كل يوم يمر على هذه الأرض يشهد العالم فيه تطورا هائلا فى شتى المجالات، تطور هائل فاق كل توقعات البشرية، مهام أصبحت تنفذ فى أقل من ثانية، لم يخطر ببال بشر أن تحدث يوما ما، وفى خضم هذا الصراع المعرفى الخطير، وتنامى وتيرة المعرفة والتقنيات، و تطور العالم الافتراضى يوما بعد يوم، أصبحنا نحن كبشر واقعين تحت رحمة سكين مواقع التواصل الاجتماعى أو ما أفضل تسميته بـ "أكذوبة العصر" والتى تمثل جزءا ليس ببسيط فى عالم الشبكة العنكبوتية المعقدة، يوما بعد يوم يزداد عدد الأشخاص فى لائحة المتابعين وقائمة الأصدقاء ويزداد معها تلقائيا عدد المشاهير والمدونين الذين نتابعهم بحماس شديد فى كافة المجالات، ويوما بعد يوم ندرك ما لم نكن ندركه يوما، ونسافر ونحن مسترخون على أسرتنا الى كل بقاع العالم من خلال ما نراه من مقاطع مصورة بأعلى وأكفأ التقنيات، والتى تشعرك حقا انك جزء لا يتجزأ من تلك الصورة المتحركة، والتى فى الحقيقة قد يبعد مكانها عنك ربما ملايين الكيلو مترات.
لكن من يصلح لنا ما أتلفته هذه التقنيات الحديثة على حياتنا؟ ومن يعالج المشكلات الاجتماعية التى تعانى منها أوطاننا بسبب المقارنات المستمرة مع ما نراه على هذه المواقع الافتراضية؟ إن مقالى اليوم لا يهدف أبدا إلى ذم التقدم التكنولوجى أو ذكر محاسنه ومميزاته، لأننى سبق وناقشت هذا الموضوع فى مقال سابق، وبالتحديد ناقشت موضوع التأثير الايجابى والسلبى لشبكة الانترنت على البشر من الناحية الاجتماعية، ولكنى فى الحقيقة أودت أن أسلط الضوء اليوم على هذا العالم المزيف الذى يتضخم يوميا تاركا فى نفوسنا ربما حسرات على ما لم نعشه، وما لم نجربه وكان من نصيب الآخرين، وهنا تبدأ مجموعة من التساؤلات العميقة تتسلل الى أذهاننا التائهة، سأحاول عزيزى القارئ أن انتقل بك الى صورة أكثر دقة، وأكثر تحديدا لعالم مواقع التواصل الاجتماعى التى تعتمد على المقاطع المصورة والصور والبث المباشر والعديد من المميزات، فى الحقيقة أن وطننا العربى يعانى من تخمة معلوماتية حقيقية، وأقصد بالتخمة هنا الكم الرهيب من المدونات والمدونين، ذكورا كانوا أم إناثا او ما يسمى بالـ (بلوجرز )، ومعنى كلمة بلوجر أو مدون ببساطة هى أن تكون ناشط على شبكة الانترنت تتبنى فكرة معينة للمتابعين الذين يودون متابعتها، سواء أكانت هذه الفكرة متعلقة بالجانب المعرفى، الاجتماعى، الترفيهى او بالطبع الاكثر شيوعا بين الفتيات وهو الجانب المتعلق بالجمال والموضة ايا كان محور التركيز، الآن أعتقد انى نجحت فى إعطائك صورة كاملة عن ما أود توصيله، هيا بنا لننتقل الى صورة أكثر دقة، نرى فيها مدونين عرب نساء كن او رجالا كما ذكرت، يشاركون لحظاتهم المفضلة مع متابعينهم طوال اليوم ولنركز كثيرا على عبارة " طوال اليوم " !، وينقلون لهم حياتهم بكل ما فيها عبر بضع مقاطع مصورة تظهر فيها فخامة الاثاث والمنزل الذين يقطنون فيه، والخدم والسيارات والمجوهرات الفارهة، وعدد كبير من البنين والبنات، وعناصر كثيرة أخرى لهذه الحياة المرفهة و التى تشعرنى شخصيا انهم يعيشون فى عالم آخر يختلف كثيرا عن عالمنا، حتى مشكلاتهم التى يعرضونها تشعرنى أحيانا بالضحك، نظرا لكونها مشكلات لا تمثل عشر المشكلات الحقيقة التى يواجهها أطفالنا فى فلسطين واليمن وبلاد المسلمين التى تمر السنون مسرعة دون أدنى حل لها، والتى تشعر المتابعين من ناحية أخرى و ليس الكل بالطبع بل المعظم بالنقص و الحرمان والعجز، خاصة بعض المشاهير الذين يتفاخرون بما أعطاهم الله بغرض الدعاية والشهرة والوصول الى القمة.
ما يحدث لنا بعد مشاهدة هذه الحيوات الفاخرة وأسلوب الحياة المرفه هو الشعور المتواصل بعدم الاكتفاء سواء المادى، الاجتماعى، العاطفى او حتى الثقافى، وهذا السباق الحادث فى مضمار مواقع التواصل الاجتماعى واقصد هنا كلمة " السباق " بشكل حرفى ومقصود، يشعرنا بأننا علينا الركض بأسرع ما أوتينا من قوة لاجتياز حواجز الحياة، وربما للتفوق على حياة من نراهم وليس التفوق على أنفسنا، سباق دائم فى صالات الجيم والالعاب الرياضية للحصول على جسد ممشوق كالمدونة كذا، او نقود لا حصر لها لزيارة اروع دول العالم كالمدون كذا، وسباق للحصول على فارس الاحلام المنتظر كالمدونة كذا، وأمثلة لاتعد ولا تحصى من جوانب الحياة التى نراها ويفتقدها الكثيرون محاولين حجز مكان لهم على الخريطة، إن ما أريد الوصول اليه فى مقالتى هذه هو هدف فى غاية الاهمية وهو أن لا نجعل هذه الحياة المزيفة التى نراها على مواقع التواصل أساس لحياتنا، وان ما نراه من هؤلاء المشاهير ليس الا جزء صغير فقط من حياتهم، وبالطبع فإن هدفهم الرئيسى هو الدعاية والشهرة، فهم لا يظهرون الينا كمتابعين كم العقبات التى اجتازوها للوصول الى الهدف المرغوب، ولا يظهروا بالتالى ما يعانون من مشكلات عصيبة كضريبة لهذه الشهرة المزيفة، فأنا واحدة من بين كثر اتابع وبشدة هذا العالم حتى شعرت أن بعض من أتابعهن غير جديرات بالمتابعة، ليس لنقص فيهن، بل لأننا بشر، وطبع الانسان هو الرغبة المتواصلة فى أن يصبح االأفضل، الى أن اكتشفت أن بعض هذه العوالم لا تناسبنى ولا تناسب هويتى وحياتى وان كل ما يهم البعض هو اظهار حياة الترف التى يفتقدها الكثير فى أوطاننا، فلما كل هذا التفاخر وكلنا سواسية أمام المولى، وان عملنا الصالح هو كل ما سيبقى لنا من هذا العالم الفانى؟.
أختى القارئة، وأقول أختى لأننى مدركة تمام الإدراك أن أكثر قرائى هن من الجنس اللطيف، فلا تغريكى هذه الحياة، خذى منها ما يناسبك وما يناسب ظروفك الخاصة، ولا تنسى أن الدعاية وعرض خصوصيات الحياة أصبح " بيزنس " هام فى هذه الايام وهو أرخص أنواع ال " البيزنس " فى وجهة نظرى ولكنها أسرع الطرق للوصول الى القمة، توقفى عن مقارنة حياتك التى تظنينها بائسة فى بعض الاحيان بحياتهم، فإن نظرت لحياتك الخاصة من زاوية أخرى ستدركين كم النعم التى تملكينها انتى ويفتقدها كثر، تذكرى دائما أن من قال أن القناعة كنز لا يفنى لم يخطئ يوما وانها أن تملكتك جعلتك أسعد النساء على الاطلاق، ثابرى وحاولى الوصول لهدفك الخاص وليس ما يسعى الاخرون للوصول اليه، وأخيرا، تذكرى انك نسختك الوحيدة، وحياتك لم ولن تتكرر، كونى عالمك الخاص، فقط كونى انتى ولا تعطى فرصة مهما كانت لأكذوبة العصر أن تؤثر على حياتك او تشعرك بالنقص و العجز لانها ببساطة "أكذوبة العصر".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة