رابطة العالم الإسلامى: نحتاج أجيالا تنشأ على أسلوب تربوى يعزز احترام ثقافة الآخر

الأحد، 10 مارس 2019 11:38 ص
رابطة العالم الإسلامى: نحتاج أجيالا تنشأ على أسلوب تربوى يعزز احترام ثقافة الآخر حوار موسع فى ملتقى "ويلتون بارك" بدعم من الحكومة البريطانية
كتب – إسماعيل رفعت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أكد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامى الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، أن عالم اليوم يحتاج إلى أجيال تنشأ على أسلوب تربوى يعلمهم كيف يفكرون ويعزز لديهم احترام الآخرين وتقبلهم، ويرسخ لديهم الإيمان الحقيقى بأن الاختلاف والتنوع من طبيعة البشر.
 
جاء ذلك فى كلمة "العيسى" بحضور عدد من الشخصيات الدينية والسياسية والفكرية الذين ناقشوا فى المملكة المتحدة - على مدى ثلاثة أيام - قضايا "تعزيز المواطنة الشاملة"، ضمن حوار موسع فى ملتقى "ويلتون بارك" بدعم من الحكومة البريطانية.
 
وكانت الجلسة الافتتاحية للملتقى شهدت كلمة رئيسة للأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، بدأها بالإشادة بمحورية اللقاء الذى ناقش قضايا مهمة فى موضوع تعزيز المواطنة الشاملة فى سبيل إيجاد مناخٍ وطنى تتوافر فيه كل المعانى الحضارية للدولة الوطنية.
 
وجدد  العيسى التأكيد على أن مشتركاتنا جميعاً تتفق على حفظ كرامة الإنسان ومن ذلك حفظ حقوقه وحرياته المشروعة فى ضوء أحكام الدستور والقوانين المؤطرة، كما تتفق على أهمية تفهم طبيعة الاختلاف والتنوع كسنة إلهية طبع الله البشر عليها ثم أرشدهم لمنطق الحوار للتعارف والتفاهم والتقارب والتعاون، مستشهداً بآية كريمة من القرآن الكريم يقول فيها الله تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم".
 
وبين العيسى، قائلاً: إن الله خلق الناس متنوعين مختلفين، ولو أراد سبحانه لجعلهم أمة واحدة، ومعنى هذا أنه سيكون بينهم خلاف سلبي ولن تتجاوزه إلا فئة منهم قد رحمها الله بالوعي، فأدركت حكمة الخالق في التنوع والتعدد، منوهاً إلى أن الآية الكريمة تشير إلى أن الله خلق البشر لذلك التنوع وهو ما يدعونا إلى تأمل ما فيه من الحِكَم الإلهية وما يحمله من الاختبار ثم ما يعقبه من الجزاء في الآخرة، ولو لم يكن البشر كذلك لكانوا خلقاً آخر مثل الملائكة المبرمجة بأمر الله على نسق واحد.
 
كما تناول العيسى، موضوع التحديات التى تواجه المواطنة الشاملة، وفي مقدمها ضعف الوعى الذى ينشأ غالباً عن سلبية البيئة الأسرية والتعليمية وسلبية الثقافة العامة التى يؤسس لها الخطاب الدينى، والسياسى، والتشريعات، ومؤسسات المجتمع المدني، ومستوى توافر القيم العادلة في رؤية ورسالة وأهداف كل دولة، إضافة إلى الجانب الأسري والتعليمى.
 
وطرح العيسى فى سياق كلمته ما أسماه بالسؤال الأساس والأكثر واقعية وبداهة في موضوع المواطنة الشاملة قائلاً: إذا كانت تلك المواطنة ضرورة لكل مجتمع ولا تتطلب سوى اتخاذ قرار بشأنها فلماذا لم تتحقق في عالم اليوم بالقدر الذى نطمح إليه؟ متابعاً الاستفهام بقوله: إذا كان المعيقون لها يدركون خطأهم الفادح بحسب منطق النظرية الأخلاقية الموصلة للنتيجة الصحيحة؟ فى الوقت الذي يبحثون فيه عن مصلحتهم المستدامة، ولا مصلحة لهم في سلوك هذا الطريق الخطأ فلم يفعلون ذلك عن عمد وإصرار.
 
وقال العيسى، إن الإجابة على ذلك تتلخص فى ثلاثة أمور، أولها: هيمنة المصالح الذاتية السريعة سواء كانت فردية أو جماعية على حساب مبدأ العدالة والقيم، وهي بلا شك نظرة قاصرة لأنها ستتكبد الخسائر في نهاية مطافها، أما الأمر الثاني: فيتمثل في قناعة البعض أن البراغماتية (النفعية) - مهما تمت تخطئتها- تمثل قيمة مهمة إذا تحقق على إثرها هيمنة الأمة أو الدين أو الفكر أو المذهب، فيما البعض يرى أن تعاليم الخالق تفرض تلك الممارسة، ومن ثم تتولد لديه القناعة بفرض الآراء والعقائد والثقافة على الآخر، وجراء ذلك عانى التاريخ الإنساني من بعض الحروب القاسية نتيجة تلك القناعات الفادحة الخطأ والخطورة.
 
أما الأمر الثالث: فهو التخلف والفساد بمحاوره المتعددة والترويج له عبر الدعاية والإيحاءات خاصة الدينية التي توجه رسائلها للعواطف لا للمنطق، لأنها باختصار تخلو من الحقيقة، الذى يُعقد من هذه الإشكالية أن تلك الرسائل تُوْصِل المتلقي إلى القناعة بأنها تتحدث  باسم الرب لينشأ عن ذلك مع مرور الوقت ثقافة عامة ومسلمات مجتمعية سائدة نتيجة غزو الأفكار واحتلال اللاوعى نتيجة ذلك التوظيف.
 
وتابع العيسى، قائلاً: "والسؤال بعد هذا كله: هل يفيد وضع ميثاق فى هذا الخصوص كما هو هدف الملتقى ليحمل كلمات ومعاني جميلة دون أن يكون لها أثر فاعل؟" مؤكداً أن إشكالية المواطنة الشاملة في كثير من عالمنا تكمن في أسباب منها اليسير ومنها المعقد، الأمر الذي يُحتم تشخيصها ومعالجتها من جذورها، والبحث عن كيفية هذه المعالجة، إضافة إلى استحضار النماذج العالمية المثالية في هذا الشأن، والوقوف على سر نجاحها وتفوقها فى تجربة المواطنة الشاملة والاندماج الإيجابي بين تنوعها الدينى والإثنى.
 
ورأى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامى، أن أهم إشكاليات المواطنة الشاملة ما يتعلق بالأسس التي تُشَكِّل الثقافة العامة المشار إليها، وهو ما يتطلب برامج عملية فعالة تناسب ظروف كل مجتمع، مؤكداً حاجة عالم اليوم إلى أجيال تنشأ على أسلوب تربوي يعلمهم كيف يفكرون ويعزز لديهم احترام الآخرين وتقبلهم، ويرسخ لديهم الإيمان الحقيقي بأن الاختلاف والتنوع من طبيعة البشر، يتلو ذلك أسلوب التعامل مع الآخرين بما يحفظ كرامتهم ويضمن الوصول إلى الطريقة المثلى للتعايش والتعاون معهم.
 
وأضاف العيسى، قائلاً: "ما أحسن أن يكون الجميع في المناسبات الوطنية في قمة تقاربهم وهم يلتفون تحت راية الوطن الواحد مؤكدين عملياً أن الاختلاف لا يعني الكراهية والإقصاء، كما من المهم في مشروع المواطنة أن يُبنى على أساسها منشآت أخلاقية شمولية".
 
وتابع العيسى: من هنا نرحب بالوئام الإنساني أو الأسرة الإنسانية التي تتجاوز معنى الأخوة المجرد المفروض علينا قدراً إلهياً، إذ الإنسان أخو الإنسان شاء أم أبى، وما أحسن أن يشمل ذلك الوئام الجميع لا أن نطلقه "روحياً" فقط أو من خلال المنظومة الإبراهيمية فحسب، حتى لا نقع في محظور التصنيف والإقصاء الإنساني عموماً، وللروحيين أن يضعوا إطاراً خاصا بهم يتعلق بالأخوة أو الوئام أو الأسرة الإيمانية، فالنطاق الإبراهيمي مثلاً في مشروع الوئام الإنساني يحمل قيداً يقصي نصف سكان الأرض، بينما يمكن للمجموعات الخاصة سواء الإبراهيمية أو غيرها التعاون فيما بينها على أي عمل مثمر ونافع لها وللإنسانية جمعاء من دون أن يحمل ذلك أي رسالة أو دلالة إقصائية للآخرين في موضوع يتعلق بالتعايش والسلام الإنساني "عموماً".
 
وجدد العيسى التذكير بأهمية التأسيس الأخلاقى فى موضوع احترام الآخرين والتأكيد العملى على حقهم فى الوجود والكرامة بكافة ضماناتها ومتطلباتها، متمنياً تجدد اللقاء في محطته التالية حاملاً المزيد من المحاور المهمة في سبيل تفعيل ميثاقه التنظيرى عبر برامج عملية باعتبار المواطنة الشاملة أساساً فى سلام ووئام المجتمعات الملقى بظلاله على سلام ووئام العالم أجمع.
 
 
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة