أكرم القصاص - علا الشافعي

معهد الدراسات القبطية يدرج "التراث العربى المسيحى" ضمن أقسامه الدراسية ويثير الجدل بين الأقباط.. مؤيدون: تراث لا يمكن إنكاره ويضم الكنائس السريانية والأشورية مع القبطية.. ومعارضون: نرفض تذويب هويتنا القبطية

الأربعاء، 28 أغسطس 2019 06:30 م
معهد الدراسات القبطية يدرج "التراث العربى المسيحى" ضمن أقسامه الدراسية ويثير الجدل بين الأقباط.. مؤيدون: تراث لا يمكن إنكاره ويضم الكنائس السريانية والأشورية مع القبطية.. ومعارضون: نرفض تذويب هويتنا القبطية قداسة البابا تواضروس الثانى
سارة علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أعلن معهد الدراسات القبطية الذى يرأسه البابا تواضروس الثانى عن فتح باب القبول لدفعات جديدة للدراسة بأقسامه المختلفة من بينها اللغة القبطية والدراسات الأفريقية والاجتماع والإعلام والدراسات الشرقية ثم ضم المعهد قسما للتراث العربى المسيحى أسوة بالمعاهد البحثية المتخصصة التابعة للكنائس الإنجيلية والكاثوليكية إذ تعتبر تسمية "التراث العربى المسيحي" هى التسمية المعتمدة أكاديميا فى المعاهد المحلية والعالمية وحتى الجامعات الأجنبية لمجمل العلوم والفنون التى تتعلق بالإنتاج الفكرى للمسيحيين فى منطقة الشرق الأوسط سواء أكانوا أقباط أو سريان أو أشوريين أو عرب من شبه الجزيرة العربية لم يدخلوا الإسلام ويختص هذا العلم بتوضيح وكشف الأثر البالغ الذى لعبه هؤلاء المسيحيون فى عصور الدولة الإسلامية المختلفة حيث شغلوا مناصب متعددة ولعبوا أدوارا بالغة الأثر فى الفكر والأدب وحركة الترجمة من وإلى العربية إلا أن الجدل أثير بسبب الحساسية القبطية تجاه قضية التعريب أو الاستعراب إذ يظن قطاع كبير من الأقباط أن دراسة الأثر الذى لعبه الأقباط فى الحضارة العربية هو محو وتذويب للهوية القبطية لصالح المكون العربى الغالب والمسيطر منذ الفتح العربى الإسلامى لمصر الذى تغيرت بوجوده اللغة الرسمية للغة العربية فى المكاتبات الرسمية ثم غيرت الكنائس صلواتها من القبطية إلى العربية حتى اختفت اللغة القبطية تماما.

ما المقصود بعلم التراث العربى المسيحي؟

والمقصود "بالتراث العربى المسيحي"، كما يرى الأب سمير خليل اليسوعى، بأنه كل ما ألّفه المسيحيون باللغة العربية، سواء كان ذلك موضوعا أصلًا باللغة العربية، أو مترجما إليها من لغات أخرى.

فمؤلفات الآباء مثلا التى كُتبت باليونانية أو السريانية أو القبطية، تُرجمت فى العصور الأولى للهجرة إلى اللغة العربية، فهى أصبحت من التراث العربى، وذلك بصرف النظر عن أصل المؤلف أو المترجم، إذ قد يكون المؤلف روميًا أو سريانيًا أو قبطيًا... فإن جزءًا لا يستهان به من التراث العربى المسيحى القديم قد تُرجم فى المرحلة الأولى من اليونانية أو السريانية أو القبطية إلى العربية. وعندما نقول "عربي" لا نعنى "مسلم" لأن اللغة العربية كانت قبل الإسلام يتكلمها العرب المسيحيون وبها يصلون، وهناك مسلمون لا يتحدثون العربية مثل الأتراك والإيرانيين وغيرهم.

والتراث العربى المسيحى مدخل للأرضية المشتركة بين المسيحى العربى والمسلم، فاللغة والتراث والثقافة والتقاليد أمور مشتركة تشجع على الحوار البناء والعيش المشترك الإنسان صديق من يعرف وعدو ما يجهل.

كمال زاخر الباحث والمفكر القبطى يرى أن خطوة إدراج قسم التراث العربى المسيحى فى معهد الدراسات القبطية تأخرت كثيرا ويوضح أن التعريب قضية مركبة فرضتها معطيات سياسية تاريخية كانت ذروتها فى القرن العاشر الميلادى، حين ترسخت أركان الحكم العربى ولم تعد الجزية وقتها واحدة من مصادر التمويل السيادية، وأدرك حكام ذاك الزمان أن اللغة وعاء الفكر فكان قرارهم فرض اللغة العربية، وهو ما لم تدركه الكنيسة آنذاك.

ويضيف: "وتتعدد الضغوط وتعتمد الكنيسة اللغة العربية تترجم إليها لغة صلاتها وممارساتها، ولم تترجم إليها تراثها الفكرى، لأسباب عديدة لعل اهمها انها لم تكن قد استوعت اللغة الجديدة بعد بالقدر الذى يسمح لها بالنقل إليها، لتشهد الكنيسة اضمحلالًا متتاليًا امتد من اللغة إلى الوجود القبطى، إلا قليلًا. وتبدأ الانقطاعات المعرفية مع الجذور وتدخل فيما تبقى منها فى نفق طويل يزداد ضيقًا، حتى مشارف القرن الـ19.

ويشرح زاخر قائلا: التعريب يتعلق بأمرين الأول التراث الآبائى المصرى اليونانى القبطى، والثانى التراكم المعرفى اللاهوتى الذى حدث فى الكنائس التقليدية المشتركة معنا فى العقيدة والإيمان والتقليدية التى تقف على الضفة المقابلة من خلقيدونية، مضيفا: "التعريب صار ضروريًا لوصل ما انقطع وإدراك ما فاتنا من تراكم معرفى تمهيدا لحوار مسكونى جاد لرأب صدع يزداد عمقًا يفعل جفوة البعد. وقد صار متاحا مع تقدم علوم الترجمة، ووجود كوادر مؤهلة علميًا سواء فى أديرتنا العريقة او معاهدنا اللاهوتية".

ويشدد: "التعريب آلية وليست هدفًا، وتخوفات الذوبان لا محل لها بفعل الثورة الرقمية، وبفعل مساحات الوعى الآخذة فى الاتساع، بعيدًا عن صخب المراحل الانتقالية المفصلية".

ويستكمل: "ومن المبشر أن العديد من الدراسات فى هذا السياق تشير إلى أن قدر من اختلافات عصر الانشقاق مرده اختلاف فى فهم المصطلحات بين اللاتينية واليونانية، وبعضها صراع اثنى وسياسى، الأمر الذى يمكن استيعابه وتصويبه، عبر حوارات موضوعية مسكونية".

وعن مخاوف الأقباط من جراء ذلك قال: "من الطبيعى أن يقابل بمقاومة وارتياب وتشكيك وتخوفات مشروعة وطبيعية، لكنها ستزول بفعل ضبط القواعد التى تقوم عليها جهود التقارب المسكونى"، مضيفا: "ويأتى اعتماد معهد الدراسات القبطية لدراسة التراث العربى المسيحى على ارضية اكاديمية،  فى خطوة تأخرت كثيرًا، رد الأمر إلى نصابه بعيدًا عن معارك تعتقد بهشاشة الهوية المصرية، ولا تدرك أن هذا التراث مرحلة لا يمكن إنكارها فى تشكيل الذهنية المسيحية فى المنطقة تتجاوز القبطية وتضم الكنائس السريانية والانطاكية والأشورية فى سوريا ولبنان والعراق وفلسطين".

فى المقابل، ووسط هذا الجدل الأكاديمى فإن كلية اللاهوت الإنجيلية وكذلك كلية العلوم الدينية الكاثوليكية بالسكاكينى قد فتحت الباب أمام دراسة دبلوم متخصص فى التراث العربى المسيحي.

وقال ماركو الأمين أحد خريجى دبلوما التراث العربى المسيحى من الأقباط، إن دبلوما التراث العربى المسيحى هو برنامج أكاديمى دراسى تقدمه كليه اللاهوت الأنجيلية ومركز دراسات مسيحيى الشرق الأوسط بالشراكة مع مكتبة الإسكندرية ومركز الدراسات القبطية، تقدم الدبلوما عدة مساقات تدرس التراث العربى المسيحى والذى يتكون أغلبه من التراث القبطى العربى.

وتابع الأمين: "كان من ضمن أساتذة الدبلوما أسقفين قبطيين من المجمع المقدس وكاهن وباحثين ينتميان للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومن الكنيسة الكاثوليكية الأب سمير خليل اليسوعى الذى يعد بحق هو رائد علم التراث العربى المسيحى ومن كلية اللاهوت الإنجيلية درس لنا ثلاثة قساوسة يحملون درجة الدكتوراه بجانب الدكتور لؤى محمود رئيس مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية وباحثين أكاديميين أجانب لهم باع طويل فى الدراسات المسيحية العربية مثل البروفيسور مارك سوانسون مؤلف ومعد كتاب تاريخ البطاركة فى الفترة العربية باللغة الإنجيلزية.

واستطرد الأمين: "و ما لا يدركه البعض أن ما يقارب النصف أو أكثر من ذلك التراث هو يخص القبط وحدهم سواء ترجمات عربية أو كتب مصنفة أصلية كمؤلفات المكين وبن العميد وأولاد العسال وبولس البوشى وبطرس السدمنتى وغيرهم الكثيرون".

ماذا يستفيد القبطى من دراسة التراث العربى المسيحى؟

يجيب الأمين قائلا: "أولا لابد لأى باحث أو دارس أو حتى مهتم بالقراءة اللاهوتية أن يقرأ المصنفات العربية اللاهوتية ليكتشف حلقة فريدة مفقودة ويجيب عن السؤال كيف عبر المسيحيون عن إيمانهم فى ظل ثقافة جديدة وتحدى ايمانى جديد بوجود ديانة جديدة تثير أسئلة جديدة وشكوك لم تكن ذات مبحث من قبل أو على اقل تقدير لم تبحث منذ قرون".

على صعيد القانون الكنسى، وقال ماركو الأمين، إن أى قانونى قبطى يجب عليه دراسة القوانين الكنسية للبطاركة القبط ومجموع القوانين المستخدمة فى إدارة الكنيسة وملف الأحوال الشخصية وكلها بنت الثقافة العربية وتشربت منها فأبن العسال مثلا فى موسوعته القانونية اقتبس من الشرع والفقه الإسلامى وخاصة فقه المواريث للأقرباء.

وعلى مستوى طقوس الكنيسة يوضح الأمين: "أى مهتم بتاريخ طقوس الكنيست وليتورجياتها وتطورها يجب عليه دراسة الكتب الليتورجية والموسوعات الطقسية مثل موسوعة بن كبر وموسوعة بن سباع والمخطوطات العربية الطقسية وجميعها ايضا بنت الثقافة العربية".

واختتم الأمين: "دراسة التراث العربى المسيحى مهمة للقبطى لكى يتعرف على تاريخ ممتد فى الكنيسة ارتبط بالوجود العربى"، مؤكدا أن التراث العربى المسيحى يمتد لأكثر من ألف عام ومستمر إلى اليوم بسبب التلاقح والتمازج الثقافى بين العرب والأقباط".

 

1
 

 

2
 

 

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة