منذ فترة، كتبت مقالاً بعنوان "فرق توقيت"، وكنت أقصد من العنوان أن كل شيء يحدث في حياتنا، له توقيت محدد، سواء كان الحدث مُتأخرًا أم مُتقدمًا، وأن لذلك حكمة، المقصود منها ظهور أشخاص أو أشياء في حياتنا، في توقيت معين، لو كان هذا الظهور قبل ذلك أو بعد ذلك، ربما لم يكن له معنى أو جدوى.
ورغم قناعتي بكل ما كتبته في هذا المقال، إلا أنني أعترف أن هذه الحكمة، كنت كثيرًا ما لا أطبقها في حياتي؛ وهذا بسبب الطبيعة الاندفاعية التي تغلب على الإنسان، لدرجة أنها تُنسيه أشياءً كثيرة هو مُؤمن بها، لذا عندما كنت أتعرض لأي أزمة؛ بسبب تأخر شيء ما في حياتي، كان الإحباط يتسلل إلى نفسي دون أن أشعر، وما أسهل الاكتئاب المصاحب له، فالإحباط والاكتئاب متلازمان، لا يمكن لأحدهما أن ينفصل عن الآخر، وهذا يدفعني لأن أتقدم بخالص الشكر لشخص عزيز، كان دائمًا يشاركني في هذه اللحظات، ويُقوي من عزيمتي، وكان فرق التوقيت هو دائمًا نقطة الخلاف بيننا، حيث إنني كنت أثور، وأقول: "وإيه يعني اللي هيجرى لو حصل اللي أنا عايزاه دلوقتي"، فكان يُهدئ من ثورتي، ويقول لي: "لقد خلق الله كل شيء بقدر، سوف تنالين ما تريدين، ولكن في التوقيت الذي قدَّره الله" فكانت تزداد حدة ثورتي وانفعالي، وأقول: "ما الذي سيحدث لو نِلْتُ ما أردت وقتما أريد"، وحينها كان يسرد عليَّ الكثير من القصص، سواء في السير الذاتية، أو المواقف الحياتية، أو حتى الأساطير الخرافية، التي تؤكد صحة نظريته، حتى تهدأ ثورتي، وتستعيد نفسي توازنها، وأعود إلى سكينتي، وكنت حينها أترك الأمور، ولكن بداخلي رغبة في أن تسير الأشياء كيفما أشاء.
إلى أن حدثت مفارقات أخيرة في حياتي، أكدت لي أنه لولا فرق التوقيت، ما كنت قدرت قيمة الكثير من الأحداث في حياتي، فأحيانًا تحتاج إلى درجة معينة من النضج؛ لكي تستطيع أن تحكم على الأشياء والمواقف، ولكي تستطيع أن تتأمل كل ما يدور حولك، فلو كانت هذه الأحداث جرت من قبل ما كنت أدركت كُنْهَهَا، ولا استطعت الحكم عليها، فالوقت له دور كبير في حياة الإنسان، وساعة الوقت إذا كانت بيد الإنسان، لكان الزمان انقلب رأسًا على عقب.
ففي الآونة الأخيرة، أجبرتني الحياة أن أتخذ قرارات، ما كنت أظن أنني سأتخذها، لو كنت في وقت آخر؛ لأنها ارتبطت بسلسلة مواقف متتابعة، كأحداث المسلسل الدرامي، خيوط مُترابطة، لا يمكن أن أصل لنهايتها، دون أن أمر بأولها وأوسطها، والتقيت بشخصيات، ما كنت لأعرف قيمتهم، إلا في هذه المرحلة، وأنهيت أشخاصًا من حياتي بكامل إرادتي، ما كنت لأجْرُؤ على ذلك في آن آخر، وكل ذلك بفضل عقارب الساعة، التي تدق في الوقت المناسب؛ لكي تختار الموقف المناسب، واللحظة المناسبة، والأشخاص المناسبة، والقرار المناسب.
لذا أكرر شكري، وتحياتي للشخص الذي علمني أن أتدبر الآية الكريمة: "لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم"، فكم اختلفت معه، وكم تحملني، ورغم أنه كان دائمًا ما يُردد أنني مثله الأعلى، فأنا الآن أعترف بأنني مدينة له بدرس عمري، فحقًا، قيمة الحدث هي أن يحدث في الوقت المناسب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة