أحمد حسن

عندما يكون القاضى إنسانًا

السبت، 03 أغسطس 2019 02:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

شاهدت فى الأيام الأخيرة فيديو لقاضٍ أجنبى عرضت عليه سيدة لديها ثلاثة من الأبناء، وقد ارتكب طليقها مخالفات مرورية بالسيارة الخاصة بهم قبل انفصالهما، وجاءت الغرامة على السيدة التى تستقل المنزل بعدما غير الزوج عنوانه، وذهبت السيدة للمحكمة لتطلب أجل للسداد بسبب ظروفها الاقتصادية التى تمنعها فى الوقت الحالى من سداد غرامات لم ترتكبها، وعندما شاهدها القاضى وهى منكسرة وكل أملها أن تحصل على أجل، تدخلت هنا إنسانية القاضى، وسألها عدة أسئلة لكسر حدة التوتر التى تعيشها السيدة خوفا من الموقف، وفى لفتة إنسانية طلب القاضى من نجلة السيدة الصعود للمنصة وسألها أتريد أن نغرم والدتها أم يتم تركها حرة، وأصدر القاضى حكمة برفض الدعاوى وترك السيدة.

هذا الموقف الذى جعل المحكمة تنحنى شكرا لإنسانية القاضى، هو أشبه بالموقف الذى حدث مع المستشار هشام الشريف بن محافظة سوهاج، ففى إحدى الجلسات عرضت على القاضى هشام الشريف قضية اهتزت لإنسانيتها جنبات محكمة جنوب القاهرة فى باب الخلق، حين نودى على اسم المتهمة وكانت تحاكم بجريمة تبديد لمبلغ فى إيصال أمانة، ودخلت المتهمة على المنصة، وكانت فى أواخر الأربعينيات من عمرها، وكانت محبوسة ولم يفرج عنها، لعدم سداد الكفالة، وسألها القاضى «أنت يا ست ما دفعتيش الـ 7000 جنيه ليه للسيد (فلان)؟»، وبصوت أقرب للبكاء الخائف والمرتعش أجابته المسكينة بأن المبلغ ليس 7000 جنيه، وإنما فى حقيقة الأمر هو 1000 كانت قد استدانت بهم نظير شراء بضاعة من التاجر ووالد الأستاذة المحامية الحاضرة فى الجلسة، وأنها كانت تسدد له 60 جنيها كل شهر، لكن حدثت لها ظروف منعتها من السداد، فيما رفض التاجر «فلان» الانتظار ورفع عليها الإيصال.

وفى تلك الأثناء، التفت القاضى للمحامية، وسألها بأدب جم وهدوء "الكلام اللى الست بتقوله حقيقي؟"، فأنكرت المحامية معرفتها بالحقيقة، فما كان من القاضى، إلا أن نظر إلى المتهمة وسألها عن حالها، وعلم أنها أرملة، وتعمل لتربية بناتها الثلاث فنظر لها، وقال: "هتتحل أن شاء الله"، ثم رفع الجلسة، وقبل أن يدخل القاضى غرفة المداولة، وجه كلامه للمحامين وقال: "أنا أعلم أنكم أصحاب فضل ومروءة، ولن تتأخروا عن فعل المعروف"، وأخرج منديلا كان فى جيبه، ووضعه على المنصة، وأشار إلى الحاجب، ثم أخرج من جيبه مبلغا وقال: "هذه 500 جنيه كل ما معى، ولا أدرى مَن مِن السادة المستشارين سيشاركنى، وهى أول مشاركة لسداد دين هذه السيدة"، ثم شكر الحاضرين ودخل غرفة المداولة، وفى هذه اللحظة، بدأ المحامون فى التبارى فى الدفع فبدأ أحدهم بـ 1000 جنيه ثم توالى الباقون حتى تجمع فى المنديل ما يتجاوز الـ8000 جنيه، وقبل ذلك كانت المحامية ابنة صاحب الدين قد خرجت بسرعة إلى خارج المحكمة لتتصل بوالدها وتخبره بما تم، وعادت المحامية إلى القاعة ونودى عليها حين دخلت المتهمة غرفة المداولة، وكان القاضى جالسا خلف مكتبه، وأشار للمحامية قائلا: " فيه 7000 جنيه موجودة فى المبلغ الموجود بالمنديل تقدرى تاخديه وتتصالحى مع المتهمة ونمشيها"، ثم أشار إليها بأخذ الفلوس، وفى تلك الأثناء، كانت هناك مفاجأة أخرى حيث قالت المحامية أن والدها أخبرها بألا تأخذ أكثر من 500 جنيه قيمة الباقى، شكر القاضى المحامية، وابتسم ناظرا للمحامين الذين ملأوا غرفة المداولة وقال: "أظن أنها أخذت الـ500 جنيه بتاعتى أنا" فضحك الجميع وقاطعهم قائلا: وأظنكم لاتريدون أن يحرمكم الله ثواب المشاركة. وعلا صوت المحامين فى الغرفة بالتأييد، فنظر إلى المتهمة ومد يده بالمنديل وباقى الـ 8000 جنيه وقال: "وهذه من الله لك".

الشاهد فى هاتين القصتين المتقاربتين فى الشبه، أن الإنسانية لا تعترف بأوراق ومستندات، والتى عادة تكون مع الأقوى، فلو كان مع الفقير أو المظلوم أى أوراق أو حجج لما لجأ للقضاء وساحات المحاكم، فروح القانون تكون فى أوقات كثيرة نصرة المظلوم، وفى مصر الكثير من الأمثلة من القضاة المحترمين الذى خلدهم التاريخ، وهناك الكثير الذين لم يذكرهم التاريخ لأنهم لا يرغبون سوى رضاء الله، فصفة القاضى هى عبارة عن اسم من أسماء الله، وسلطة إلهية منحها الله لبعض عباده، ليحكموا بين الناس بالعدل.. فسدد الله خطى قضاة مصر وجعلهم للحق أولياء ولنصرة المظلومين دائما.









الموضوعات المتعلقة

خط الفقر .. وقرارات الحكومة

الإثنين، 29 يوليو 2019 08:56 ص

الحكومة والعلمين

الأربعاء، 24 يوليو 2019 11:59 ص

مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة