حازم حسين

ورطة الإمارة المارقة.. قطر على منحدر القطيعة (8)

الخميس، 13 يونيو 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رغم المُقاطعة، واستمرار قطر فى سياستها الداعمة للإرهاب، تلقّت الإمارة دعوة رسميّة من العاهل السعودى، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، للمشاركة فى قِمَم مكّة الثلاث «العربية والخليجية والإسلامية» أواخر مايو الماضى.
 
جاءت الدعوة احترامًا للبروتوكول وعضوية قطر بالجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى ومنظمة التعاون الإسلامى، ورغم أنها أرسلت وفدًا رسميًّا، شارك فى المُداولات، واطَّلع على تفاصيل المناقشات والقرارات، خرجت بعدها بيومين رافضةً مُخرجات القِمم التى اعتبرت إيران عنصر توتر فى المنطقة، مُنحازةً للحليف المارق على حساب الأشقّاء والالتزامات الإقليمية والقانونية.
 
الموقف نفسه تكرَّر فى قمّة الرياض قبل سنتين، بحضور زعماء عرب وخليجيّين، والرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وقتها حضر تميم بن حمد بنفسه، ثمّ رفض مُخرجات القمّة لاحقًا، وكانت تلك واحدة من أسباب الخلاف التى قادت إلى المقاطعة.
 
انعقدت قمّة الرياض فى 21 مايو 2017، وتواترت فيها تحذيرات عدّة من سياسات إيران وخطورتها على أمن المنطقة ومصالحها. وقتها لم يُسجّل أمير قطر اعتراضه، أو يطرح وجهة نظر مُغايرة، ليخرج المشهد مُمثّلاً لإجماع الحضور على استهجان مواقف طهران وتمدُّد أذرعها فى المحيط العربى وبُؤرِه الساخنة، لكن «تميم» خرق الإجماع فى 27 مايو، بإطلاقه تصريحات عبر وكالة الأنباء القطرية الرسمية، تعتبر إيران بلدًا إسلاميًّا قائدًا من غير الحكمة التصعيد معه، وتنتقد ما أسماه «العداء المتنامى تجاهها»، ورغم نفى القصر وادّعاؤه تعرُّض الوكالة لقرصنة، أكّد الأمير الغِرّ موقفه باتصال هاتفى مع حسن روحانى بعد ساعات.
 
تمضى قطر فى علاقتها بالدولة الفارسية كما لو كانت مُجبرةً على بنودها وفق عقد إذعان قاسٍ. تكرار التضارب فى مواقف الإمارة يعنى ضمن احتمالاته العديدة أن سياساتها لا تُقرِّرها جهة واحدة، أو أن هناك جهتين تتنازعان توجيه مؤسَّساتها، إلى حدّ تغيير رؤاها بالكُلّية بين يوم وليلة. وأغلب الظنّ أن الأمر لا يرتبط برهان الدوحة على الحلف التركى الإيرانى، أو تورُّطها معهما فى أعمال عدائية ودعم لميليشيات البؤر الساخنة فقط، وإنما يعود فى المقام الأول إلى اختراق دوائر السلطة فى الإمارة الصغيرة بعناصر موالية لدولة الملالى، فضلًا عن انتشار الحرس الثورى فى أراضيها، وبَسط نفوذه على الأجهزة السياسية والتنفيذية، إلى حدّ تأمينه المنشآت السيادية والقصور الأميرية، وتحكُّمه فى تحرُّكات الوزراء والأسرة الحاكمة!
 
هذا الإذعان قاد خطوات قطر على المُنحدر بوتيرةٍ درامية، انتهت إلى التحوُّل من الدعم الرضائى التطوُّعى للميليشيات وسياسات طهران، إلى الوصاية الكاملة والتمويل الإجبارى. أوضح تلك المشاهد ما حدث بين العراق وسوريا فى 2014. كانت الإمارة تدعم الميليشيات السُّنّية فى الساحة السورية، وتُوفِّر تغطية محدودة للحشد الشعبى العراقى، لكنها أُجبِرت تحت ضغط التنازع التركى الإيرانى على ضخ قرابة مليارى دولار للجانبين.
 
بدأ الأمر باختطاف 26 صيّادًا من الأسرة الحاكمة فى المياه العراقية يناير 2016، فتعاقدت قطر خلال أبريل التالى مع شركة علاقات عامة أمريكية، فى اتفاق يمتدّ سنة بمليونى دولار، لتتبُّع مسار الرهائن والتفاوض مع خاطفيهم، لكن على الجانب الآخر رتبت طهران الصفقة، وألزمت الدوحة بدفع مليار دولار للحشد الشعبى، أحبطت السلطات العراقية دخول 500 مليون منها فى مطار بغداد، فاضطرَّت الإمارة لتعويضها، وبدورها أجبرتها تركيا على دفع 140 مليون دولار لهيئة تحرير الشام و80 مليونا لحركة أحرار الشام الإسلامية، تحت غطاء إجلاء المدنيّين من “مضايا”، بحسب ما نشرته “فاينانشيال تايمز” بعد أسابيع من الصفقة التى جرت فى أبريل 2017.
 
رغم توافق تركيا وإيران فى الملفّين اليمنى والليبى، إلا أنهما تقفان على طرفى نقيض فى العراق وسوريا. وبشكلٍ إجمالىّ لا يُمكن اعتبارهما «حليفين جيّدين» على طول الخط، حتى لو تشاركتا العمل ضد العرب، أو توافقتا على اختراق العقوبات الأمريكية، بتهريب بترول الثانية عبر أراضى الأولى.
 
وفق حسابات السياسة لن يخلو الأمر من تعارضٍ فى مصالحهما بين وقت وآخر، وأن تدخل قطر تلك الدائرة المشتركة، وتفتح أبوابها لوحدات الحرس الثورى، وتؤسِّس قاعدةً للجيش التركى على أراضيها، فهى بذلك لا تضع نفسها بين شِقَّى رحىً فحسب، وإنما ترهن سياستها ومُقدّراتها ومواردها لخدمة مشروعين مُتوافقَين فى جانب، ومُتصادمَين فى عشرات الجوانب الأخرى، وتقريبًا لا يجمعهما إلا أحلام استعادة التمدُّد الإمبراطورى للفُرس والعثمانيّين على حساب العرب!
 
الخطر الأكبر وراء تلك السياسة، أنها على المدى البعيد لا بدَّ من أن تشهد صدامًا بين الطرفين، أو بين أحدهما وقطر. أرجح التوقُّعات أن مرحلة القضبان المتوازية لن تمتدّ طويلًا فى جغرافيا المنطقة، وحال إنجاز الملفّات التى تشهد توافقًا بين البلدين، ستطفو على السطح عناصر الشِّقاق بينهما، ويسعى كل منهما إلى وضع قطاره فى المُقدّمة والانفراد بالشريط الحديدى. وقتها لن يكون فى مَقدور الدوحة اللعب مع الجانبين والتقافز بين قضبانهما، تحسُّبًا من السقوط تحت عجلات القطارين الهائجين، كما لن يكون آمنًا أن تلوذ بأحدهما، لأن الانحياز سيُعتبَر عداءً للطرف الآخر. فى النهاية قد تجد الإمارة نفسها فى خصومة مباشرة مع الحليفين السابقين، أو جثّةً تتناثر أشلاؤها على طريق أطماعهما والسباق المحموم لتحصيل أكبر قدرٍ منها!
 
احتدام الأمور يعنى مزيدًا من التورُّط باهظ التكلفة، وتصفية الملفّات الساخنة تُنذر بفائض قوة واختلاق مواجهة من نوع آخر. الأزمة أن تلك المواجهة لن تكون على أراضى سوريا أو ليبيا أو العراق أو اليمن، وإنما ستندلع فى قطر نفسها. وبين وحدات الحرس الثورى وقوات الجيش التركى، قد يجد تميم بن حمد نفسه رهينةً، أو يتحوَّل قصره إلى ساحة حربٍ بين سُلطتى الانتداب الجديدتين!
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة