطن فى التعامل مع حلفائها لعقود طويلة من الزمن، حيث ستقوم الصفقة الجديدة التى سوف تعتمدها دول القارة العجوز، على تقديم ثمن واف لحمايتها، سواء اقتصاديا، عبر التعاون مع مختلف الأطراف (أمريكا وروسيا)، أو سياسى، عبر تنويع التحالفات، وهو ما يفتح الباب أمام المزيد من النفوذ الروسى فى القارة التى تمثل أهم مناطق النفوذ الأمريكى فى العالم.

اعتراف غربى.. روسيا تحولت من طرف منبوذ إلى مرغوب دوليا

ويمثل التعاون الأوروبى مع روسيا، فيما يتعلق بالشأن الليبى فارقة مهمة، حيث أنه يعد بمثابة اعترافا صريحا من دول الغرب الأوروبى، بالنجاح الروسى المنقطع النظير فى دحض الإرهاب فى سوريا، وهو ما يمثل تغييرا، يصل إلى حد الانقلاب فى المواقف الأوروبية، حيث كانت دول القارة العجوز أكبر الرافضين للدخول الروسى العسكرى على خط الأزمة لمساندة نظام الرئيس بشار الأسد، والجيش العربى السورى، فى إطار دعمهم السابق للميليشيات المدعومة من تركيا، والتى حظت بمباركة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابى، والذى تمكن من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى فى سوريا والعراق، بين عامى 2013، و2014، فى إطار دولتهم المزعومة، والتى تتطابق مع رؤية الخلافة المزعومة التى يتبناها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.

توتر العلاقة بين أمريكا وحلفائها خلق فراغا فى أوروبا
توتر العلاقة بين أمريكا وحلفائها خلق فراغا فى أوروبا

وهنا يمكننا القول بأنه فى الوقت الذى تتشابه فيه المعضلة الليبية مع الأزمة السورية، من حيث المخاوف التى ارتبطت بكل منهما جراء التهديد الذى تمثله التهديدات الإرهابية، أصبحت المواقف الدولية تجاههما على طرفى النقيض، حيث أصبح النفوذ الروسى المنبوذ فى سوريا، بمثابة حاجة دولية ملحة، فى ليبيا، وإن كان بصورة مختلفة، على الأقل حتى الآن، بعيدا عن التدخل العسكرى المباشر، والذى جاء على الأراضى السورية بطلب مباشر من الحكومة الشرعية، وبالتالى يخرج عن نطاق التدخل فى شئون الدول الأخرى، والمحظور فى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ذراع أوباما المكسور.. تجاهل أردوغان امتداد لتغير خريطة التحالفات الدولية

ولم تقتصر التغييرات الكبيرة فى خريطة التحالفات الدولية، على صعود النفوذ الروسى فى العمق الأوروبى للولايات المتحدة، حيث كانت حالة التجاهل الدولى للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، أحد المشاهد المؤثرة، التى تمثل انعكاسا صريحا لتوارى دور أنقرة، باعتبارها أحد القوى الرئيسية الداعمة للإرهاب، فى منطقة الشرق الأوسط، وبالتالى يبقى الدور الذى تنشده مشبوها فى أنظار كافة زعماء العالم، وذلك بعد سنوات من الاعتماد الغربى على الذراع التركى، لإعادة تشكيل المنطقة فى المرحلة المقبلة.

يبدو أن الغرب الأوروبى أدرك الثمن الفادح وراء التبعية لإدارة أوباما، خاصة فيما يتعلق بمواقفه تجاه منطقة الشرق الأوسط، حيث طالت يد الإرهاب العمق الأوروبى فى الداخل، بينما كانت أزمة اللاجئين أحد أكثر الأزمات المؤرقة، والتى أطاحت بحكومات، لتأتى بأخرى ذو توجهات جديدة، بينما كانت أحد الأسباب الرئيسية فى حالة التفكك التى يشهدها الاتحاد الأوروبى، خاصة بعد خروج بريطانيا "بريكست"، والمقرر أن يدخل حيز النفاذ فى أواخر الشهر الجارى.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة