على المسرح يجدون متنفساً لمواهبهم التى لا تجد لها مكاناً فى الدراما والسينما، يبدعون فى صمت ويؤكدون أن المسرح المصرى لازال عامرا بالإبداعات، زاخراً بالمواهب حتى وإن قلت الإمكانيات، يصنعون فنا ويطرحون فكرا يلامس ويجسد مشكلات الواقع برؤية فنية عميقة.
هنا يبدع مجدى عبيد الدالى، الذى ربما لا تعرف اسمه لأول وهلة، لكن إذا قلت حسين أبو الروس فى حديث الصباح والمساء سيعرفه الكثيرون، وهنا تتألق نادية شكرى التى ورغم أدوارها الكثيرة لا يعرفها الكثيرون إلا باسم "سوسو بنت رمضان السكرى فى مسرحية العيال كبرت"، وكلاهما يقدم مع المذيع والفنان أحمد مختار عرضاً مسرحياً راقياً ، وإلى جوارهم عدد من شباب المسرح الموهوبين الذين لا يجدون متنفساً لمواهبهم سوى هذه الخشبة العظيمة التى طالما قدمت وتقدم مئات المواهب.
هكذا قدم أبطال مسرحية "شباك مكسور" على مسرح الطليعة عرضاً مسرحيا يجمع بين البساطة والعمق ، بساطة الإمكانيات وعمق الفكرة وروعة الأداء، فجسدوا مشكلاتنا خلف الشباك المكسور.
أسرة بسيطة تعيش فى شقة متواضعة شباكها المكسور يطل على مقلب للقمامة، تعايشت الأسرة مع هذه الرائحة الكريهة واعتادت عليها، ولم يفكر أى من أفرادها فى إصلاح الشباك الذى اعتادوا معه على كل أشكال القبح التى يتعرضون لها.
تعتمد الفكرة على نظرية النوافذ المحطمة التى تقول بأن كبائر الأمور لا تحدث إلا بالاعتياد على صغائرها، وأن اعتياد القبح حتى فى الأمور الصغيرة يتفاقم حتى يتسبب فى كوارث وجرائم كبيرة.
تأتى الأحداث على لسان عطية الأب رب الأسرة المكونة من والدته وزوجته وثلاث أبناء، موظف "لا يعول" لأن إمكانياته البسيطة وراتبه لا يتجاوز 1200 جنيه، وأدى شخصيته الفنان والمذيع أحمد مختار، يتحدث الموظف مع نفسه مسلطاً الضوء على مشكلات الملايين مثله الذين قد يتحول بعضهم إلى مجرد أرقام وحكايات فى صفحات الحوادث بفعل الضغوط التى يتعرضون لها.
جدة مسنة هى والدة الموظف تقضى كل أوقاتها فى التحدث بالمحمول لأنها لا تجد من يتحدث معها من أفراد الأسرة، تعيش فى عالمها القديم وذكرياتها مع زوجها الراحل وجارتها الراحلة أم بيشوى، وصورتها الجميلة بالفستان الكاروه، أجادت وأبدعت فى تجسيد هذا الدور الفنانة الشابة "ربا شريف إمام"، لتكتشف فى النهاية أن هذه السيدة المسنة تمسك بمحمول بلا خط وتتحدث مع نفسها.
أما فاطمة الزوجة المضغوطة التى تعمل مدرسة، وجسدت شخصيتها باحتراف شديد الفنانة نادية شكرى، فهى تحرص على مظاهر التدين، ترفض إعطاء دروس خصوصية وتسأل عن حكم الدين فى صغائر الأمور، فى الوقت الذى لا تقوم بواجبها فى الشرح للطلاب بالفصل، ينهكها الضغوط وقلة الامكانيات، عابسة وكئيبة وعصبية طوال الوقت لتكتشف فى النهاية كم ما تتعرض له من ضغوط ومنها ما تتعرض له من انتهاكات وتحرش، فتقابله بصمت وتكتفى بأن تزيد من طبقات الملابس التى ترتديها.
يجسد كل ابن من الأبناء الثلاثة نوعا أخر من الضغوط والمشكلات، فالابنة الكبرى لواحظ – الى تجسد شخصيتها الفنانة الشابة مروى كشك- تكره اسمها وتزوجت بعد عناء من موظف بسيط - الفنان الشاب على كمالو- أرهقته الأقساط للحصول على أبسط الامكانيات، واختفى بعدما أنجبت منه طفلين، وعادت لواحظ لتعيش بطفليها مع أسرتها، أما الابن "خالد " الطالب الجامعى الذى قام بدوره الفنان الشاب مروان فيصل، فيعانى من هلاوس وأزمة نفسية بعد اشتراكه فى أحد الاعتصامات، فيما تعيش الابنة الصغرى "سمر" الطالبة فى الثانوية العامة هلاوس بصرية وسمعية وتنسج حكايات عن الأشباح والجن، حتى تكتشف أنها ترى فى البشر وما تتعرض له فى المدرسة ما هو أسوأ من أفعال الجن.
يظهر خلال الأحداث الفنان مجدى عبيد ظهورا متميزا بأداء كوميدى ، حيث يقوم بدورعم جمعة الجار الذى يعرف كل شئ عن الأسرة ويتدخل فى كل شئونها وكأنه يعيش معها.
يعيش كل فرد من أفراد الأسرة فى جزيرة منعزلة ولا يشعر بالآخر، حتى تأتى لحظة حاسمة يقرر فيها الأب التخلص من الضغوطه بوضع السم فى الطعام لأسرته وفى هذه اللحظة تظهر المعاناة التى يخفيها كل منهم خلف مظهره الذى بدا به طوال العرض، خلف الشبك المكسور.
تحية لأبطال العرض ومخرجه شادى الدالى الذين قدموا عرضاً رائعاً موجزاً يحمل كل هموم المجتمع، ويحمل رسالة مفادها أن كل منا يحتاج لالتقاط الأنفاس حتى يرى نفسه وغيره والشباك المكسور الذى يفسد عليه حياته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة