أكرم القصاص - علا الشافعي

صور.. صناعة الأثاث من جريد النخيل تنافس المصانع فى عروس الصعيد.. أصبحت مصدر دخل للمزارعين ومتقنى الحرفة بالمنيا.. والعاملون: العود العفى أساس المنتج القوى.. والكرسى بـ150 والترابيزة بـ250 والأقفاص بـ14 جنيها

الجمعة، 05 يوليو 2019 01:00 م
صور.. صناعة الأثاث من جريد النخيل تنافس المصانع فى عروس الصعيد.. أصبحت مصدر دخل للمزارعين ومتقنى الحرفة بالمنيا.. والعاملون: العود العفى أساس المنتج القوى.. والكرسى بـ150 والترابيزة بـ250 والأقفاص بـ14 جنيها
المنيا - فريق المحافظات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم تكن صناعة الأثاث المنزلى يدويًا من جريد النخل فى صعيد مصر عامة وفى المنيا على وجه الخصوص غائبة منذ سنوات طويلة، إذ ظلت تلك الحرفة تراود العديد من الأرزقية القلائل الذين باتت أعدادهم فى انخفاض مستمر مؤخرًا نظرًا لاندثار الصنعة رويدا رويدًا، غير أنها تُدر لهم ربحا جيدا يعينهم على مصاعب الحياة.

"جريد نخل – سعف – جاكوش – سكين – خرامة".. خمسة أدوات بسيطة جميعها قد تبدو لك أنها لا قيمة مادية لها فى ظل التقدم التكنولوجى والصناعى الكبير الذى وصلت إليه مصانع وورش صناعة الأثاث المنزلى فى غالبية محافظات مصر، غير أن تلك الأدوات لازالت تحتفظ بأهمية كبرى تدخل فى صناعة الأثاث بأشكاله المختلفة من جريد النخل، وباتت "باب رزق" لطائفتين من محدودى الدخل أولهما المُزارع نفسه الذى يبيع الجريد بدلا من إلقائه أو استخدامه فى إشعال النيران للتدفئة وغيرها من الأمور، وثانيهما متقن حرفة "تشكيل الجريد" وتحويله لأثاث منزلى يُنافس نظيره فى المعارض الكبرى، ويخطف يد المواطن الراغب فى الشراء ويوجهها لمنتجاته رائعة الشكل.

صناعة الأثاث (3)

"مكنتش أتخيل إنى سأستمر فى الحرفة لغاية يومنا ده.. ولكن الرزق مستمر.. وصنعتى لها الزبون اللى بيقدرها وبيعرف قيمتها لأنها أفضل من اللى بتتعمل على الآلات الحديثة غالية الثمن".. هكذا بدأ أحد أشهر صانعى الأثاث من الجريد فى المنيا يحيى عبده حديثه معنا، ورحلته فى صناعة الأثاث من الجريد على مدار ثلاثين عامًا بعد أن اكتسب الحرفة عن والده، وظلوا يعملون بها فى غرفة صغيرة لا تتجاوز المترين طولا وثلاثة أمتار عرض، ولكنها انتجت أحد أفضل المقاعد والمناضد الخشبية بجودة كبيرة، منتشرة فى العديد من المنازل والأماكن الشهيرة المختلفة.

"العود العفى النظيف أساس المنتج القوى" بتلك الكلمات القليلة يحدثنا يحى عن بداية الطريق إلى التصنيع وغزو المنتجات للأسواق، مستطردًا : اعتدت شراء جريد النخل من أحد المزارعين فى قرية ريفية صغيرة، إذ يبلغ سعر المائة عود من الجريد 40 جنيهًا، حيث أنظر أولا إلى جودة النخيل ومدى تماسكه، ثم أختار الجريد المناسب سواء أثناء تقطيعه من أعلى النخلة، أو المُخزن لدى المزارع فى بيته، ويجب أن تكون الأعواد فى حالة تخزينها موضوعة فى أماكن رطبة حتى لا يفقد العود ليونته ويصبح سهل التكسير أثناء تصنيعه وأخسره حينها.

صناعة الأثاث (1)

تنظيف الجريد من السعف فور وصوله إلى مكان التصنيع هو أول ما يقوم به الأسطى يحي، مستخدما آلة حادة صغيرة تشبه السكين أو الساطور يطلق عليها العامة من الناس "بلطة"، يستخدمها بحرفة وإتقان حفاظًا على سلامة العود من الشرخ أو الكسر، وبعدها يبدأ فى تكسيره لأحجام معين حسب ما يقوم بتصنيعه، قبل أن يدخل لآلة الخرامة والتى تعد أهم الآلات الصغيرة التى يستخدمها بأصابع يديه ورجليه لربط الأجزاء بعضها ببعض بطريقة "العاشق والمعشوق" وفقما يطلقون عليها أرباب تلك الحرفة، ثم وضع المسامير فى مناطق محددوة، وتزيينها بسعف الجريد الذى تم قصه فى البداية، ليكون المنتج كاملًا من تلك الأعواد الخشبية البسيطة.

صنعتنا عائدها المادى جيد وننافس كبرى الورش التى تستخدم آلات حديثة بمئات الآلاف من الجنيهات.. هكذا يستطرد يحى حديثه، إذ نجحنا فى تطوير صنعتنا خلال السنوات الخمسة الأخيرة بعد أن كانت مقتصرة على صناعة الأقفاص فقط من الجريد، وأصبحنا آلان نُصنع الكراسى الخشبية بشتى أحجامها، والمناضد التى يوضع لها ألواح زجاج تجعلها غاية فى الروعة سواء الدائرية منها أو المربعه، وأيضًا الكراسى الهزاز، حتى تحول المسمى الذى كان يطلق علينا قديمًا بين أصحاب الورش الكبيرة من "القفاصجي" إلى " الأسطوات" و أصحاب الورش لصناعة أية أثاث هام.

صناعة الأثاث (4)

لم يقتصر زبائن هذا النوع من الصناعة المعتمدة على الجريد، على أصحاب المنازل فقط، إذ باتت الغالبية العظمى حاليًا من أصحاب المقاهى والمطاعم الشهيرة فى عدة محافظات يقومون بشراء كميات كبيرة من المنتجات التى صنعت من هذا الجريد، إذ يتم التعاقد معهم للتوريد مقابل مبالغ تتراوح بين 150 و180 جنيها للمقعد الواحد، و 250 جنيهًا للمنضدة "الترابيزة وفقما يطلق عليها شعبيا"، بينما يبلغ سعر الكرسى الهزاز 350 جنيه، وغالبًا ما يكون للأطفال.

صناعة الأثاث (8)

الفنادق الكبيرة كانت ضمن الزبائن الهامة ليحى، إذ تقوم بعض الفنادق فى محافظات الصعيد بطلب كميات ليست بالقليلة من الكراسى التى توضع بالغرف أو الشرفات، ويتم تحديد أحجامها وأشكالها بما يناسب الفندق وتصميمه.

صناعة الأثاث (5)

الجريد الذى كان يُعتقد بأنه سيلقى ولن يصبح له فائدة إلا على أيدى يحى وأمثاله من الصنايعية، دخل كذلك فى تصنيع الأقفاص المختلفة لكبرى الشوادر والمحلات فى الأسواق بمبالغ تتراوح بين 14 و15 جنيها للقفص الواحد للخضراوات والفاكهة، و40 جنيها للأقفاص الكبرى التى توضع بها الطيور المختلفة، بحسب ما أكد صانع تلك المنتجات.

صناعة الأثاث (2)

أبواب رزق أخرى فُتحت لصانع منتجات أثاث جريد النخل كانت تلك المرة فى المخابز المختلفة، إذ يتم توريد العديد من الأقفاص الخشبية والمطارح لهم بشكل مستمر، لاستخدامها فى تقديم الخبز للمواطنين أثناء عملية البيع، وكل عام تطلب كميات كبيرة، تساعده على رواج عمله الذى يشهد كسادا نسبيا فى موسم الشتاء، ويزيد فيما بعد مع بدايات موسم الصيف ، بينما تزدهر فى شهر رمضان لتصنيعه الفوانيس المختلفة بأحجام متفاوته من نفس الجريد ، ويتم طلائها بالألوان وتعليقها فى الشوارع ، خاصة فى القرى والنجوع التى لازالت تحتفظ بتلك العادة المصرية حتى اليوم.

صناعة الأثاث (7)

أسعار تلك المنتجات التى يقوم بتصنيعها "يحي" لا تقارن مع نظيرتها فى كبرى الورش التى تصنع الأثاث التقليدي، إذ نجح بأدواته البسيطة فى تقديم منتجات بجودة عالية تقل أسعارها فى الأسواق بما يقارب الـ 25 % عن نظيرتها بتلك الورش أو المصانع الأخرى، والتى يضطر أصحابها لرفع الأسعار لتحقيق هامش ربح منافس لهم لتعويض ما ينفقونه على الصناعة من كهرباء وإيجارات ، ونقلها لمناطق متفرقة.

صناعة الأثاث (6)

العائد المادى دفع "يحي" لمحاولة تعليم أبنائه الصنعة والتطوير فيها، إلا أنه مع تقدم التكنولوجيا واقبال الشباب على العديد من المهن الأخرى، خاصة تلك الإليكترونية التى لا تستخدم فيها الأيدى بشكل كبير، الأمر الذى جعل محاولاته للابقاء على تلك المهنة ضعيفة، إذ يساعده فيها شقيقه الأصغر ونجله ولا يدرى مصيرها فى السنوات القليلة المقبلة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة