إبان العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، ضربت قوات العدو محطة الإذاعة المصرية، فانقطع البث الإذاعي، وتوقفت برامج الإذاعة المصرية فى مصر وفى مختلف الدول العربية.
وما أن وصل الخبر إلى مسامع إخواننا فى سوريا الشقيقة، حتى انتفض الإعلامى السورى عبد الهادى بكار، عند الإعلان عن بدء البث الإذاعى فى سوريا، صائحا (من دمشق .. هنا القاهرة).
نعم، بدلا من أن يقول إذاعة الجمهورية العربية السورية من دمشق، قال، وبكل قوة وحزم يخالطهما غضب وغيرة وأخوة، (من دمشق هنا القاهرة).
حقيقة، كان هناك رجال يغضبون لأوطانهم، يرون أن الاعتداء أو محاولة المساس بأى شبر من أى دولة عربية بمثابة إعتداء عليهم، فلا فرق بين بلد وأخر، فالكل وطن واحد، وما الحدود الموضوعة إلا خطوط على ورق، قد يمحوها الزمان.
أما الآن، بل ومنذ فترة ليست قصيرة، اتضح أن تلك الحدود تزداد رسوخا، وتحولت من خطوط مرسومة إلى أسوار راسخة، تخفى وراءها قلاعا حصينة، وارتفعت أصوات العنجهة والغطرسة والعجرفة الممقوتة، والتى لا نراها إلا على بعضنا البعض، وكأن العروبة صارت عارا ولعنة على كل من ينتسب إليها،
وشتان الفارق، بين ما كنا عليه وما نحن عليه الآن.
ويحضرنى فى هذا المقام، بعض أبيات من قصيدة للشاعر العربى الكبير نِزار قبانى يقول فيها:
أنا يا صديقةٌ مُتعبٌ بعروبتى، فهل العروبة لعنةٌ وعِقابْ؟
أَمشى على وَرقِ الخريطةِ خائفاً، فعلى الخريطةِ كُلنا أَغْراب
أتكلم الفُصحى أَمام عشيرتى وأعيد، لكن ما هناك جَواب
لولا العباءاتِ التى التّفوا بها، مَا كُنتُ أحسبُ أنهّم أَعْرابْ
يَتقاتلونَ على بَقايا تمرةٍ، فخناجرٌ مرفوعةٌ وحِرابْ
قُبلاتُهم عربيةٌ، مَن ذَا رَأى فيما رأى قُبلاً لها أَنياب
وخَريطةُ الوَطن الكبيرِ فَضيحةٌ، فَحواجزٌ ومخافرٌ وكِلابْ
والْعالِمُ العَربى يَرْهن سَيفهُ فَحِكايةُ الشّرفُ الرفيعُ سَرابْ .
ولعلنا نتذكر منذ حوالى 4 سنوات، عدما خرج علينا الرئيس الأمريكى السابق أوباما واصفا الهجمات التى حدثت فى فرنسا وراح ضحيتها حوالى (17) شخصا، بأنها اعتداء على"العالم المتحضر"، عبارة لخصت كل شىء.، فهم وحدهم العالم فى نظره وما دونهم عالة عليهم ومصدر لمضايقتهم وتعكير مزاجهم، وهم وحدهم المتحضرون وما غيرهم دواب عمياء صماء بكماء يوجهنوهم كيفما أرادوا.
ورغم أن كلماته قرعت اذاننا جميعا، إلا اننا رأينا حينها عجباً، غالبية العرب يتوشحون بالعلم الفرنسى ويجعلونه وجهة لصورهم، وسمعنا منهم عبارات الأسى والحزن والغضب، وكأن ما حدث لم نسمع عنه من قبل ولم نره يومياً فى بلادنا ولم نعان منه مراراً على أيدى من يتشدقون بشعارات الحرية وحماية حقوق الانسان.
الخلاصة، من ارتضى الهوان يستحق أن يعيش ذليلاً، ويكفى أن التاريخ سيكتب أن العرب فى تلك الفترة المُظلمة الحالكة التى خيمت عليهم، والتى زحف فيها الانحطاط والرذيلة من كل حدب وصوب كأنه الطوفان، لم يجتمعوا إلا للاتفاق على التخلص من بعضهم، والاستقواء بالغرب والإنبطاح لهم من أجل التماس المساعدة فى ذلك.
وختاما، أرسل أبياتا لشاعر عربي
وإذا تركت أخاك تأكله الذئاب .. فاعلم بأنك يا أخاه ستستطاب
ويجيء دورك بعده فى لحظة .. إن لم يجئك الذئب تنهشك الكلاب
إن تأكل النيران غرفة منزل .. فالغرفة الأخرى سيدركها الخراب
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة