كُلنا نحفر فى هذه الحياة، فالبعض يحفر اسمه، لكى يُخلده على مجرى الأيام، والبعض الآخر يحفر فى الصخر، لكى يستطيع أن يُواكب مُتطلبات الحياة، والبعض يحفر تحت الأرض، لكى يُعمرها بالبناء والمعمار، وهناك من يحفر حُفرة للغير لكى يُوقعه فيها، وبالقطع كلنا نحفر، لكى ندفن جُثث الموتى، فكلها حُفر، وكلنا نحفر، لكن هل تعلمون من هو الذى يظل حفره دائمًا، مهما مرت الأيام، ولا يمكن للرمال أو المواقف أن تردم هذا الحفر؟! هو من يحفر مكانة فى قلب إنسان، فهذا النوع من الحفر لا يحتاج إلى فأس، أو أموال، أو أى شىء مادى، فهو فقط يحتاج إلى حب، ورعاية، وثقة، وقُدرة على العطاء، فمن يحب بإخلاص، ويتفانى بصدق، هو من يحفر أجمل وأعظم مكانة فى حياة من يُحبه، فمهما مرت الأيام وتوالت الأحداث، لا يمكن أن ينساه هذا الإنسان، ومستحيل أن يقبل أن يملأ أحد غيره تلك الحفرة؛ لأنها تكون على مقاس اسم شخص واحد فقط.
للأسف، ماديات الحياة سرقتنا من أجمل معانيها، فلو عشنا ألف عُمْر فوق أعمارنا، سنكتشف أن العمر يمر سريعًا، حينها لن نجد إلا من حفر مكانته فى قلوبنا هو وحده من سيظل يبحث عنا، ويسأل عنا، ويخشى علينا، حتى لو غادر الحياة، سيظل يعيش بداخلنا، نتذكر نصائحه، عندما تتعثر بنا الحياة، ونضحك على فكاهاته عندما نذرف الدمع؛ بسبب الآلام، وننظر إلى السماء، ونتحدث معه، ونسمع صوته دون أن نشعر.
فلو أردت أن تترك شيئًا جميلاً فى تلك الحياة، فدع كل شىء، فمن حولك لن يتذكروك بسبب ما تركته لهم من أموال وعقارات، بل سيتذكرون لحظة ضعف مروا بها، وكانت يدك هى التى تحنو عليهم، أو ألم أدمى عيونهم بالدموع، وكانت يدك أيضًا هى التى تمسح هذا الدمع، أو لحظة يأس تمكنت منهم، وأنت الذى غرست بذرة الأمل من جديد بداخلهم، أو لحظة موت اقتربت منهم، وقلبك هو الذى أنعش الحياة فى قلوبهم من جديد.
فكن الأمل، والمُنقذ، واليد الحانية، والقلب الحنون، والعطاء المتدفق، والوفاء النادر، ربما ستشعر فى وقت ما أنك الوحيد الذى يمنح، ويُؤمن بتلك المبادئ، ولكن فى النهاية، ستكون أنت الوحيد المُخلد فى قُلوب كل من عرفوك، واقتربوا منك، فما المانع أن تكون أنت حفَّار القلوب.
عدد الردود 0
بواسطة:
عبداللطيف أحمد فؤاد
مقال الجمعة الذهب
ننتظر مقالك فى يوم الجمعة الممتاز العاطفى و الانساني