"أنت لازم تدخل علمي علوم عشان تطلع دكتور و تورث العيادة من بعدي " جملة تجري على لسان الآباء داخل بيوتنا المصرية لاسيما إذا كان الابن أو الابنة في المرحلة الثانوية. كل أب يحاول أن يحقق أحلامه التي لم يستطع تحقيقها من خلاله ابنه، فيصبح الابن بوابة العبور بالنسبه للأب لكي يصل إلى أحلامه، دون النظر إلي رغبات هذا الطالب أو ميوله، المهم ألا يخرج كرسي أستاذ الجامعة من بيته ، مما يدفعه إلي الزج به حتى وإن كان رغماً عنه ، فلابد أن يسير على نهج ابيه ، و يتتبع مكانته الوظيفة ،ويكمل الطريق من بعده حتى لا يأتى دخيلاً ،ويستغل المنصب في حال إن وجده شاغراً ، فقد يكون أحدهم يستحقه أكثر من ابنه ،ولكن في هذه الحالة لا يتم التعيين على أساس الكفاءة و الاستحقاق، إنما علي مكانة الأب وما يمكن أن يحققه لابنه من إمتيازات سواء كان مازال يشغل منصبه، أو أن يسعى جاهداً أن يكون لابنه الأولوية فور مغادرته مكان العمل نهائياً .
كثيرا ما كان يتردد على مسامعنا كلمة "إرث "، و كنا نظن حينها أنها تتعلق بالمواريث والأمور المادية، ولكن أن نورث أبنائنا مناصبنا ونحن على قيد الحياة ،فهذا هو العبث بعينه، أن تجري العادة في مجتمعاتنا أن ابن الطبيب لابد أن يكون طبيباً، وابن المهندس لابد أن يتخرج من كلية الهندسة ،فهذا مايثير حقاً الغضب والسخط، ويؤدي بنا إلي خلل في الطبقات الاجتماعية والمكانات العلمية والعملية. فإذا افترضنا أن ابن المهندس يحلم أن يدرس الفنون ليصبح رساماً ،فما العيب في ذلك. و إذا كان ابن الطبيب يبغض الكتب العلمية ويحلم بأن يلتحق بإحدي الكليات العسكرية ، فما الضرر أن يترك مكانه في كلية الطب لآخر ينكب على دراسته ليل نهار، حالماً أن يخفف آلام المرضى ،بينما الآخر يهوى حمايتهم والدفاع عن أرضه، متلهفاً ، إلي الزي العسكري الذي ينم علي الانضباط و الالتزام.
علينا أن نصحح مفهومنا نحو مجموع الثانوية العامة و ورقة التنسيق، ونفهم أن المقصود بها رغبات الطالب ،وكذلك الجامعة التي يصبو الانضمام إليها ، وليست الورقة التي تشمل المجموع الذي يشير إلى جامعة بعينها، خاصة أننا أصبحنا نركض وراء جامعات تحمل مسمى "كليات القمة " وهذا أيضاً من ضمن المسميات التي ظهرت في الفترة الأخيرة لتتحالف مع فكر الآباء والأمهات على حساب رغبات الطلاب .
نحن نفتقر ثقافة "احترام المواهب والميول " و مازلنا ننظر إلي المواد الأدبية نظرة دونية ،رغم أن إحدي كلياتها تمدك بالمعلم الذي يدرس لابنك مواده العلمية، ومع ذلك ترفض أن يلتحق ابنك بكلية التربية رغم أنك تعلم يقين المعرفة مكانة المدرس و تعي شدة احتياجك إليه ،لأنك تدري أنه الشخص الوحيد المنوط به لكي يصنع من ابنك شاب يافع متعلم ، سيفيد المجتمع بعد ذلك بعلمه ، ولن يحدث ذلك إلا بفضل من سيعلمه أن يخط حروفه الأولى.
لا تضعوا أمنياتكم على أكتاف أبنائكم حتى لا تكونوا حملا ثقيلاً عليهم، ودعوهم يحققون أحلامهم التى حلموا بها منذ نعومة أظافرهم، حتى وإن كانت تخالف أهوائكم الشخصية ،اتركوهم يلتحقون بما يتوافق مع ميولهم حتى يبدعوا فيما يحبونه،وكذلك يبتكرون في تطوير الأشياء التي تتوق لهم، لا تقيدوهم بجامعات تفوق قدراتهم العقلية، في حين أنهم قد يملكون قدرات في مجالات أخرى لا علاقة لها بالطب والهندسة ويقدرون علي تحقيق نجاحات منقطعة النظير بها، يمكن من خلالها أن يكونوا رواد في عملهم ومكانتهم الاجتماعية، تحرروا مت ضيق أفقكم، ولا تكونوا أقصى طموحاتكم في أبنائكم المستشفي أو المكتب الهندسي ، ولتكن نظرتكم أعمق وأشمل من ذلك ،فليكن جم اهتمامكم ما يتمنونه أبنائكم ،والمكانة التي يرغبون الوصول إليها، فلنكف عن رغبة احتراف الكرة من أجل الحصول على المال، أو محاولة خوض الوسط الفني من أجل تحقيق الشهرة ، فلنبحث عن ما نحن ماهرين فيه حتى يمكنا أن ننفرد به، ولنتذكر أنه ليس شرطاً أن تسير وفق السائد والمنتشر، إنما أن نصنع تميزاً في مجالك يعبر عن هويتك، فلا يمكن لأحد أن يستنسخه ولا يجرؤ على تقليده ،لأنه من صنيعة يدك التى تعكس مهاراتك، وقدرتك على الإبداع والتميز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة