جارينشا.. فقير مبشر بالمونديال.. أسطورة بأقدام مقوسة يحمل أحلام السامبا.. بدأ عامل نسيج وانتهى مدمن كحول فبكى فى كنائس "ريو".. الجماهير ودعته فى الشوارع.. وأسرته: رفاته فقدت.. وشاعر: استلهم وحيه من السماء

الثلاثاء، 02 أبريل 2019 06:30 م
جارينشا.. فقير مبشر بالمونديال.. أسطورة بأقدام مقوسة يحمل أحلام السامبا.. بدأ عامل نسيج وانتهى مدمن كحول فبكى فى كنائس "ريو"..  الجماهير ودعته فى الشوارع.. وأسرته: رفاته فقدت..  وشاعر: استلهم وحيه من السماء جارينشا
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم أكن أعرفه من قبل، الصحافة لا تذكره كثيرا، لكننى شاهدته يحلق فى فيلم عن قصة حياة اللؤلؤة السوداء "بيليه.. مولد أسطورة" كان ساحرًا بالمعنى الفعلى لكرة القدم، إنه اللاعب جارينشا.
 
 
"كان جارينشا يحمل روح كل برازيلى، فقير لكنه عطوف وخلاق. لقد كان عامل نسيج فقرا استطاع ببساطته أن يسعدنا جميعا".. هذه كلمة منسوبة لى جوابيدرو ستيل، مؤسس حركة برازيلية اسمها "بلا وطن" فى حديثه عن أحد أبرز اللاعبين البرازيليين وهو "جارنيشا".
 
جارينشا 8
 
واعتمادا على كتاب "الحياة على الطريقة البرازيلية" لـ إيليس بيلوس ترجمة عبلة عودة، نستعرض معا حياة وموت "جارينشا" تقول الأسطورة البرازيلية "إن هناك مخلوقا يعيش فى الغابة يسمى كوربيرا، يحمى الحيوانات والأشجار الموجودة فى الغابة، ويهاجم الهنود الذين يحاولون صيد هذه الحيوانات أو قطع تلك الأشجار، ويصف سكان الأمازون هذا المخلوق أنه فتى ذو شعر أحمر، يملك قدمين معكوستين، وعندما يمشى فى اتجاه معين فى الغابة فإن آثار أقدامه تشير إلى الاتجاه المعاكس، وإذا حاول أحد تتبع آثار كوربيرا، فإنه سيضل طريقه فى الغابة إلى الأبد.
 
جارينشا 2
 
وكان جارينشا كذلك، لاعب كرة القدم الآسر الذى يشبه الشخصيات الأسطورية السابقة فى استعماله الماكر لساقيه المعوجتين المقوستين.
 
ولد مانويل فرانسيسكو دوس سانتوس فى الثامن والعشرين من شهر أكتوبر عام 1933 وفور ولادته لاحظت القابله أن ساقيه مقوستان فى اتجاهين متعاكسين، ولم يكن ذلك بالتشوه الخطير لو وجدت الرعاية الطبية الكافية لإصلاحه، لكن مدينة باوجراندى حيث ولد جارينشا، كانت تعانى فى ذلك الوقت من نقص فى الكوادر الطبية المؤهلة لتشخيص مثل هذه التشوهات وإصلاحها، كما أن عائلة جارينشا كانت مثل باقى العائلات فى تلك المدينة، فقيرة لا تملك ما يكفى للانتقال بطفلها إلى مدينة أكبر للعلاج والإقامة، ولذلك بقيت حال الطفل كما هى، طفل ضئيل الحجم بساقين معوجتين، ونظرا لصغر حجمه فى طفولته اكتسب اسمه الشهير جارينشا، الذى يعنى الطائر الصغير.
عاش جارينشا طفولته بين أحضان الطبيعة الخلابة للأمازون محاطا بالشلالات والأنهار والغابات، فتعلم الصيد مبكرًا واكتسب منه السرعة والمهارة فى المراوغة والتخلص من الأخطار. وفى الفترة ذاتها أيضا تعلم كرة القدم، وساعدته كل المهارات التى تعلمها على البروز فى هذه اللعبة، وسرعان ما أصبح أفضل لاعب فى مدينته، لكن جارينشا اضطر للعمل فى سن الرابعة عشرة، والتحق بمصنع النسيج فى المدينة، مثله فى ذلك مثل كل أبناء مدينة الفقراء.
جارينشا 3
 
ذهب جارينشا مر لتجربة أدائه فى نادى فاسكو لكنهم طردوه قبل أن يبدأ، لأنه لم يحضر معه حذاء رياضيا ليرتديه فى أثناء اللعب، أما تجربته مع نادى فلومنتسى فلم تكن أفضل حالا، فقد اضطر إلى مغادرة عرض الأداء قبل أن يصل دوره، ليلحق بالقطار العائد إلى بلدته، ولكن بعد ذلك بسنوات عندما أصبح فى التاسعة عشرة من عمره، اضطر للذهاب لتجربة أدائه فى نادى بوتافوجو تحت ضغط من أحد قدامى اللاعبين الذين شاهدوه وهو يلعب فى بلدته... ونجح.
لعب جارينشا ضمن المنتخب الوطنى للمرة الأولى عام 1955 بعد أن خسرت البرازيل كأس العالم فى السنة السابقة 1954 فى مبارة عنيفة جدا أما هنجاريا، حيث قام لاعب هنجارى فى نهاية المباراة بشج رأس اللاعب البرازيلى بينيرو عندما ضربه بزجاجة على رأسه.
جارينشا 4
 
يقول نيلسون روديجوز الكاتب المسرحى عن جرينشا: إنه اللاعب الذى علم الجماهير الضحك بحركاته البهلوانية داخل الملعب، حتى أنه كان يفضل الاستمرار فى المراوغة ومحاورة الكرة أحيانا على تسجيل هدف محقق.
ظهر "جارينشا" فى بطولة كأس العالم 1958 لم يلعب جارينشا فى أول لقاءين للمنتخب، لكنه فى المبارة الثالثة ضد منتخب الاتحاد السوفيتى ولعب فيها جارينشا وبيله للمرة الأولى إذ كان فى السابعة عشرة آنذاك وأصغر لاعب فى البطولة.
بدأ جارينشا يتحرك بعد الركلة الأولى، وانطلق بسرعته المعهودة نحو دفاع المنتخب السوفيتى،  ليبدأ مناوراته التى حققت تسديدة أخطأت الهدف، ولم يلبث أن لحق به بيليه بتسديدة كرة أصابت عارضة المرمى، أما الرمية الصائبة فكانت لـ "فافا" الذى سجل الهدف الأول فى الدقيقة الثالثة من المباراة.
ويرى كثيرون أن هذه الدقائق الهجومية الثلاثة هى من أجمل لحظات المنتخب البرازيلى، وانتهت المباراة بفوز البرازيل 2 – صفر، لكن الأهم أن هذه المبارة شهدت أول بزوغ للنجم الذى سطع فيما بعد: بيليه، كما ظهر بوضوح تفاهم الثنائى بين بيله وجارينشا، فلم تخسر البرازيل بعد ذلك أى مباراة لعب فيها هذا الثنائى.
جارينشا 5
 
الشاعر باولو مينداس كامبوس وصف جارينشا بقوله "كأنه شاعر يستلهم وحيه من السماء، أو عازف يلاحق جملته الموسيقية الضائعة، هكذا كان يلعب جارينشا، كأنه قوى سحرية تدفعه وتحمل ساقيه المقوستين لترسما لوحة فنسة رائعة تبهر الجميع".
 وجاء عام 1962 ويبدو أن "جارينشا" عاش أيام مجده فى تلك الفترة على المستوى العالمى وعلى المستوى المحلى كذلك، إذ فاز فريقه بوتافوجو ببطولة الدورى البرازيلى للمرة الثانية على التوالى كما فاز منتخب البرازيل بكأس العالم للمرة الثانية على التوالى فى "تشيلى" لكن يبدو أن النهاية قد بدأت أيضا إذ بدأت ساقاه المعووجتان تشكلان نقطة ضعفه بعدما كانت من أفضل نقاط قوته.
أخذ الاحتكاك المتزايد بين قصبة الساق، وعظم الفخذ يضغط على ركبته مفتتا الجزء الغضروفى الذى لم يحتمل عنف لعبة كرة القدم والتدريبات المتواصلة، ونصحه الأطباء بالعملية لكنه خشى أن تحرمه من كرة القدم.
 
جارينشا 9
 
أخذ القلق يتزايد حول وضع جارينشا ونصحه زملاؤه اللاعبون أن يعين مستشارا ماليا يساعده على تنظيم أعبائه الماليه فى حال توقفه عن اللعب، فأخذ جارينشا بالنصيحة واتصل بالمصرف الذى يتعامل معه لإرسال ممثل عنه لتقييم الوضع المالى لجارينشا، وكم كانت الدهشة عظيمة إذ وجد الموظف النقود موضوعة فى الأدراج والخزائن وأحيانا معبأة فى علب الفاكهة فى المطبخ، لقد كان النجم البرازيلى يعيش حياة عامل نسيج، حتى أنه تزوج وهو فى الثامنة عشرة من عمره بفتاة كانت عامله معه فى مصنع النسيج أنجبت له ثمانى فتيات فى عشرة أعوام، الكارثة أن نادى بوتافوجو ان يستغل جهل جارينشيا فيوقعه على عقود بيضاء تتم تعبئتها فيما بعد، بشروط تتيح للنادى دفع أقل أجر ممكن لجارينشيا.
 
جارينشا
 
فى النهاية اضطر جارينشيا لإجراء العملية، وبالفعل لم يعد كالسابق، لقد تأثر تماما، لكن تم استدعاؤه للعب كأس العالم فى 1966 ولعب للمرة الأخيرة بجانب بيليه فى مواجهة بلغاريا، لكن البرازيل خرجت من الدور الأول مهزمة.
انتهت حياة جارينشا الكروية بعد هذه البطولة، لقد ذهب لتعاطى الكحول وقيادة السيارات بجنون حتى أنه تسبب فى موت والدة حبيبته "الزا سوارس" ودخل بعدها دائرة الاكتئاب حتى أنه حاول الانتحار أكثر من مرة.
ساءت الظروف تماما، وعندما طلب جرينشا من الاتحاد الرياضى البرازيلى قرضا لشراء منزل يأويه رفض الاتحاد، فخرج من هناك محطما، ثم ظهر بعد أيام فى كنيسة يبكى.
 
كتاب الحياة على الطريقة البرازيلية
 
فى عام 1983 عاد جارينشا إلى بيته متعبا بعدما أدمن الكحول لسنوات، وفى المستشفى لم يتعرف عليه أحد لقد تغيرت حالته تماما، ومات فى اليوم التالى وهو فى التاسعة والأربعين من عمره.
تمت تغطية النعش بعلم البرازيل ونقل إلى قريته باوجراندى حسب رغبته، على سيارة إطفاء كبيرة، طافت به وسط مدينة ريو حيث تجمعت الجماهير المحتشدة لوداع بطلها، لكن فى عام 2017 قالت عائلته، إن عظام جثة اللاعب الشهير اختفت من مقبرته.  









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة