حازم حسين

ورطة الإمارة المارقة.. قطر على منحدر القطيعة (2)

الخميس، 06 يونيو 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جَرَت مُداولاتٌ عديدة طوال مايو، وترقَّبت الدول الكبرى فى المنطقة أيّة بادرة قد تنفى ظلال الرَّيبة وسوء النيّة التى تُكلِّل هامة الإمارة الصغيرة، لكن يومًا بعد يومٍ كانت العلامات تتوالى، لتُعمِّق الأزمّة، وتُؤكّد إصرار الأمير الصغير على لعبته الخطرة. هكذا تبخَّرت بحيرة الصبر التى وقفت على شاطئها الدول الأربع، فكانت آخر جولة تداول مساء 4 يونيو، ليُغادر السفير السعودى مطار القاهرة إلى الرياض مع انتصاف الليل، وتصدر بيانات مقاطعة قطر فجر الخامس من يونيو 2017 «20 رمضان 1438» عن وزارات الخارجية فى مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
 
قالت الرياض فى بيانها، إن الدوحة دأبت منذ العام 1995 على اتخاذ مواقف مُضادّة لمصالح المملكة والدول العربية، فى إشارة إلى بدء الحقبة السياسية التى قادها حمد بن خليفة، عقب انقلابه الناعم على والده فى صيف ذلك العام، مدفوعًا بترتيبات وضغوط من زوجته موزة آل مسند، التى كانت هى نفسها صفقة لتهدئة الأوضاع السياسية المُحتدمة بين القصر وقبائل قطر، فتحوَّلت إلى برميل بارود يزيد الإمارة اشتعالاً!
 
رغم سابقة التجربة، كان انقلاب «حمد» على والده مُختلفًا تمامًا عن انقلاب الوالد على ابن عمّه قبل ثلاث وعشرين سنة. فى المرة الأولى لم يتجاوز الأمر حدود صراعات القصور وأطماع العروش والسلطة، دون أن يستهدف المُنقلِب إحداث تغيّرات جذرية فى بنية الدولة ورؤاها وسياساتها الخارجية، فظلَّت قناعة خليفة بن حمد مُطابقة لقناعة ابن عمه أحمد بن على، وفيها ترتضى قطر موقعها كدُويلة صغيرة، وبدقّة أكبر كمُحافظة سعودية تتمتّع بصلاحيات فيدرالية، لكن فى المرّة الثانية أخذت الأمور منحىً مُغايرًا، يشتمل فى طياته على تطلُّعات سياسيّة لم تختبرها الإمارة من قبل، ولا تملك القدرة لاقتناصها، ولو وقفت على أطراف أصابعها!
 
إذا كان انقلاب «خليفة» فى العام 1972 انتزاعًا لحقٍّ اغتصبه عمُّه، حينما نقل السلطة إلى ابنه خلافًا لمقتضيات ولايته للعهد، ولوصية الجدّ عبد الله آل ثانى، خاصة أنه لم يكن مُتوقَّعًا أن يصل «خليفة» للحكم بطريق شرعية، بترجيح أن ينقل أحمد بن على السلطة لابنه مُتجاوزًا ابن عمّه، كما حدث من قبل. فإن انقلاب «حمد» على والده كان انقلاب رؤية وسياسة فى المقام الأول، إذ كان وليًّا للعهد لا يُنازعه عمٌّ أو شقيق، وكان يُمكن إقناع الأب بنقل الحكم له فى غضون عدّة سنوات بدلاً من استعجال الأمر، لكن القوّة المُحرّكة لهذا الانقلاب/ الزوجة ابنة آل مسند، لم تكن لتنتظر أو تتحمَّل تعطُّل خطّتها طويلاً!
 
رغم أن الزوجة المُتطلِّعة كانت وراء كل تحرّكات قطر المستهدفة لمصالح المحيط العربى منذ منتصف التسعينيّات، فإن تلك المواقف الساخنة ارتفعت وتيرتها فى السنوات الأربع السابقة على قرار المقاطعة. يعود الأمر إلى إحكام الشيخة موزة قبضتها على السلطة فى الإمارة بشكل كامل، بدءًا باختيار ابنها «تميم» وليًّا للعهد، مُتجاوزًا إخوته الأكبر من زوجة «حمد» الأولى، وصولاً إلى استغلال التوتّرات الناجمة عن الربيع العربى، وسقوط نظام القذافى تحديدًا، فى الدفع به لواجهة المشهد وتنصيبه أميرًا للبلاد. ولأنه «ابن أمه» كما يقول الوعى الشعبى، كان مُخلصًا لرؤية الوالدة، رُبّما أكثر من إخلاص والده، الذى عمل فى خدمة تلك الرؤية قرابة ثلاثة عقود!
 
مدفوعًا برؤية والدته، الخبيرة فى صراعات القصور منذ الإطاحة بجدّ أبنائها، لعب تميم بن حمد على الصراعات الإقليمية المُحتدمة بين العرب من جانب، والأتراك والفرس من جانب آخر، مُستدفئًا فى تلك اللعبة بانتمائه لمحيط عربىّ واسع ومُستقرّ، ومُتطلِّعًا لعَقد تحالفاتٍ مع أنقرة وطهران، تضمن له حضورًا أوسع فى ملفّات المنطقة الساخنة. وفى تقلُّبه بين الجانبين كان يستغلّ علاقته بكل منهما كورقة إضافية لتقوية موقفه مع الجانب الآخر، سواء بشكل مُعلن فى مناورته لتركيا وإيران بظهيره العربى، أو بشكل خفىّ فى استغلاله للحضور التركى الإيرانى بالمنطقة للضغط على هذا الظهير، إما عبر التهديد المباشر، أو من بوّابة الميليشيات المدعومة من البلدين. تلك اللعبة تحديدًا كانت جَمرة النار التى أحرقت أصابع الدوحة، وطردتها من الدائرة العربية الفاعلة إقليميًّا، مع قرار المقاطعة قبل سنتين من الآن.
 
وصول «تميم» للحكم عبر انقلاب قصرٍ ناعم، كما حدث مع والده من قبل، عمَّق الشعور لديه بأن الإمارة ترتكز إلى أُسسٍ مُهتزّة، وما يتوفّر من إمكانات القوة وملامح الاستقرار لا يضمن له الحفاظ على عرشه، أو تجنّب دوّامة الانقلابات الناعمة التى قد تُطيح به فى لحظة. صورة والده لم تَغب عن عينيه بالتأكيد، فالأمير العجوز الذى قضى ثمانى عشرة سنة فى الحكم، خسر عرشه بين ليلةٍ وضُحاها، مع سقوط نظام القذافى فى ليبيا، وخروج وثائق من قصر العزيزية تؤكد اتفاقه مع الرئيس الليبى المقتول على اغتيال العاهل السعودى عبد الله بن عبدالعزيز، عقب خلافات مُحتدمة فى أروقة القمة العربية بشرم الشيخ 2003. وقتها تأجّج غضب المملكة من الدوحة، واستغلَّت الشيخة موزة الأمر لنقل السلطة إلى ابنها، لتبدو الإطاحة بـ«حمد» مُحاولةً لترضية الرياض وامتصاص غضبها من المؤامرة المُكتشفة بعد قُرابة عشر سنوات من نسج خيوطها.
 
كان المُتوقَّع من الأمير ثلاثينى العمر أن يحترم صيغة وصوله للحكم، باعتباره ورقة تهدئة لنزع فتيل الأزمة بين الإمارة والمملكة، وبالتبعية المحيط العربى المُتضرِّر من سياسات قطر، لكنه على العكس من ذلك سار فى طريق أشدّ وُعورة من والده. رفع الشاب حرارة الصدام مع الأشقاء، وأطلق أذرعه الإعلامية لاستهداف دول الجوار، ثم وطَّد صفقاته مع الميليشيات الإرهابية، بمزيدٍ من الدعم والاحتضان، وكان تطوير علاقته بتركيا وإيران إلى حدود التنسيق العسكرى، ثمّ امتداح دولة الملالى وفرضها كقوة فوق مراكز الإقليم الكبرى، القشّة التى قصمت ظهر الإمارة الصغيرة. وعجَّلت بقرار المُقاطعة وسجنها فى جغرافيَّتها المحدودة!








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة