نتقابل على فترات , يجلس معى بنفس المقهى , الذى يتوسط ميدان صغير , ملتقى لشوارع كثيرة تتقاطع معه و تنطلق منه.
راقبته بالأمس يعدل ربطة عنقه حتى توسّطت " ياقة قميصه " , داعبته : ألم تقرر بعد أن تتناول " فنجان قهوة؟"
بضجر : قهوتك شديدة المرارة . لا أطيق طعمها و إن كانت رائحتها تبعث فى الأعصاب خدراً لذيذاً.
قلت : للسكر طعم أشد مرارة فى الحلق. مجاملة ضحكنا معاً , تطلّعنا للميدان الصغير بأشجاره القليلة , غمرتنا السيارات بأنوارها , أصوات نفيرها المزعج , مسرحية كبيرة ....
لست أدرى إن كان دورى بالحياة رئيسى أم هامشى .. كان يحدّث نفسه , تبيّنت كلماته بصعوبة , قلت: مالك يا عزيزى , لم أعهدك تنغمس فى أمر هكذا , أنت كما عرفتك أمير المنتصف , لا تغادره ما حييت , عقيدة طالما آمنت بها , سخرنا منك قديما , بخاصة أنا , رميناك بكل نقيصة .. لكنّى أيقنت بزوال العمر أنك كنت على صواب. فلماذا الآن تراجع نفسك ؟
قهوتك بردت , أعمل لك " فنجان " آخر , جاء صوت النادل فى أذنى كطلق نارى أفزعنى , و قد استقرت على وجهه نظرة باهتة دون ملامح, كنت أجلس بمنتصف المقهى , كما أفعل مغرب كل يوم ,أمامى فنجان بطعم الصبّار.