أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد حبوشه

موسم الطائف يضىء سماء عروس المصايف السعودية

الجمعة، 06 سبتمبر 2019 02:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هى مدينة سعودية ساحرة المنظر، بهية الطلة بمنازلها المبنية على النمط العربى المزخرف، وتغطى واجهات منازلها بالرواشين والمشربيات والنوافذ الخشبية بالزخرفة والنقش المعمارى العتيق، كما يعتبر بناء المنازل والبيوت فيها متشابها بضيق الأحياء فيما بينهم من تعاريج بين الأزقة التى تنتهى إلى تفضى إلى براحات، إما أن تكون واسعة المساحة أو ضيقة متخمة بالتعرجات والانحناء الملتوية فى رقة وعذوبة ولين، وربما هذا يعود إلى التواصل الأسرى الذى كان سائداً فى تلك المدينة عبر الأزمنة البعيدة.

إنها "الطائف" التى كانت وماتزال مقصدا للاستجمام والهدوء والراحة والاستمتاع بالطبيعة الرحبة لى ولغيرى فى أثناء فترة إقامتى بجدة قبل 25 عاما، حيث تبعد عن جدة حوالى 160 كم، وأذكر فى أول زيارة لهذه المدينة أننى لم أصدق أن هذه البقعة الرطبة موجودة على أرض السعودية، فمعظم معلوماتنا عادة تأتى عن مدن الرياض والمدينة ومكة وجدة، حتى أننا كدنا نصدق أن المملكة عبارة عن صحراء جرداء، فبمجرد أن تطأ قدميك أرضها حتما تداعب وجنتيك نسمات من هواء منعش وأنت تتهيأ للدخول من بوابتها التى تفوح منها رائحة العطر، حيث الزهور تحيط بها فى كل مكان، فلن تجد أجمل من جداول أودية الطائف التى تحفها أغصان الورد والزهور الجميلة، وتنبت على أطرافها أشجار فواكه الرمان والعنب والتين.

وسوف تسر عينيك وأنت تتجول بين أزقتها وحواريها منازل وقصور عديدة غاية فى الروعة والجمال، مثل "قصر شبرا" بحى شبرا، وعشرات المنازل القديمة والمتبقية حتى الآن بحى "قروى والسلامة" وحى "فوق"، وكذلك بناء الدكاكين والأسواق والمبانى الشعبية بمختلف الأحياء القديمة ذات الطابع الأثرى مثل : (خان آل المفتى "قبل الهدم" بوسط السوق، وخان آل القاضى وخان آل ابن معمر وخان آل الملطانى "قبل الهدم")، وتضم منطقة السوق ذات الطابع التقليدى العربى عدة أنشطة تجارية وتتميز بسمة من سمات البناء القديم، حيث تمثل قطعة متماسكة بالبناء والتخطيط العمرانى التاريخي، وظلت منطقة السوق محتفظة بآثارها القديمة إلى عهد قريب.

وكانت هذه الباحات والأزقة والأسواق التجارية والمنازل والبيوت الشعبية تضاء بالأتاريك والفوانيس بالغاز ليلا، من قبل أسـر عريقة مشهورة بمدينة الطائف قديما، فضلا عن كل ذلك تتمتع الطائف بطقسها المعتدل طوال العام، فلا تزيد درجة  الحرارة فيها عن الثلاثين إلا قليلا، كما أن الرطوبة فيها لاتصل إلى 30%، لذا ستبقى وتظل هى عروس المصايف السعودية والخليجية.

تذكرت كل تلك المشاهد وشعرت بنشوة هواء "الطائف" وأنا أتابع فعاليات "موسم الطائف"، تلك التظاهرة الثقافية التى أطلقتها هيئة الترفيه برئاسة "المستشار تركى آل شيخ" الذى غير مفاهيم الترفية فى المملكة بتحويل مهرجاناتها إلى بقعة مضيئة بكل عناصر الثقافة والفكر، إلى جانب الترفيه بمفهوم عصرى على جناح الفن بحكم أنه شاعر ومهتم بالنغم، ولعل الفعاليات التى اختتمت أعمالها يوم السبت الماضى بعد أن استمرت طوال شهر أغسطس، تؤكد مفهوم "ثقافة الترفيه" حيث شهدت إقبالاً كبيراً تجاوز 2.5 مليون زائر، وسط متابعة من كافة وسائل الإعلام المحلية والعربية، وتفاعل لافت للنظر فى وسائل التواصل الاجتماعي، أشادت بتنوع وجمال الفعاليات، ودقة التنظيم، ونجاح الموسم فى تحقيق أهدافه، لتبدو الطائف فى أبهى صورها مزدانة بالكرنفالات المصحوبة بالنسمات الباردة والورود الندية والفواكه الموسمية.

تفاعل "موسم الطائف" هذا العام بشكل إيجابى ومؤثر، مع المجتمع المحلى للمدينة عبر توفير نحو 15 ألف وظيفة موسمية، مع إتاحة الفرص الاستثمارية لرواد الأعمال، والشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسط، ودعم الأسر المنتجة والحرفيين وأصحاب الأعمال المتناهية فى الصغر، عن طريق توفير المنصات الملائمة، بالإضافة إلى تأهيل ما يزيد عن 1500 شاب وفتاة؛ فى 9 مسارات تدريبية لإثراء تجربة الزوار ورفع مستوى الجودة والخدمات، وهو الأمر الذى جعل "موسم الطائف" يلقى تفاعلا ملفتا زاد عن 35 مليوناً فى مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر من 300 مليون ظهور رقمى، مع تغطية كبيرة من وسائل الإعلام المحلية والعربية، وحتى العالمية، أبدت إعجابها وتغطيتها للكثير من التفاصيل الملهمة، ومستوى الخدمات والنقل والبنية التحتية، مما يعزز أهداف المملكة لتصبح من أهم الوجهات السياحية فى العالم، مع إسهام "مواسم المملكة" فى تحسين جودة الحياة ورفع مستوى معيشة المواطن السعودى.

شهد "موسم الطائف" لهذا العام إقامة أكثر من 70 فعالية نوعية، فى 4 مناطق رئيسية، هى "سوق عكاظ، ومهرجان ولى العهد للهجن، وقرية ورد، وسادة البيد"، إضافة إلى مجموعة من الفعاليات المصاحبة، مثل: "مهرجان التسوق، ماراثون الألوان، الرحلات السياحية" وغيرها، وقد شملت الفعاليات النوعية عدة محاور؛ تجسد ما تملكه مدينة الطائف من مقومات، حيث ركز "سوق عكاظ" على إبراز المكانة التاريخية والعمق الحضارى للمدينة، من خلال مجموعة من الفعاليات الإبداعية والمبتكرة، مثل: "جادة عكاظ، فرسان الوطن، فتيان عكاظ، الحى والسوق التاريخي، مسار القوافل"، والتى شهدت عروضاً مسرحية تفاعلية شارك فيها أكثر من ألفى ممثل محترف، بأزيائهم التراثية ولغتهم الفصحى وترحابهم الجميل.

كما رسخ السوق مكانة "الطائف" على مستوى السياحة العربية؛ عندما دشن ولأول مرة "حى العرب" بمشاركة 11 دولة عربية، على رأسها المملكة العربية السعودية، ولقد جذب جناح مصر أعداداً كبيرة من الزوار، مع الفلكلور الشعبى والفن الأصيل، بجانب تقديمه أشهى الأطباق، وأشهر المنتجات التى تجسد حضارة وثقافة وفنون مصر، بالإضافة إلى احتضان مسرح عكاظ الرئيسى لـ "أوبريت عكاظ"، و"ليالى عكاظ الطربية" بمشاركة نجوم الغناء من العالم العربي، وركزت فعالية "قرية ورد" التى أقيمت فى منتزه "الردف الشهي" على وفرة المنتوجات الطبيعية، وأشهرها "ورد الطائف" الذى اكتسب شهرة عالمية، رسختها القرية عبر سلسلة من الفعاليات النوعية الإبداعية، التى مزجت الألوان الزاهية بأجمل الرقصات والأنغام الموسيقية.

ولقد لفت نظرى فى قلب تلك التظاهرة الثقافية التى شاهدتها عن كثب على شاشة إحدى الفضائيات السعودية أن "قرية الورد" احتضنت مجموعة من الفعاليات التى تقدم المعرفة بقالب ترفيهي، لتعريف الزوار بأنواع الزهور وطرق التحضير وصناعة العطور والمنتجات المتنوعة، وتقديم الأطعمة والمشروبات بنكهة الورد، إضافة إلى: "جادة الفواكه، السيرك العالمي، الألعاب النارية"، كما كان لافتا أيضا أن "مهرجان الهجن" واصل تألقه على المستوى العالمي، للعام الثانى على التوالي، وهذا عامه الأول تحت مظلة "موسم الطائف"؛ بأرقامه القياسية فى عدد الهجن المشاركة الذى تجاوز 10 آلاف، والجوائز التى كسرت حاجز الـ 50 مليون ريال.

 

ويعتبر "محور الطبيعة" من أهم محاور موسم الطائف الذى ينطلق فى عامه الأول، وهو مهرجان يمتد لثلاثين يوما تحت مظلة "مواسم السعودية" ويهدف لإبراز مكانة الطائف كـ"مصيف العرب" والوجهة المصيفية المختارة للزوار من داخل المملكة وخارجها طوال شهر أغسطس، مع تقديم مجموعة من الفعاليات والأنشطة النوعية التى تبزر المقومات الطبيعية المتنوعة لمدينة الطائف، وبالتأكيد فإن الزهور من أهم محاور مهرجان "موسم الطائف" لهذا العام، بما يعكس أهميتها للمدينة، ففى موسم القطاف، يتم تجميع 70,000 وردة يوميا وتستخدم فى صناعة مجموعة متنوعة من المنتجات، كالعطور وماء الورد والصابون ومرطبات البشرة وغيرها من المنتجات العلاجية ومنتجات الاسترخاء، ولإبراز دور الورد فى الثقافة المحلية، إلى جانب إمتاع حواس الزوار، تأتى "قرية ورد" كواحدة من أهم معالم موسم الطائف، حيث تضم القرية ثمانية أقسام مفتوحة طوال الموسم لتقدم للزوار معلومات عن تاريخ الورد الطائفى ومراحل زراعته وتقطيره والمنتجات التى تُصنع منه كل ذلك بشكل تعليمى وترفيهي.

 

كما أعجبنى أكثر فى قلب مشاهد "موسم الطائف" كشف الأمير فهد بن جلوى بن عبد العزيز بن مساعد رئيس الاتحاد السعودى للهجن، الستار عن أكبر مجسم للهجن فى العالم، بحضور مندوب موسوعة جينيس العالمية للأرقام القياسية "قلين بولارد"، ويقف مجسم الهجن بقرية الهجن بمهرجان ولى العهد للهجن بحديقة الملك فيصل بالطائف على قاعدة فولاذية ضد التأكل، ويبلغ عرض المجسم 10 م، وارتفاعه 4.65م، ومزود بــ 51.200 ألف مصدر إضاءة وبأشكال هندسية جعلت منه معلماً بارزاً ورمزاً حضاريا، تأكيدا لما شكلته نجاحات مهرجان ولى العهد للهجن الذى يعد نقلة نوعية كبيرة لمسيرة هذه الرياضة العريقة فى موطنها ووسط جمهورها ومحبيها، لتكون الوجهة الأولى على مستوى العالم اهتماما وتنظيماً لرياضة الهجن العريقة، كما جاء ليعزز الجوانب الحضارية والوطنية، ويساهم فى تحقيق عوائد ثقافية واقتصادية كبيرة.

 

ويأتى هذا الإنجاز لمهرجان ولى العهد للهجن، ليضاف للإنجاز الذى حققه المهرجان فى نسخته الأولى بعد أن دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية وتسجيله كأكبر مهرجان لرياضة الهجن فى العالم، بتسجيل أكبر عدد مطايا مشاركة فى سباقات الهجن بعدد 11.186 تنافست فى 787 شوطاً، وهو ما يأتى بالتزامن مع إقامة منافساته التى تعد الأقوى والأضخم من نوعها فى المنطقة، وسط مشاركة واسعة وغير مسبوقة من السعودية ودول الخليج والدول العربية، ولأن ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، هو الراعى الأول لهذه الرياضة فقد تفاعل معه الجمهور بشكل كبير، حيث نالت لوحة فنية لسموه إعجاب آلاف الزوار فى فعالية "قرية ورد"، والتى شارك فى إعدادها وإخراجها أكثر من 9 آلاف بصمة من مختلف الفئات العمرية من زوار موسم الطائف.

 

أيضا من المشاهد التى لا تنسى فى "موسم الطائف 2019" براعة فرسان السعودية فى عروض الفروسية بجادة سوق عكاظ فى دورته الثالثة عشرة، وهم متقيدين بلباس الماضى ليجسدوا الصورة عن فرسان عكاظ، وأتقن الفرسان الدور فى تقديم المهارات الفروسية على صهوات جيادهم، وأكدوا على ذلك الارتباط الوثيق بين الفروسية والخيل بتاريخ "سوق عكاظ"، مسجلين بذلك نجاحاتهم فى الفترة المنقضية بالمشاركة، مبرزين مهاراتهم فى المبارزة بالسيوف، حيث ينطلق الفرسان من منتصف الجادة حتى المسرح لتبدأ المعركة ويدخل الفرسان فى المعترك، وبعدها يبدأ الفرسان بتنويم جيادهم فى مشهد يوحى للمشاهدين بوفاة الجواد وفارسه فى المعركة، هى عروض كانت غاية فى الروعة والجمال.

 

هنالك فعاليات كثيرة حظى بها "موسم الطائف" لا يتسع المجال هنا لذكر تفاصيلها التى ترسخ لمفهوم "ثقافة الترفيه" التى وضع قواعدها رجل الترفيه الأول بالمملكة العربية السعودية المستشار"تركى آل الشيخ"، ومنها (سوق الوراقين، جناح الجاحظ، أبو العلاء المعري: فيلسوف الشعر وشاعر الفلاسفة"، عودة السينما من جديد، القيم الإعلامية فى عصر الإعلام الجديد، اقتصاديات الفنون، حرفة صناعة السيوف والخناجر، ريادة الأعمال.. واقع وتحديات، حكاية طريق البخور، طاهر زمخشرى.. الشاعر والإنسان، مسارات لتطوير قدرات الشباب السعودي، القصيدة العربية المغناة، جذب الفتيات السعوديات نحو ألعاب المغامرة والتحدي)، وكلها تظاهرات ثقافية وإبداعية تليق بموسم ترفيهى ناضج يحسب لـ "هيئة الترفيه"، لكن المقام لا يتسع لعرض محتوياتها التى تؤكد نضج تجربة الترفيه فى ثوب ثقافى قشيب يتزامن مع دخول السعودية عصر الانفتاح الذى دشنه ولى العهد السعودى فى سبيل رفاهية الوطن والمواطن.

 

ومنتجات الاسترخاء، ولإبراز دور الورد فى الثقافة المحلية، إلى جانب إمتاع حواس الزوار، تأتى "قرية ورد" كواحدة من أهم معالم موسم الطائف، حيث تضم القرية ثمانية أقسام مفتوحة طوال الموسم لتقدم للزوار معلومات عن تاريخ الورد الطائفى ومراحل زراعته وتقطيره والمنتجات التى تُصنع منه كل ذلك بشكل تعليمى وترفيهي.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة