أكرم القصاص - علا الشافعي

الثقافة المصرية لا تغيب عن الاهتمام باللاجئين.. وجوائز الدولة تلقى الضوء

الإثنين، 01 يوليو 2019 01:42 م
الثقافة المصرية لا تغيب عن الاهتمام باللاجئين.. وجوائز الدولة تلقى الضوء لاجئين
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى وقت باتت فيه أوضاع وهموم اللاجئين والنازحين حول العالم تؤرق الضمير الإنسانى، فإن إسهامات المثقفين المصريين تشكل عنوانا أصيلا فى ثقافة إنسانية عالمية تتشكل ملامحها بوضوح فى السنوات الأخيرة حول هذه الإشكالية فيما باتت المنطقة العربية طرفا رئيسا فى هذا المشهد العالمى.
 
وفى هذا السياق، يضارع الجهد الثقافى المصرى جديد الإنتاج الثقافى فى الغرب، كما يتجلى فى دراسة صدرت فى كتاب للباحثة المصرية رابحة علام التى توجت مؤخرا بجائزة الدولة التشجيعية وهو عمل ثقافى يضارع كتبا تصدر تباعا فى الغرب حول "حكايات اللاجئين وإشكاليات الهجرة" ومن أحدثها :"حكايات اللاجئين" لديفيد هيرد وهو شاعر وكاتب بريطانى يبدى اهتماما كبيرا بإشكاليات اللاجئين حتى تحول هذا الاهتمام لمشروع ثقافى فى صورة كتب وإصدارات متوالية واشتركت معه فى الكتاب الأخيرة انا بينكوس. 
وبعض تلك الكتب الجديدة التى تصدر فى الغرب تركز على إشكاليات الهوية والاندماج فى المجتمعات الجديدة ونظرة أبناء هذه المجتمعات الغربية للاجئين مثل كتاب "اللاجئ الجاحد" للإيرانية الأصل دينا نايرى التى ولدت فى طهران عام 1979 وباتت تحمل الجنسية الأمريكية وتكتب بالانجليزية فيما زارت مخيمات ومراكز ايواء للاجئين وهى تعكف على هذا الكتاب شأنها فى ذلك شأن الباحثة المصرية رابحة علام صاحبة كتاب "وضع اللاجئات والنازحات فى الدول العربية".
لكن دينا نايرى التى تعتبر نفسها "لاجئة" عمدت لربط قصتها وهى تعيش خارج بلادها بقصص لاجئين اخرين التقتهم فى سرد متشابك ومشحون "بالآلام النفسية لتلك الفئة من البشر التى تصنف كلاجئين" فيما "حكايات اللاجئين" حاضرة أيضا فى القصة الأخيرة التى ابدعتها الاسكتلندية الى سميث بعنوان "الربيع" وكذلك فى "حكاية اليتيم" لديفيد قنسطنطين.
 
وكما يقول الكاتب والقاص البريطانى اليكس بريستون فان تلك الكتب والاصدارات الثقافية سواء كانت اعمالا أدبية أو غير أدبية "تساعدنا فى فهم جذور ازمة اللاجئين" وهى مسألة لاغنى عنها لمواجهة تلك المآساة الإنسانية وحتى لاتبقى هذه المآساة بمثابة "حلقة مفرغة" ومن هنا تتبدى أهمية هذه الأعمال التى ينتجها مثقفون مصريون مثل رابحة علام.
 
وكانت الباحثة المصرية رابحة علام قد فازت مؤخرا بجائزة الدولة التشجيعية فى "النظم السياسية الدولية" عن كتابها "وضع اللاجئات والنازحات فى الدول العربية" وهو كتاب بمثابة دراسة توثق حكايات هذه الفئة التى عانت فى خضم صراعات وحروب اهلية شهدتها دول بالمنطقة العربية منذ عام 2011.
وفى الكتاب الصادر أصلا عن "منظمة المرأة العربية" ركزت الباحثة رابحة علام على أوضاع اللاجئات السوريات والنازحات العراقيات وأجرت نحو 300 مقابلة مع لاجئات ونازحات الى جانب اكثر من 75 شخصا من ممثلى مؤسسات دولية وجهات رسمية فى دول عربية مضيفة للاجئين.
وبدأت الدكتورة رابحة علام بحثها فى عام 2015 الذى شكل ذروة فى موجات التهجير والنزوح بالمنطقة العربية لتزور مخيمات للاجئين فى لبنان والأردن ومنطقة كردستان العراق التى استقبلت نازحين ولاجئين من العراق وسوريا فروا من إرهاب تنظيم داعش الارهابى وتوثق فى كتابها شهادات سيدات لاجئات مهمومات فى المقام الأول بتوفير الطعام والتعليم لابنائهن.
وفضلا عن الجهد البحثى الميدانى، جاء هذا العمل الثقافى الذى استحق جائزة الدولة التشجيعية حافلا بمشاعر وارهاصات للأمل الإنسانى وإصرار أمهات على مواصلة اولادهن لمسيرتهم فى التعليم رغم كل الآلام الناجمة عن اللجوء والنزوح ولعل تلك المشاعر والحكايات الانسانية تجد المعادل الابداعى الروائى فى روايات وقصص جديدة بعالمنا العربي.
ويتبدى طرف من ذلك الجانب الشعورى فى ملاحظة رابحة علام أن جهدها فى توثيق حكايات لاجئات عربيات فى سياق كتابها :"وضع اللاجئات والنازحات فى الدول العربية:المرأة فى خضم الصراعات" انعكس بصورة إيجابية عليهن لوجود من يهتم بهن وبحكاياتهن.
وفيما لا تعرف مصر مخيمات اللاجئين فالحقيقة الملموسة والواضحة كما تلاحظ رابحة سيف علام كباحثة فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الاهرام وغيرها من الباحثين هى ان المصريين استقبلوا تلك الفئة التى كتب عليها الخروج من بلدانها بكل الود وساعدوهم كأشقاء على الانخراط فى أوجه الحياة اليومية على امتداد الخارطة المصرية.
واذ تشكل مسألة الشعور بالكرامة هما لمبدعين ومثقفين حول العالم تناولوا إشكاليات اللاجئين والنازحين ومن بينهم دينا نايرى نوهت منظمات دولية بأن مصر لم تتردد فى استضافة اعداد ضخمة من اللاجئين والمهاجرين من مختلف الجنسيات بلغ عددهم مايقرب من خمسة ملايين لاجيء مابين مسجلين وغير مسجلين وتعمل على توفير سبل المعيشة الكريمة لهم دون عزلهم فى معسكرات او مراكز ايواء.
وهذا التوجه يعبر بأصالة عن حقيقة مصر التى لاتقبل بحضارتها العريقة ورسالتها الانسانية أن يتحول البشر الى اطياف حزن شاردة بانكسار فى بحار ومحيطات العالم لينتهى المطاف ببعضهم الى الهلاك او التعرض لمعاملة غير إنسانية.
ولا ريب أن هناك حاجة ثقافية وإعلامية للاهتمام بقضايا اللاجئين والنازحين وخاصة النساء كفئة تعانى من معطيات صعبة كما تقول السفيرة ميرفت التلاوى التى شغلت من قبل منصب مديرة منظمة المرأة العربية وهى منظمة دعمت الجهد البحثى للدكتورة رابحة علام فى كتابها الفائز مؤخرا بجائزة الدولة التشجيعية كما ان هذه المنظمة اتجهت لاعداد تقارير وافية حول أوضاع اللاجئات والنازحات العربيات فضلا عن تنظيم ورش عمل لرصد تلك الأوضاع.
وهذه الأوضاع المضطربة التى شهدتها بلدان فى المنطقة العربية منذ عام 2011 "بمثابة أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية" حسب توصيف للدكتورة ميرفت التلاوى التى تستشهد بأرقام معلنة تفيد ان الأزمة الإنسانية الناجمة عن تلك الأوضاع افرزت نحو 7 ملايين نازح و4 ملايين لاجيء وأدت الى مقتل الكثيرين اثناء محاولتهم الهجرة غير المشروعة.
واذا كان العالم بحاجة "لثورة انسانية" تؤدى لتغييرات جذرية فى نظرة الانسان لأخيه الانسان، فان مصر كعادتها وبحكم رسالتها الحضارية الخالدة تقدم حكومة وشعبا نموذجا مضيئا للثقافة الإنسانية بشأن إشكالية الهجرة غير الشرعية وتؤكد بالأقوال والأفعال أهمية معالجة جذور المآساة و"التعامل مع هؤلاء البشر كبشر وحماية الكرامة الإنسانية". 
ومصر التى تعد من الأعضاء البارزين فى منظمة الهجرة الدولية تدشن لثقافة جديدة تتعامل مع جذور الهجرة غير الشرعية أو تلك الظاهرة المآساوية والتى تحولت "لظاهرة عالمية" تؤرق الضمير الانسانى مع الألم الذى يحفز القلم للكتابة عن "توابيت الموت" السابحة فى بحار ومحيطات العالم.
وأزمة المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الفارين من ويلات النزاعات المسلحة تؤكد صحة وصواب الموقف المصرى الذى ينادى بضرورة العمل من اجل تسوية تلك النزاعات والتصدى لظاهرة الإرهاب التى تشكل أحد أهم أسباب تفاقم الأزمة وفتح قنوات الهجرة الشرعية وتيسير عملية التنقل وربط الهجرة بالتنمية.
ومن نافلة القول أن ملف الهجرة وخاصة الهجرة غير الشرعية بات من اهم الملفات فى الانتخابات العامة التى تشهدها الدول الأوروبية فى السنوات الأخيرة وكان هذا الملف حاضرا بقوة فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة بدول مثل فرنسا وألمانيا والنمسا واسبانيا وإيطاليا والسويد والمجر كما أنه يفرض نفسه بقوة على القمم الأوروبية سواء كانت رسمية او غير رسمية.
وفى وقت أمست فيه "قوى التطرف السياسى والايديولوجى فى الغرب تستغل مسألة اللاجئين والهجرة لتغذية مخاوف الناخبين بسرديات الغزو الثقافى من جانب الغرباء وتحقيق مكاسب انتخابية لتلك القوى"، كما يقول الكاتب البريطانى اليكس بريستون، فان هموم اللاجئين تتصاعد فى اهتمامات مبدعين حول العالم مثل الروائى الليبى هشام مطر والكاتب الفيتنامى الأصل فيت ثان نجوين.
أما عالم الاقتصاد البريطانى جوناثان بورتيز، فقد تناول فى سياق الجدل المستمر حول خروج بلاده من الاتحاد الأوروبى "البريكست" اتجاهات البريطانيين حيال المهاجرين فى كتاب جديد صدر بعنوان :"ما الذى نعرفه وما الذى علينا ان نفعله بشأن الهجرة؟".
وفى هذا الكتاب الذى حظى باهتمام واشادة من معلقين فى الصحافة الثقافية الغربية، توغل عالم الاقتصاد جوناثان بورتيز فى "ظاهرة حرب السرديات المتعددة فى بريطانيا حول المهاجرين"، فيما فند أسس الخطاب الثقافى لتيار اليمين المتطرف فى بلاده بشأن هذه الفئة من البشر وما تردده ابواق هذا التيار حول تهديدات اللاجئين للاستقرار الاقتصادى والتماسك المجتمعي.
وملف اللاجئين والمهاجرين فى أوروبا يبدو كاشفا لمدى الاختلافات الثقافية والتوجهات السياسية بين التيارات المختلفة وثمة حالات دالة فى هذا السياق مثل قيام فنانة فى مدينة ليفربول البريطانية بعرض قائمة بأسماء 34 الف و361 شخصا قضوا نحبهم اثناء محاولات الوصول لأوروبا منذ عام 1993.
غير أن هذه القائمة التى اعدتها "بانو سينتوجلو" على لافتة طولها 280 مترا كمشروع فنى ضمن مبادرة لمثقفين أوروبيين مناوئين للتطرف والتعصب مزقت اكثر من مرة من قبل اشخاص ينتمون لليمين المتطرف.
ومع التصاعد الواضح فى اعداد المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين حول العالم وتفاقم أوضاعهم فى أماكن شتى، فرضت هذه القضية الإنسانية نفسها على اهتمامات مبدعين مثل الكاتب والروائى الباكستانى محسن حميد الذى حظت روايته المكتوبة بالانجليزية :"الخروج غربا" باهتمام واسع النطاق فى الصحافة الثقافية الغربية.
وهذه الرواية التى أبدع صاحبها عبر بناء درامى متقن فى تناول آلام اللاجئين الذين تقدر اعدادهم الآن بعشرات الملايين حول العالم جاءت بعد أن شهد العالم فى عام 2015 أكبر موجة نزوح للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية لتصل الى "ذروة أليمة فى ظاهرة مراكب وقوارب الموت فيما أدت موجة التطرف والإرهاب التى عانت منها بلدان عربية عامئذ لتصاعد الظاهرة المحزنة وهى ملاحظة حاضرة أيضا فى الجهد المعرفى والثقافى للباحثة المصرية رابحة علام كما يتجلى فى كتابها المتوج بجائزة الدولة التشجيعية ليكون عنوانا دالا على الثقافة المصرية التى تعلى بجوهرها الانسانى من قيم الحق والخير والجمال.
 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة