صالح المسعودى يكتب: آلام صامتة

الخميس، 07 فبراير 2019 04:00 م
 صالح المسعودى يكتب: آلام صامتة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يخرج من بيته فى أنفته المعهودة رافعاً رأسه كأنه يحاول أن يمنعها من الانكسار فهو سيد قوم لكن ظروف الحياة أجبرته على أن يعيد تمثيل دور الفنان (أحمد مظهر) فى فيلم (الأيادى الناعمة) فقد تربى على العز كما يقال، ورغم ذلك فهو شخص متواضع إلى أبعد الحدود، لكنه تحول إلى شخص حساس بشكل كبير بسبب ما تحيط به ظروف الحياة القاسية فتحبط معنوياته التى هى فى الأساس تحتاج إلى من يشحذها ولو بكلمة طيبة تعيد له بعض من الإنسانية التى يراها مهدرة.

 

يستقل سيارته التى هى أحدث (موديل) فهو بها يحاول أن يبقى أمام الشامتين والحاقدين مازال هذا السيد الوقور الذى يتصرف كبشوات العهد القديم فى الوقت الذى يعيش عيشة الفقر المدقع، لكن هذا الأمر ليس سيئاً طالما أنه لا أحد يعلم سر بيته وظروف حياته الصعبة فهو يريد أن يموت واقفاً.

 

ينطلق بسيارته إلى أقرب المدن إلى منزله الريفى يتفحص وجوه الناس، وكأنه يبحث فى ضمائرهم عن شخص يقدر ظروفه ويمنحه ولو سلفة بشرط ألا يجعله يطلب ذلك فهو يحاول أن يحافظ على ماء وجهه من أن يراق بسبب الفاقة والاحتياج ، فتحادثه نفسه بأبيات شعر يرددها فى قلبه

مررتُ على المروءةِ وهى تبكى              فقلتُ علامَ تنتحِبُ الفتاةُ

قالت كيفَ لا أبكى وأهلى                     جميعاً دون خلقِ اللهِ ماتوا

لكنه يحاول أن يتماسك قبل أن تكشف عبراته لو سقطت أمام الناس ما يعانيه وهو يحاول بكل قوته أن يتصرف بشكل طبيعى ويتحمل المشقة والتعب حتى تتحسن ظروفه المادية دون كشف سر بيته أو سره هو على الأقل ، فيترجل من سيارته ليذهب لبائع الخضروات والفاكهة ويقف يتأملها متظاهراً بأنه يحاول أن ينتقى ما يشاء، وهو يحادث نفسه فى نفس الوقت كيف سأطلب من هذا الرجل ربع الكمية التى كنتُ أشريها منه؟، وماذا سيقول عنى بعد انصرافى ؟، لكنه ينتبه أنه أطال التفكير بشكل واضح

 

ولكنه وجد مخرجاً لطيفاً بأن يقول لصاحب المحل أريد ربع الكمية لأن الأولاد فى المصيف وأنه لا يحتاج لكمية كبيرة قد تفسد فى الثلاجة، وهو يحاول فى نفس الوقت قراءة الأسعار الموجودة حتى يختار ما يناسب جنيهاته المعدودة فى جيبه، ثم يعاود أدراجه إلى بيته سائراً على مهل فقد أخبره أحدهم أن السرعة الفائقة تؤثر على كمية الوقود فى سيارته وهو يحاول أن يقتصد.

 

يعود إلى بيته فيتلقاه أولاده فرحين فقد اعتادوا على الحلوى اللذيذة والفاكهة فيقوم بتوزيع بعض الفاكهة عليهم وبعض حبيبات الحلوى متحججاً بأن الفاكهة الآن فى موسم انتقالى وغير مكتملة النضج من أجل ذلك أحضر كميات بسيطة على وعد أن يأتى بكميات أكبر فى المرة القادمة، ثم يدلف إلى غرفته ويغلقها خلفه جيداً ويجلس على سريره ليعج فى بكاءٍ شديد رافعاً أكف الضراعة لله سائله ألا يرفع عنه ستره وبدأ يردد إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس ثم يحملق فى سقف حجرته حتى يغط فى نومٍ عميق.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة