سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 يونيو 1953.. طه حسين يتلو بالفرنسية دعاء «اللهم لك الحمد» فى «فلورنسا».. وقاعة المؤتمر تدوى بالتصفيق

الخميس، 20 يونيو 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 يونيو 1953.. طه حسين يتلو بالفرنسية دعاء «اللهم لك الحمد» فى «فلورنسا».. وقاعة المؤتمر تدوى بالتصفيق طة حسين وزوجتة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وصل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين وزوجته سوزان إلى «فلورنسا» الإيطالية يوم 19 يونيو 1953، للمشاركة فى مؤتمر «الحضارة والسلام»، وفى الطريق قرأت له سوزان من جريدة الجمهورية خبر إلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية فى مصر يوم 18 يونيو 1953.. «راجع، ذات يوم، 19 يونيو 2019».
 
قضى «العميد» يوم 20 يونيو - مثل هذا اليوم - 1953 فى قراءة القرآن الكريم، وظل كذلك طوال أسبوع لا يقرأ أى شىء آخر، وفقا للدكتور محمد حسن الزيات «وزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر 1973 وزوج ابنته» فى كتابه «ما بعد الأيام»، مشيرا إلى اعتقاده بأن مشاركته فى المؤتمر ستكون للاستماع.. يؤكد الزيات: «كان بين المدعوين قناصل الدول، ومنهم قنصل مصر العام مصطفى السعدنى، وبين الأعضاء طه حسين يمثل مصر، وإلى يمينه زوجته، وقال رئيس المؤتمر وهو على المنصة: «والآن يسرنى أن أدعو الكاتب المصرى الدكتور طه حسين للكلام، فقال لزوجته: «كنت فهمت أننى أشارك فى المؤتمر مستمعا، لم أعد شيئا، طوال هذا الأسبوع الذى قضيناه هنا لم أقرأ شيئا غير القرآن، قالت سوزان: إنهم يصفقون لك، الكلام الذى كنت تقوله لى فى حلوان وكلمة شكر، هذا يكفى ثم تعود للاستماع».
 
سار «مؤنس» مع والده إلى المنصة وأجلسه، وبدأ حديثه بالفرنسية..قال: «أحب أيها السيدات والسادة أن أتحدث إليكم حديثا قصيرا عن الصلة بين السلام وبين ديننا الإسلام.. إن اسم الإسلام اشتق من السلم، والمسلم فى القرآن هو الذى يسلم الناس من لسانه ويده، وأن إبراهيم أبا الأديان السماوية جاء ربه بقلب سليم، وأسلم وجهه حنيفا، فالمسلمون أهل السلام».. يضيف الزيات: بين أعضاء المؤتمر أستاذ فرنسى تجلس إلى جانبه سيدة من شيلى تقول: «هذا حديث بديع، بغير أوراق ولا مذكرات».. يقول لها جارها الفرنسى: «وكيف تريدين أن يستعمل الأوراق والمذكرات؟».. ترد السيدة: «أنتقل الآن إلى الحديث عن «الصلاة»، يظهر أن معنى الكلمة الأصلى فى اللغة العربية «هو الدعاء»، إنه يقول إن هناك نصا تاريخيا لدعاء النبى كان النبى يدعو به».
 
يتابع طه حسين: «كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء إذا تهجد فى الليل، وهذه ترجمتى للدعاء، وهى لا تصور إلا قليلا بلاغة وجمال الأصل العربى، الدعاء هو: «اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت قيوم السماء والأرض، أنت الحق، ووعدك الحق، والجنة حق، والنار حق، والموت حق، والساعة حق»، تقول السيدة لجارها: «أريد أن أكتب هذا لأسجله.. يستمر طه حسين فى محاضرته وفى الدعاء، ويذكر: «هناك فقرة، كانت دائما أمام ناظرى، تضىء لى الطريق فى حياتى كلها وهى: اللهم لك أسملت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لى ما قدمت وما أخرت،وما أعلنت وما أسررت، أنت إلهى لاإله إلا أنت».
 
يصف الزيات ما حدث: «دوت القاعة بالتصفيق، وتقدم مؤنس لينزل معه والده من فوق المنصة، وتجرى مندوبة شيلى نحو طه حسين تقول له: «سيدى الدكتور.. سيدى الدكتور.. أرجو أن تعطينى نسخة من هذا الدعاء، دعاء رسول الإسلام، لأننى أريد أن أعيش به، أن أعيش بهذا الدعاء، أدعو به كل ليلة، وأريد أن تحمل أنت إلى دينكم الإسلام، الذى حببتنى فيه منذ اليوم، أن تحمل إليه حبى ودموعى».. يرد: «حبك كفاية يا سيدتى، لا داعى للدموع.. سأطلب إلى مؤنس أن يعطيك نسخة من الدعاء وشكرا جزيلا».
 
التصفيق يتواصل، والمهنئون يتزاحمون.. يذكر الزيات: «يقول قنصل مصر لطه حسين: رفعت رأس مصر يا سيدى ورأس العرب ورأس المسلمين، سأكتب لمصر فورا، وسيسعد مصر الجديدة أن تعرف ما جرى.. ويقبل سينيور لابيرا رئيس المؤتمر، ويقول للقنصل المصرى: «معذرة يا سيدى القنصل، طه حسين عندكم فى مصر طوال أيام السنة، أترك لى هذه اللحظة، لأقول له أنك جعلت هذا اليوم خالدا فى تاريخ مدينتى فلورنسا، بشرت فيها بالعدالة أساسا للسلام وللتعاون، وبشرت بها لشعوب البحر الأبيض، لجميع شعوب العالم، اليوم يدرك الجميع أنك وشعب مصر، وشعوب العرب جميعا تنشدون العدالة أساسا للسلام، وتستحقون الوصول إلى العدالة».
 
يحين موعد الانصراف فتقول سوزان لزوجها وهما يخرجان: «هذا أنت تتفوق على نفسك».. ويقول مؤنس: «كنت تقول لنا أنك لم تكن تدرى ماذا تقول؟».. يرد: «حقيقة لم أكن أدرى، لم أعد نفسى بالكلام طوال الأسبوع كما قلت لكم، كنت أقرأ القرآن، ومع ذلك فإننى فى الواقع راض عن نفسى وراض عن حديثى اليوم.. وما تعودت أن أرضى عن نفسى أبدا.. وما رضيت من قبل عن حديث ألقيته فى أى وقت من الأوقات، ولكن كيف كانت اللغة.. كيف كانت لغتى الفرنسية؟»..أجاب مؤنس: «شنيعة».. وقالت سوزان: «ألا تكف عن هذه الأسئلة فى هذه اللحظة المفعمة بالعزة والفخر؟، ألن ترضى عن نفسك أبدا؟ كانت لغتك كالعادة رائعة».. يرد: «قلت لك إننى راضٍ عن نفسى اليوم، وهذا الدعاء تلوته لنفسى قبل أن أنام أمس، ولكن تلاوتى لترجمته اليوم علنا كان لها تأثير غريب فى نفسى، حرك فى شوقا إلى زيارة أرض الحجاز ومدينة رسول الله».. تقول سوزان: «أما أنا فكنت أفكر فى والدك.. كنت أريد أن يسمعك أبوك، وتسمعك والدتك، وكنت أريد أن تكون ابنتنا حاضرة». 
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة