معاهدة القوى النووية فى مهب الريح بعد تعليق روسيا وأمريكا الالتزام بها

الثلاثاء، 16 يوليو 2019 07:00 ص
معاهدة القوى النووية فى مهب الريح بعد تعليق روسيا وأمريكا الالتزام بها ترامب وبوتين
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مثلت مصادقة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى الثالث من شهر يوليو الجاري، على تعليق مشاركة موسكو فى معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، ضربة قاصمة للمعاهدة زجت بها فى مهب الريح ، كما مثلت ضربة قوية لاستقرار الأمن العالمي، وبداية لتأسيس نظام عالمى جديد لم تتضح معالمه بعد ، وفتحا للطريق أمام سباق تسلح ، مما ينذر باندلاع حروب جديدة قد تطال معظم القوى العالمية المؤثرة فى موازين وهيكل النظام العالمي.

 

تعليق مشاركة روسيا على المعاهدة جاء بعدما علق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مشاركة الولايات المتحدة فى المعاهدة فى شهر فبراير الماضى ، وأمهل روسيا إلى شهر أغسطس المقبل حتى تمتثل لبنودها ، إذ تتهم كل منهما الأخرى بخرق المعاهدة وبذلك تكون روسيا والولايات المتحدة قد علقتا مشاركتهما فى تلك المعاهدة، الأمر الذى يهدد بانهيارها والتوقف عن العمل بموجب نصوصها بعد عدة أسابيع.


 

مخاوف سباق التسلح
 

تعد المعاهدة التى أبرمت بين واشنطن وموسكو فى 8 ديسمبر عام 1987، ودخلت حيز التنفيذ فى يونيو عام 1988، حجر الزاوية فى بنية الحد من التسلح، ويثير احتمال انتهاء العمل بها، الذى يلوح فى الأفق ـ بعد تأكيد واشنطن أنها سوف تنسحب كلية منها فى 2 أغسطس المقبل، إذا لم تقم روسيا بتدمير نظام صواريخها الجديد ـ مخاوف بشأن مستقبل معاهدة ستارت الجديدة بين روسيا والولايات المتحدة، التى تحد من أعداد الرؤوس النووية.

ويقول مراقبون إن خطورة الانسحاب من هذه الاتفاقية تكمن فى احتمال بدء منافسة جديدة بين البلدين فى التسلح، وذلك إلى جانب التهديد لاتفاقية "ستارت" حول الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية التى ينتهى مفعولها أصلا عام 2021.

وقد عبر الاتحاد الأوروبى عن قلقه البالغ من أن معاهدة أساسية للحد من الأسلحة النووية قد يتوقف العمل بها فى غضون الفترة المقبلة، وحث الاتحاد الأوروبى روسيا على الاستمرار فى التزامها بمعاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى.

وقالت مفوضة شؤون السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبي، المنتهية ولايتها فيديريكا موجيريني:"نحن قلقون جدا من التطورات الأخيرة المتعلقة بالمعاهدة، التى يمكن أن تنتهى فى 2 أغسطس 2019 ، وأنها تأسف للخطوة التى اتخذتها روسيا، ردا على تعليق الولايات المتحدة لمشاركتها".

وأضافت قائلة أن: "الأيام المقبلة تمثل الفرصة الأخيرة للحوار، واتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على هذا الركن المهم فى بنية الأمن الأوروبي"، معربة عن قلقها الشديد من نظام صواريخ كروز الأرضية الروسي، التى يقول حلف شمال الأطلسى (ناتو) إنها تندرج تحت الأسلحة التى تحظرها المعاهدة.


 

العالم فى مهب الريح
 

تشير هذه التطورات بين أمريكا وروسيا بشأن عدم الالتزام بنصوص معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، إلى أن العالم بات فى مهب الريح وأصبح أكثر تعرضاً لهزات أمنية، وفى هذا السياق، تؤكد الدراسات المتخصصة فى العلاقات الدولية، ووفقاً للنظرية الواقعية الجديدة التى تفترض أن الاضطراب فى النظام الدولى يرتبط بالتغير فى توزيع القوة، فإن وجود دول قوية غير راضية عن الوضع الراهن للنظام الدولى (روسيا وأمريكا) يعزز التصورات لديهما بإمكانية فرض نظام وواقع عالمى جديد، وهو الأمر الذى تسعى إليه كل من واشنطن وموسكو، مقابل القوى الأخرى التقليدية ممثلة فى الصين والهند وكوريا الشمالية، التى تسعى لمنع هذه القوة المتحدية من تغيير توازن القوى، وهو ما يؤدى ـ وفقاً لأستاذ العلاقات الدولية روبرت جلبن- إلى تفجر "حروب الهيمنة".

وقد يكون للقرارين الأمريكى والروسى تأثيرات على معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية الجديدة (ستارت) التى سينتهى سريانها فى عام 2021. إذ تعد معاهدة "ستارت" اتفاقية أخرى لنزع السلاح وقعتها واشنطن وموسكو فى عام 1991 وعقب انتهاء سريان معاهدة ستارت الأصلية فى عام 2009، قام الجانبان بتجديدها فى عام 2010. وعندما سُئل وزير الخارجية الأمريكى بومبيو، عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لبحث تمديد معاهدة ستارت الجديدة، تجنب بومبيو الإجابة بشكل مباشر، وقال فقط إن واشنطن مستعدة للدخول فى أى اتفاقيات "تصب فى المصلحة العليا لأمريكا".

ووفقاً للخبراء والمحللين، فإن الوضع العالمى الناشئ عن عدم الالتزام الروسى والأمريكى بمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى والمعاهدات الأخرى، ربما يخلق حالة من اختلال التحالفات العالمية الخاصة بالقارة الأوروبية، وهو ما بدا جلياً فى رد الفعل الأوروبى إزاء الموقف الروسي، بسبب المخاوف من اختلال توازن القوى التى تعمل على تهديد الأمن الأوروبي، خاصة أن أوروبا هى المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق.

فضلاً عن أن تعليق المشاركة الأمريكية والروسية وعدم التزامهما بمعاهدة "آى إن إف"، وخروج الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ الباليستية المضادة عام 2002، وإشارات عدم الرغبة الأمريكية فى تجديد اتفاقية ستارت التى تنتهى فى عام 2021، تكون بذلك كافة المعاهدات التى تحد من التسلح والتى أُبرمت لإنهاء الحرب الباردة قد ألغيت، وهو ما يعنى عودة سباق التسلح من جديد.


 

أهمية المعاهدة
 

أجبرت معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة المدى المعروفة باسم "آى أن أف"، التى وقعت عام 1987 بين الرئيس الأميركى رونالد ريجان، ونظيره السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، للمرة الأولى البلدين على خفض ترسانتيهما. ووصفت المعاهدة بـ"التاريخية"، وفتحت الطريق لعهد جديد فى العلاقات بين الكتلتين الشرقية والغربية إبان الحرب الباردة.

وبالرغم من أن معاهدات أخرى قد أبرمت من قبل، مثل اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية "سالت1 " فى 1972، و"سالت 2" فى 1979 للحد من القاذفات الجديدة للصواريخ الباليستية، فإن القوتين تعهدتا للمرة الأولى بتدمير فئة كاملة من الصواريخ النووية فى معاهدة الحد من الصواريخ النووية متوسطة المدى.

 

وتعود بداية الأزمة بين البلدين، عندما نصب الاتحاد السوفيتى صواريخ نووية من طراز "إس إس-20" الموجهة إلى العواصم الأوروبية، ليرد عليها حلف شمال الأطلسى "الناتو" بنشر صواريخ "بيرشينج" فى أوروبا موجهة إلى الاتحاد السوفيتي، وبعد عقد السبعينيات الذى شهد بعض الانفراج بين الكتلتين، عادت الحرب الباردة إلى ذروتها من جديد.

لكن مع وصول ميخائيل جورباتشوف إلى سدة الحكم فى الاتحاد السوفيتى عام 1985، وانتهاجه سياسات البيريسترويكا (إعادة الهيكلة)، شهدت العلاقات بين البلدين انفتاحاً جديداً، تم تتويجه بثلاث قمم بين جورباتشوف وريجان خلال الفترة 1985 و1987 وتم التوصل إلى توقيع معاهدة الحد من الصواريخ النووية متوسطة المدى.

وبموجب تلك المعاهدة، تعهد الطرفان بعدم صُنع أو تجريب أو نشر أى صواريخ باليستية مُجنَّحة أو متوسطة، وتدمير منظومات الصواريخ التى يتراوح مداها المتوسط ما بين 1000 و 5500 كيلو متر، ومداها القصير ما بين 500 و 1000 كيلو متر، وكان من المفترض أن يتم تدمير الصواريخ التى يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر فى السنوات الثلاث التالية لدخول المعاهدة حيز التنفيذ، وتضمنت المعاهدة تدمير صواريخ "بيرشينج 1 إيه" و"بيرشينج 2" الأمريكية التى كانت محور أزمة الصواريخ الأوروبية فى ثمانينيات القرن الماضي، وضمان إجراءات للتحقق من عمليات التدمير فى كل دولة، من قبل مفتشين من الدولة الأخرى.

يبقى القول أن الفترة المقبلة ربما تشهد جولات من الحوار بين واشنطن وروسيا، بدفوع أوروبية مؤكدة لوضع حد لاستقرار العالم والقضاء على مخاوف سباق التسلح النووى وتهديد كيان البشرية جمعاء.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة