شواطئ الصيف.. إلهامات المبدعين والتاريخ الثقافى وأسئلة الأدب على البحر

الأربعاء، 24 يوليو 2019 11:30 ص
شواطئ الصيف.. إلهامات المبدعين والتاريخ الثقافى وأسئلة الأدب  على البحر شط اسكندرية
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فيما تستقبل شواطيء الصيف حول العالم الآن أمواج البشر الذين تسعدهم أمواج البحار فإن تلك الشواطيء تلهم المبدعين وتشكل جزءا أصيلا من التاريخ الاجتماعى والثقافى على مستوى الكوكب الأرضى وتطرح أسئلة وتفتح ملفات مهمة فى الأدب.
 
وإذا كان التغير فى المشاهد والصور على شاطئ البحر فى المصيف بأى بلد "جزءا دالا من التغير الاجتماعى ككل فى هذا البلد" كما تشير كتابات ثقافية متعددة فإن الصحافة الثقافية الغربية تعقد مقارنات مصورة بين "المصيف فى العصر الرقمى ومصيف ما قبل الإنترنت" ويطرح نقاد أسئلة مهمة فى الأدب تفتح ملفات مشوقة. 
 
ومن أسئلة هذا الصيف ذلك السؤال الذى طرح فى الصحافة الثقافية البريطانية :"هل كانت جين اوستن أول من كتب رواية يحق وصفها بأدب شاطيء البحر لتدشن هذا اللون من أجناس الأدب العالمى"؟! وهذا السؤال الذى يتعلق برواية "سانديتون" وهى آخر رواية كتبتها جين أوستن لم يكن السؤال الوحيد.
 
فقد انتهز البعض ، بالصحافة الثقافية الغربية فى هذا الصيف ، الفرصة لطرح أسئلة أخرى تتعلق بصاحبة "العقل والعاطفة" و"كبرياء وهوى" من قبيل :"هل كانت رواية سانديتون ثمرة تجربة حب رومانسى فى الصيف عاشتها هذه الكاتبة الكبيرة التى ولدت فى السادس عشر من ديسمبر عام 1775 وقضت فى الثامن عشر من يوليو عام 1817 وتعد رواياتها علامة خالدة فى الأدب الإنجليزى.
ومن المثير للتأمل أن هذا السؤال الذى يتعلق "بالريادة فى أدب شاطيء البحر ببريطانيا والغرب ككل" دفع بعض الصحفيين للتجول فى أرجاء سانديتون وإجراء مقارنات طريفة ومشوقة بين واقع هذه البلدة الساحلية اليوم ومشهدها عندما كتبت جين اوستن روايتها الرائدة فى أدب الشواطئ. 
 
وهكذا فإن هذه "الرواية غير المكتملة فى مصيف سانديتون قبل أربعة أشهر من وفاة جين اوستن" فتحت ملفات وجددت أحاديث فى هذا الصيف حول ما قيل عن علاقات غرامية رومانسية منذ أكثر من 200 عام بين صاحبة "ايما" و"كبرياء وتحامل" وشعراء رومانسيين فى عصرها كويليام ووردز وورث ولورد بايرون وصمويل كولريدج. 
والحقيقة أن جين اوستن استلهمت شخصيات فى روايات أخرى من البحر وشطآنه أو كان البحر طرفا أو خلفية فيها ومن بين هذه الأعمال روايتها "ايما" التى ظهرت عام 1815 فيما لم يجانب نقاد فى الصحافة الثقافية البريطانية مثل كاثرين سوذرلاند الصواب عندما اعتبروا أن روايتها "سانديتون" هى التى "تدشن قلبا وقالبا أدب شطآن البحر كما يعرفه عالمنا المعاصر اليوم ".
 
وهكذا تكون جين اوستن فى هذا المنظور النقدى الغربى أول من كتبت "رواية فى أدب الشاطئ بالمعنى المعاصر" ورائدة هذا اللون من الأدب لتتوالى بعدها "إبداعات على الشاطيء ومن وحى الشاطيء" لكتاب كالأمريكية كاتى شوبان صاحبة "اليقظة" والانجليزية فيرجينيا وولف صاحبة "إلى المنارة" ومواطنتها بينيلوبى فيتزجيرالد صاحبة "المكتبة" وصولا للأيرلندى جون بانفيل صاحب "البحر" والانجليزى ايان ماكوين صاحب "شيسيل بيتش".
 
وإن كانت هذه الروايات والقصص وغيرها من "روايات وقصص أدب شاطئ البحر" تقترن بشواطيء الصيف وتحمل صور البحر ومشاهد لقاءات الماء واليابسة وبعضها ينبض بالرومانسية على الشطآن الساحرة فإنها يمكن أن تمنح المتعة للقاريء فى أى مكان مهما كان بعيدا عن البحر ومنتجعاته وشطآنه فيما تتوالى كتب جديدة فى هذا الصيف حول البحر وذكرياته ومغامراته.
 
وها هو كتاب جديد يصدر بعنوان :"الطريق إلى البحر" بقلم كارولين كرامبتون وهو كتاب يشكل رحلة ممتعة فى أدب البحر ولقاءات البحار والأنهار مع لمحات من التاريخ الاجتماعى وومضات من التاريخ الصناعى والسيرة الذاتية.
 
وهذا الكتاب الذى صدر فى لندن تتداخل كلماته وصفحاته مع حياة وسيرة عائلة المؤلفة التى ولدت بعد نحو أربعة أعوام من رحلة قام بها والداها فى زورق عكفا على صنعه فى الأوقات التى تيسرت لهما فى بحر ثلاث سنوات ليبحر بهما عام 1984 من كيب تاون مودعا الدفء الأزورى لجنوب أفريقيا ويتمايل فى رحلة الثمانية آلاف ميل الخطرة بالمحيط الأطلنطى حتى وصل فى نهاية المطاف لمصب نهر التايمز فى بحر الشمال ويهبط صاحبا المغامرة المثيرة على اليابسة ببريطانيا.
وها هى الابنة التى لم تكن قد ولدت أثناء الرحلة الخطرة قد باتت كاتبة ، وها هى تسرد بقلمها تفاصيل الرحلة ومشاعرها عندما رأت هذا الزورق لأول مرة والموضع الذى حط فيه على شطآن بريطانيا ليتحول الكتاب إلى لوحة نابضة بالمشاعر وإلهامات الشواطئ وعناق البحر والنهر ويكون الكتاب ككل إضافة مبدعة فى أدب البحر. 
 
ولعل هذا الكتاب الجديد الذى صدر بالانجليزية ويكاد القاريء يسمع فيه بوضوح "نداهة البحر" يعيد لأذهان قاريء العربية "نداهة البحر" الحاضرة بقوة فى إبداعات وذكريات الكثير من المثقفين المصريين مثل الراحلة العظيمة الدكتورة عائشة عبد الرحمن التى لقبت نفسها "ببنت الشاطيء" اعتزازا بشاطيء دمياط حيث عاشت طفولتها وشبت عن الطوق على الشاطيء ببلدتها دمياط ما بين هدير البحر المالح وعذوبة ماء النيل الخالد.
 
وفى سيرتها الذاتية التى صدرت بالعنوان الدال :"على الجسر" تحدثت المفكرة والكاتبة الكبيرة بنت الشاطيء التى قضت فى الأول من ديسمبر عام 1998 عن "نداهة البحر وحكايات الجن والغرق" وولعها فى طفولتها بالسفن الشراعية رغم قلق أامها لأن البحر اختطف من قبل جدة الفتاة الصغيرة التى ستتحول فيما بعد لعلم من أعلام الثقافة المصرية وتهدى الثقافة العربية المعاصرة أكثر من 40 كتابا فى الدراسات الفقهية والأدبية والتاريخية. 
 
والبحر فى نظر بعض المبدعين قد يكون سبيلا للعلاج من متاعب وعلل كما يتجلى فى كتاب صدر بالانجليزية فى لندن بعنوان :"وجدت قبيلتي" حيث يبدو البحر هو "المنقذ والمخلص والعزاء" فى نظر المؤلفة روث فيتسموريس التى تعانى من صدمة عائلية جراء محنة مرض خطير يهدد زوجها بالموت فتتجه لمياه البحر الايرلندى الباردة.
 
وعبر صفحات الكتاب كسيرة ذاتية اتخذت قالب القصة المؤثرة والحافلة بألوان الوجد والشجن والبحث عن العزاء يمكن للقاريء أن يشعر بلذة النص وهو يتناول هذا الحوار الأبدى بين الإنسان والبحر فيما كانت المؤلفة روث فيتسموريس تعرضت لمحنة عائلية منذ عام 2008 وهى فى الثانية والثلاثين من عمرها عندما كشفت الفحوص الطبية لزوجها المخرج والمؤلف السينمائى سيمون فيتسموريس عن إصابته بمرض نادر فى الجهاز العصبى يسمى "بمرض العصبون الحركي" ويؤدى لتلف الخلايا العصبية الحركية.
 
وفى خضم هذه المحنة وجدت روث فيتسموريس نفسها المسؤولة عن عائلة تضم ثلاثة أبناء صغار بينما كانت المسيرة الواعدة لزوجها كمبدع فى الفن السابع تتوقف بفعل هذا المرض النادر حيث توقع الأطباء ألا يبقى المخرج والكاتب السينمائى سيمون فيتسموريس على قيد الحياة أكثر من أعوام قليلة.
 
وفى المقابل كانت زوجته روث تراهن على شحذ إمكاناته الإبداعية كسبيل للحياة ودفع غائلة الموت المبكر كما لم تكف عن التوجه للبحر يوميا لتلقى بنفسها بين أمواجه كسبيل لعلاج صدمتها والمثير للتأمل أن روث فيتسموريس راحت تصطحب صديقتين تعانيان بدورهما من محن عائلية ليلقى الجميع بأنفسهم بين أمواج البحر لغسل الهموم.
 
إنها "القبيلة الجديدة" التى وجدت فى البحر نوعا من العلاج للآلام بقدر ما تجمع المياه بين أفراد القبيلة فى نوع من "الأنس والونس والألفة" بين بشر يتواصلون معا كما يتواصلون مع البحر ليعود كل منهم لقبيلته الأصلية مزودا بعتاد روحى جديد لمواجهة المحن بجسارة مهما بلغت هذه المحن من مد اليم كما فى حالة روث فيتسموريس التى وجدت زوجها المبدع والمفعم بالحياة والطموحات يتحول فجأة إلى شخص عاجز عن الحركة ولا يمكنه التواصل إلا بحركة عينيه. 
 
والكتاب يتضمن سردا شجيا لهذه الكاتبة وهى تتحدث عن البحر الذى تناجيه وهى بين أمواجه فينتزع الخوف من أعماقها الجريحة ويمنحها جسارة فى مواجهة محنة زوج يحتضر وأمسى على شفير الرحيل وكأن البحر فى عنفوانه يهب نفسها المتألمة الحياة التى تدحر الموت وتجابه آلام الفقد.
 
ومن قبل كانت الكاتبة البريطانية ايمى ليبتروت قد أصدرت كتابا بعنوان "التجاوز" فى عام 2016 وهى تتحدث فى هذا الكتاب عن تجربتها الخاصة للعلاج من محنة إدمان الكحوليات عبر السباحة يوميا فى مياه المحيط الأطلنطى قبالة شاطيء بلدتها الاسكتلاندية "اوركني" وقد فاز بجائزة افضل كتاب بريطانى عن الطبيعة.
 
ومع أن الأديب النوبلى نجيب محفوظ الذى قضى فى الثلاثين من أغسطس عام 2006 كان لا يكتب فى الصيف لمشاكل صحية تتعلق بحساسية فى العين فإنه لم يبد نفورا من أيام الصيف فيما كان يقضى أجازة الصيف فى الأسكندرية الحاضرة فى روايات هذا النوبلى المصرى مثل "ميرامار" واالسمان والخريف".
 
وعرفت مقاهى وفنادق سكندرية فى الصيف الجلسات الممتعة والحافلة بالطرائف والنقاشات الثقافية لنجيب محفوظ مع كبار الأدباء والكتاب وفى مقدمتهم توفيق الحكيم وثروت أباظة وعبد الرحمن الشرقاوى وعبد الحميد جودة السحار وحسين فوزى وبحضور شباب معنى بالآدب فى مدينة لا تنام الليل فى الصيف.
 
وها هو الكاتب والروائى المصرى إبراهيم عبد المجيد الذى ولد فى أواخر عام 1946 بالأسكندرية يصف مدينته بأنها "ليست مجرد هواء يهب من البحر وإنما هواء أرسله التاريخ العجيب للمدينة" فيما يرى صاحب ثلاثية الأسكندرية :"لا أحد ينام فى الأسكندرية" و"طيور العنبر" و"الإسكندرية فى غيمة" أن الكتابة عن هذه المدينة "أفق مفتوح تبحر فيه كل السفن الممكنة فهى بلورة سحرية تعطيك من كل ناحية عشرات الصور ".
 
وإذا كان إبراهيم عبد المجيد - الذى كانت ملاعب طفولته فى حى كرموز الشعبى السكندرى - يرى أن لهذه المدينة التى ترمز للتسامح تأثيرها الإبداعى فى كتاب وشعراء كبار كنجيب محفوظ وإدوار الخراط ولورنس داريل وقسطنطين كفافى فإن الكاتب والروائى المصرى محمد جبريل الذى ولد فى السابع عشر من فبراير عام 1938 بالإسكندرية وأنتج عبر مسيرته الابداعية أكثر من 50 كتابا يقول :"أتمنى أن أظل أكتب وأكتب بينما نظراتى تتجه إلى البحر".
 
إنه البحر الذى قدم للإنسانية روائع أدبية كرائعة "موبى ديك" الصادرة عام 1851 للكاتب الروائى الأمريكى هيرمان ملفيل والتى تدور حول صراع تراجيدى بين الحوت والإنسان كما أن عشاق الدراما التلفزيونية المصرية لن ينسوا المسلسل الذى كتبه الراحل الموهوب أسامة أنور عكاشة بعنوان :"وقال البحر" والذى استمده من رواية "اللؤلؤة" للكاتب الأمريكى جون شتاينبك.
 
وها هى شطآن الصيف المصرى تحتفى بكل البشر وتنادى المبدعين..ها هو البحر الأزرق الفسيح يحفز الإبداع ويفرح بكل مبدع ويكتب صفحات جديدة فى تاريخنا الثقافى ومسيرة الأجيال وذاكرة الزمان وحميمية المكان!









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة