الساعات الفاصلة

الجمعة، 07 يونيو 2019 08:00 م
الساعات الفاصلة داليا مجدي عبد الغني

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

في حياة كل منا ساعة فاصلة، يتحدد فيها مصيره في أمر ما، وتكاد تكون هذه الساعة هي أطول ساعة في حياته، على الأقل بالنسبة لهذا الأمر، فهو إما أن يجتازها بنجاح وشجاعة، وإما أن يهرب منها، ويدفع ثمنها بقية عُمْره.
 
وليس بالضرورة أن تكون هذه الساعة حزينة أو مخيفة، بل من الممكن أن تكون من أجمل ساعات العمر، ولكنها تفترق عن غيرها من ساعات الزمن، في قُدرتها على تغيير ما بعدها من ساعات.
 
فأنا مثلاً، أذكر أنني ظللت سنوات أؤجل مناقشة الدكتوراه؛ بسبب خجلي من مواجهة هذا الحشد من الجمهور، وهم يُشاهدون المناقشة، فقد كنت في ذلك الوقت أعيش متقوقعة داخل نفسي، لدرجة عدم قُدرتي على مواجهة الناس، حتى أنني أذكر عند طفولتي كنت أهرب من أي نشاط مدرسي، وخاصة الإذاعة المدرسية؛ حتى لا أواجه أعدادًا غفيرة من البشر، وظل هذا الأمر يكبر معي تدريجيًا، حتى أنني عندما أصبحت شابة، وكان يتقدم عريس لخطبتي، كنت أرفض مقابلته، وأكتفي برفضي له عن بعد؛ حتى لا أواجهه، ولكن في لحظة ما، شعرت أن مجهود سنوات سوف يضيع ويظل حبيسًا في درج مكتبي، فرسالة الدكتوراه هذه، بذلت فيها الكثير من الجهد، وكانت حلم عمري، حتى أنني اخترت موضوعًا لا يمت بصلة لطبيعة عملي، وكل من كان يقرأ عنوانها، كان يندهش من اختياري لهذا الموضوع الشاق، سواء في مراجعه النادرة، أو القدرة على إخراجه كتابة، ولكن طبيعتي المُحبة للتحدي، هي التي دفعتني لخوض المغامرة حتى النهاية.
 
وهنا جلست مع نفسي، وسألتها إلى متى سأظل أؤجل المناقشة، فما هي إلا ثلاث ساعات، وبعدها سأُكْنَى بلقب دكتورة مدى الحياة، وقد تفتح لي الحياة مصراعيها، لكي أنهل ما أشاء من أحلامي وطُموحاتي، وعليه قررت أن أحسم الموقف، وليكن ما يكون، وبالفعل بدأت المناقشة في الساعة الحادية عشرة صباحًا، يوم الثلاثاء الموافق الثلاثين من سبتمبر، عام 2014م، وانتهت في الساعة الثانية مساءً بالضبط، ومنذ هذه الساعة وشعرت أنني بدأت أحقق أحلامي، والغريب أنني بعد أن كنت أخشى مواجهة الناس في قاعة المناقشة، أصبحت أواجه جمهورًا بأكمله، وجميع شرائح المجتمع، فلقد أصبحت أواجه الكاميرا في القنوات التليفزيونية بشكل دائم، وأواجه الطلاب في قاعات المحاضرات في أكثر من جامعة، وأواجه القراء في الصحف والمواقع الإلكترونية، فلولا تلك الساعة الفاصلة في حياتي، ما كنت حصدت كل هذا النجاح.
 
 والإنسان القوي وحده هو الذي يقرر أن يحسم أي موقف مُعلق معه في حياته، فما عليه سوى أن يفكر في الشكل الذي ستؤول إليه حياته بعد تلك الساعة الفاصلة، ومن ثم يتخذ القرار، لكي يتحدى الصعاب، ويواجه نفسه ومشكلته، ويُذلل عقباتها؛ لكي يصل إلى مآربه.
 
وقد يكون هذا الكلام يبدو سهلاً ظاهريًا، ولكن صعوبته تكمن في تنفيذه، ولكنني سأمنحكم طريقة سحرية، تُيسر لكم الأمور، افعلوا مثلما فعلت، في أي موقف يتطلب الحسم في ساعة فاصلة، كل ما في الأمر، أن تتخيلوا أن بعد مُواجهتكم للموقف، لن تصلوا لما هو أسوأ مما أنتم عليه، بل ربما يصبح الموقف أفضل كثيرًا، فأنا دائمًا أردد مقولة وهي: "إن لم أكسب، فعلى الأقل لن أخسر"، وهذا هو ما يجعلني أصل إلى أهدافي، وأتشجع لمواجهة الساعات الفاصلة في حياتي.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة