رسائل ملونة بالأسود.. نيران الجزيرة الصديقة تحرق قلب الإخوان.. فيلم "الساعات الأخيرة" ينتصر لـ30 يونيو ويثبت أنها لم تكن موجهة.. القوات المسلحة لعبت دور الوسيط النزيه حتى آخر لحظة.. و"الشيخة" يفضح مرسى والمرشد

الثلاثاء، 26 فبراير 2019 08:19 م
رسائل ملونة بالأسود.. نيران الجزيرة الصديقة تحرق قلب الإخوان.. فيلم "الساعات الأخيرة" ينتصر لـ30 يونيو ويثبت أنها لم تكن موجهة.. القوات المسلحة لعبت دور الوسيط النزيه حتى آخر لحظة.. و"الشيخة" يفضح مرسى والمرشد ثورة 30 يونيو ومشهد من فيلم "الساعات الأخيرة" الذى فضح الإخوان
حازم حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- القناة القطرية تعرى أكاذيب الجماعة بالمعلومات الواردة على ألسنة 5 مصادر من الإخوان وداعميها

- الفيلم الوثائقى حاول النيل من الجيش المصرى فأثبت أنه كان محايدا وانتصر للشرعية ومسؤولياته تجاه الدولة والشعب

- القوات المسلحة تمنح مهلتين مدتهما 9 أيام.. ومكتب الإرشاد يجبر «مرسى» على تجاهل مطالب القوى السياسية
 

- «مرسى» يتلاعب بالجميع فى لقاءات تمثيلية ساذجة.. وفريقه يرفض خطابه «الطويل الممل»

 
 
انتهت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية فى 17 يونيو 2012، كان مقررا وفق الجدول الزمنى سابق الإعداد أن تُعلن النتيجة النهائية فى 21 يونيو، لكن ظروفا معقدة تسببت فى تأخر الإعلان، بينما تحدثت مصادر مطلعة وقتها عن محاولات من بعض الجهات لتوجيه اللجنة العليا للانتخابات، وإدارة النتيجة وفق تصورات خاصة وأجندات بعضها مستورد من خارج الحدود، حشدت جماعة الإخوان أنصارها فى ميدان التحرير ومحيط مقرها الرئيسى بالمقطم، وسربت تهديدات بإشعال البلاد والأجواء حال إعلان فوز أحمد شفيق على مرشح الجماعة، وبعد 72 ساعة من الضغوط القاسية، داخليا وخارجيا، أعلن المستشار فاروق سلطان فوز محمد مرسى بفارق طفيف للغاية عن منافسه، أدى الأخير اليمين الدستورية وتسلم الحكم فى 30 يونيو، وبعد أسبوع تقريبا كلف الوجه الإخوانى غير المعروف هشام قنديل بتشكيل الحكومة، ليحتفظ حزب «الحرية والعدالة» لنفسه بـ5 حقائب معلنة، إضافة إلى أكثر من خمس عشرة حقيبة أخرى شغلها أعضاء فى حزب الوسط المنبثق عن الجماعة، وبعض خلاياها النائمة تحت لافتة «مستقل».. ومضت الأمور فى المسار الذى لم يكن ممكنا أن تمضى فى غيره، لأن قيادات الجماعة اعتبروا ما أسفرت عنه المرحلة المرتبكة سياسيا وأمنيا إشارة بالتحرك السريع نحو «التمكين»، معتقدين أن حصيلة الضغوط والشحن والتوجيه وتضليل الشارع ليست منحة عارضة ومهتزة، بصورة تُوجب التوقف والتدبر وتصحيح المسار والأفكار والانحيازات، وإنما تعويضا مباشرا عن أكثر من 80 سنة من العمل السرى.
 
 

 

 

فى الوقت الذى كانت مصر تفارق فيه المناخ الثورى إلى بداية مسار دستورى، اختار محمد مرسى، أو أجبره قادته، على مغادرة مقر المحكمة الدستورية العليا عقب أداء اليمين، للاحتفال وسط المحتشدين فى ميدان التحرير، وبعيدا عن أن الآلاف الذين استقبلوه كانوا من قواعد الإخوان الذين جرى تنظيم نقلهم فى حافلات تابعة للجماعة على مدى عدة أيام سابقة، فإن الإشارة الضمنية التى حملها المشهد أن الجماعة لا تريد الذهاب إلى الشرعية الدستورية، وتُلمح إلى أن إدارتها المقبلة للأمور لن يغيب عنها منطق التظاهر، ما دامت قادرة على حشده وتوجيهه. المفارقة فى الأمر أن دورة الأيام انتزعت الشارع من قبضتها، وبعد سنة بالضبط احتشد ملايين المتظاهرين فى الميدان نفسه، لكنهم لم يكونوا من قواعد الإخوان المنقولين بشكل منظم، سارت الأمور فى مسار الانتصار للإرادة الشعبية الرافضة لإدارة مرسى وقادته فى مكتب الإرشاد، لكن الجماعة التى رهنت البلد للشارع من قبل، أو تحديدا للجزء التابع لها منه، تبنت فى تلك المرة رواية معاكسة تماما، وظفت فيها خطاب الشرعية الدستورية لتجاوز الشارع نفسه على تنوعه واتساعه، وتمرير أجندتها التى زادت الأوضاع سخونة وارتباكا، ورهنت الدولة ومؤسساتها لمسارات اتصال خفية تنتهى إلى مكاتب ذات طابع أمنى فى واشنطن والدوحة وأنقرة.
 
 
247px-خالد_القزاز
خالد القزاز

السقوط فى خطاب الإخوان


 
مساء الأحد الماضى بثت قناة الجزيرة فيلما وثائقيا بعنوان «الساعات الأخيرة»، قالت إنه يستعرض كواليس مؤسسة الرئاسة فى الأيام الأخيرة لحكم محمد مرسى، وفى الوقت الذى حاولت فيه الإيهام بأن خطة استباقية أُعدت داخل المؤسسة العسكرية للإطاحة بالرئيس الإخوانى، سارت كل الشواهد والقرائن والأدلة وأحاديث الضيوف فى مسار آخر ينسف تلك الفرضية من جذورها.
 
بدأ الشريط بمشاهد من كواليس خطاب سجله «مرسى» داخل مقر إقامته فى دار الحرس الجمهورى، مساء الثلاثاء 2 يوليو، قبل ساعات قليلة من اتفاق القوى السياسية والدينية المختلفة على خارطة الطريق القاضية بعزل الرئيس الإخوانى، وأداء المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين رئيسا مؤقتا للبلاد. تلك البداية نسفت رواية الإخوان التى تزعم احتجاز مرسى رهن الإقامة الجبرية عقب تظاهرات 30 يونيو الحاشدة، فحتى اللحظات الأخيرة له فى المنصب كان الرجل يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، وبإمكانه التحرك بحرية تامة داخل مقر الحرس الجمهورى، ودخول أحد الاستوديوهات وتجهيز الكاميرات وتسجيل كلمة فى حضور عدد كبير من مستشاريه وفريقه المعاون!
 
البداية المراوغة بمشاهد الخطاب المذكور اقتطعت بعض العبارات التى تحدث فيها «مرسى» عن علمه ببعض المخططات الجارية فى الخفاء، لكن مسار الأحداث التالى على طول الشريط الذى يتجاوز 50 دقيقة حمل روايات مضادة تماما من عناصر الإخوان الذين استعانت بهم القناة، وقدموا إشارات واضحة ولا تحتمل التأويل إلى مراوغة فريق الإخوان داخل مؤسسة الرئاسة، فى وقت كان تضطلع فيه المؤسسة العسكرية بدور الوسيط المحايد بين صقور الجماعة والشارع المشتعل غضبا. وبين الفرضية الملونة والاستدلالات الكاشفة، بدت القناة وكأنها تتورط عامدة فى خطاب الجماعة، مفارقة كل الأطر المهنية للتعامل مع المعلومات وفرزها وتصنيفها وتحليلها، ولأن مساحة التناقض بين المسارين كانت كبيرة بما يفوق قدرات فريق الفيلم على ردم فراغاتها، تطاير شرر النيران «الصديقة جدا» من شاشة الجزيرة وكاميراتها وتعليق منتسبيها، ليُحرق رواية الجماعة وقلبها.
 
g (2)
مقدم الفيلم جمال الشيال أمام صور رموز الإخوان
 
 

شريط إخوانى كامل

 
فى الشهور التالية لـ25 يناير أعدت الجزيرة شريطا وثائقيا بعنوان «اللحظات الأخيرة» تناول آخر المشاهد فى حكم الرئيس السابق حسنى مبارك. استعانت القناة فيه بأحد عشر مصدرا من اتجاهات عدة، من المعارضين والمحسوبين على النظام، منهم عبد القادر شهيب ووحيد عبدالمجيد وإبراهيم عيسى ومصطفى بكرى، ومصطفى النجار الوجه الإخوانى الخارج من الجماعة وفق ترتيبات سياسية، لكن القناة نفسها اختارت فى تجربتها الثانية الشبيهة لمناقشة آخر لحظات «مرسى» فى السلطة أن تستند إلى خمسة مصادر فقط، جميعهم من المحسوبين على الإخوان، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فى طليعتهم خالد القزاز سكرتير الرئيس المعزول للشؤون الخارجية، والوزيران المنتميان لحزب الحرية والعدالة، عمرو دراج ويحيى حامد، ووزير الدفاع القطرى الحالى ووزير خارجيتها السابق خالد العطية، وأندرو ميلر نائب رئيس برنامج الديمقراطية بالشرق الأوسط وعضو مجلس الأمن القومى الأمريكى ومسؤول ملف مصر فى الإدارة الأمريكية.
 
مُعدّ الفيلم ومقدم حواراته الإخوانى جمال الشيال، هو شاب مصرى بريطانى يعمل بالجزيرة منذ 2006، شقيقه عبد الرحمن الشيال يعمل مديرا لموقع «العربى الجديد» الصادر عن مؤسسة فضاءات قطر، كما يشغل منصب عضو مجلس إدارة المؤسسة التى يديرها الفلسطينى الإسرائيلى عزمى بشارة وفق قرارات الهيكلة الأخيرة فى سبتمبر 2017، وكان «جمال» نفسه ناشطا فى «الرابطة الإسلامية» التى أسسها وترأسها المتحدث السابق باسم التنظيم الدولى للإخوان كمال الهلباوى منذ 1997 وتدير عشرات المساجد فى بريطانيا عبر 11 فرعا تنتشر فى أنحاء المملكة، وتجمعه روابط وثيقة مع محمد سودان أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، الذى فر إلى لندن عقب 30 يونيو، وأنس التكريتى نجل القيادى الإخوانى العراقى أسامة التكريتى والرئيس الحالى لـ«الرابطة الإسلامية»، وظهر من قبل على منصة «منتدى الشرق» الذى ينظمه المدير السابق لقنوات الجزيرة، الفلسطينى وضاح خنفر، فى نسخة العام 2016 بمدينة اسطنبول التركية.
 
بحسب تركيبة الضيوف اختار الشريط منذ اللحظة الأولى أن يتبنى رواية الإخوان فقط، عكس ما فعلته القناة من قبل مع فيلم «مبارك». كان أول المتحدثين، خالد القزاز، شريكا ومسؤولا عن القسم الدولى فى مدارس المقطم المملوكة لجماعة الإخوان، منذ عودته من كندا فى العام 2005، وعقب 30 يونيو ظل رهن التحقيق حتى خرج فى يناير 2015، بعدما ثبت عدم ضلوعه فى الجرائم التى يُحاكم فيها «مرسى» وفريقه، لكن تزامن خروجه مع حملة شرسة نظمتها زوجته الكندية سارة عطية بمعاونة القيادى الإخوانى مدحت الحداد، شقيق عصام الحداد وعضو منظمة العفو الدولية «أمنيستى»، وعبر الحملة وبمساعدة عدد من الوجوه الحقوقية المصرية المقيمة بالخارج، ومنهم «ب. ح» و«م. ز» استصدرت بيانا مدفوعا من منظمة العفو الدولية، وضغطت على الخارجية الكندية للتحرك باتجاه الإفراج عنه، ليطير إلى كندا عقب خروجه مستخدما أموال الجماعة فى إطلاق مؤسسة باسم «القزاز للتعليم والتنمية» وهى إحدى حلقات الإخوان فى الخارج للتواصل مع المؤسسات والأفراد وتأمين نقل الأموال والمساعدات اللوجستية، وتجنيد مزيد من الحلفاء فى المنصات الإعلامية والمؤسسات الحقوقية.
 
maxresdefault
 

أندرو ميلر مسؤول ملف مصر فى إدارة أوباما

 
 
أما عمرو دراج ويحيى حامد فقد التحقا بحكومة هشام قنديل فى تعديلها الأخير، مايو 2013، قبل أيام من اندلاع ثورة 30 يونيو، وكان أندرو ميلر صديقا لعدد من قيادات الجماعة خلال وجوده فى مصر، وتعمقت روابطه بهم عبر «ميشيل دان» كبيرة الباحثين فى معهد كارنيجى، وزوجها الذى كان يتولى تأمين التدفقات المالية للمؤسسات الحقوقية داخل مصر، وأُدين مع 42 آخرين فى قضية المنظمات الشهيرة بالعام 2012. وكان خالد العطية وزير دولة حتى 26 يونيو 2013، قبل أن يخلف حمد بن جاسم فى وزارة الخارجية قبل 30 يونيو بعدة أيام، لكنه كان المسؤول المباشر عن ملف التنسيق مع الإخوان وإدارتهم السياسية بتبعية مباشرة لأمير قطر حمد بن خليفة، ثم ابنه تميم الذى خلفه فى 26 يونيو 2013.
 

اعتراف بالكوارث والفشل


 
منذ اللحظة الأولى للفيلم تجاهل فريقه التطورات التى قادت إلى حالة الاحتقان السابقة على 30 يونيو، لم يُشر الشريط من قريب أو بعيد إلى غطرسة الإخوان، أو السيطرة على حكومة هشام قنديل فى تشكيلها الأساسى والتعديلات الثلاثة التى دخلت عليها، ولا تصاعد رفض القوى السياسية المختلفة وجبهة الإنقاذ وشباب يناير للجماعة، ونشاط آلاف الشباب فى جمع التوقيعات على استمارة «تمرد» طوال أكثر من ثلاثة شهور سابقة على موعد التظاهر، أو حتى الإعلان الدستورى الغاشم الذى أصدره «مرسى» فى نوفمبر 2012، واعتداء عناصر الجماعة على المتظاهرين فى المقطم وأمام قصر الاتحادية وفى عدد من محافظات مصر. بدت الصورة وكأن الجماعة تحاول نزع الأمور من سياقها، واستبعاد مسار اختطاف الدولة الذى مارسته الجماعة على مدى سنة كاملة فى السلطة.
 
عاد الفيلم من مشهد البداية، خطاب مرسى فى 2 يوليو، إلى يوم 23 يونيو الذى أمهلت فيه القوات المسلحة كل الأطراف أسبوعا للتوافق، ويعترف عناصر الإخوان المتحدثون بأن الجماعة تلقت الرسالة وكأنها دعم مباشر لها، وفى ضوئها تجاهلت مطالب القوى السياسية ورافضى «مرسى» حتى اشتعلت التظاهرات فى 30 يونيو، وبعدها جاءت مهلة الـ48 ساعة التى تجاهلتها الجماعة أيضا، فى الوقت الذى حشدت فيه عناصرها فى ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، لإيهام الإعلام الخارجى والإدارة الأمريكية بتعادلية مشهد الصراع بين الرفض والتأييد، بدون أى تحرك أو رغبة حقيقية فى تجاوز السخونة الآخذة فى التصاعد.
 
 
يعترف خالد القزاز وعمرو دراج بأن «مرسى» اتفق مع قيادات الدولة على خارطة طريق للخروج من الأزمة، لكنه خرج فى خطاب طويل وممل للحديث عن أمور فرعية غير متفق عليها، ما اضطر الإخوانى أسعد الشيخة، نائب رئيس ديوانه، لمغادرة القاعة قبل انتهاء كلمته، كما اعترفوا بتلقى مطالبات مباشرة مرتين من الرئيس الأمريكى باراك أوباما لتقديم تنازلات، وعندما سألوا السفيرة آن باترسون عنها قالت إنه كان يقصد تعديلا حكوميا موسعا فى المرة الأولى، وانتخابات رئاسية مبكرة فى الثانية. وكانت أخطر اعترافاتهم أن عصام الحداد، مساعد «مرسى» للشؤون الخارجية، كان يفتح خط اتصال مباشرا مع مجلس الأمن القومى الأمريكى ومستشارته سوزان رايس.
 

السفيرة الأمريكية السابقة بالقاهرة آن باترسون مع مرشد الاخوان محمد بديع

 
 
يروى «القزاز» خلال الفيلم أن «مرسى» التقى عددا من القوى السياسية، بحضور الفريق عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع وقتها، وعقب الاتفاق على خطة واضحة لتجاوز الأزمة، رهن «مرسى» الأمر بالعودة إلى قواعده ومؤيديه فى الشارع، بينما كانت حقيقة الأمر أنه يُجمد المشهد لحين العودة إلى مكتب الإرشاد.
 

إعادة الاعتبار لـ30 يونيو


 
فى خطابه الممل الذى انتقده دراج والقزاز، حاول «مرسى» الإيحاء باستجابته لبعض المطالب، عبر تشكيل لجنة لإعداد مقترحات بالتعديلات الدستورية، وتعيين مساعدين للوزراء والمحافظين من الشباب، لكنه تجاهل الأزمة الأساسية بالنسبة للقوى السياسية، والمتمثلة فى فشل الإدارة الإخوانية واختطاف المسار السياسى، وهو ما جاء الرد عليه سريعا فى اليوم التالى بمؤتمر لجبهة الإنقاذ أعلنت فيه تمسكها بخيار الرحيل وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
بدءا من 23 يونيو كانت القوات المسلحة تلعب دورا حيويا للوساطة بين الشارع الساخن والجماعة المتغطرسة، تلك الحقيقة أكدها متحدثو الإخوان فى الفيلم، فبحسب رواية خالد القزاز رأى الحرس الجمهورى صعوبة تأمين «مرسى» فى قصر الاتحادية، فجرى نقله إلى استراحة فى دار الحرس الجمهورى، وظل فريقه يؤدى عمله من داخل المقر المؤقت حتى مساء 2 يوليو، فالقزاز نفسه بحسب روايته تابع تظاهرات 30 يونيو من هناك، والتقى عصام الحداد السفيرة الأمريكية آن باترسون فى 1 يوليو، وأجرى الفريق و«مرسى» نفسه اتصالات واسعة أيام 1 و2 و3 يوليو، ولم يكن معزولا عن جماعته أو حلفائه بالخارج، وجمعته لقاءات عديدة بالفريق السيسى حتى يوم الأحد 2 يوليو، بل وتلقى «الحداد» اتصالا من وزير خارجية قطر، خالد العطية، نقل له فيها مبادرة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، ثم تواصل مع «باترسون» لمناقشتها فى المبادرة. الحقيقة أن الرواية الإخوانية نفسها تنسف ادعاءات الحصار والإقامة الجبرية وقطع الاتصالات عن «مرسى» وفريقه.
 
على الجانب المقابل، تعاملت الجماعة مع الأمر بقدر من الرعونة والرغبة فى التصعيد، فعقب بيان القوات المسلحة بإمهال المختصمين 48 ساعة لتجاوز الأزمة، أصدر الإخوان بيانا عبر صفحة متحدث الرئاسة يقول، إن البيان «صدر بدون مراجعة الرئيس وإنه يتضمن عبارات تُربك المشهد الوطنى المركب»، ثم زادت أجواء الحشد والشحن داخل اعتصام رابعة العدوية، وعقب اتفاق القوى السياسية على خارطة الطريق فى 3 يوليو وقف محمد البلتاجى فى رابعة ليهدد ويتوعد، قائلا إن الإرهاب الذى ستشهده سيناء يمكن إنهاؤه بمجرد إعادة «مرسى» لمنصبه، والأمر نفسه تردد على ألسنة عناصر الجماعة بالاعتصام، إلى جانب التهديد بإحراق البلاد وتفخيخ كل شبر فيها، ولاحقا دفعت الجماعة بمئات من عناصرها المسلحين لاقتحام دار الحرس الجمهورى، ووقتها اضطرت وحدات الحرس لنقل «مرسى» خوفا على حياته.
 
رغم الاجتهاد العميق لتلوين المعلومات التى تضمنها الشريط، وتجاهل رواية الأطراف الأخرى أو تحليل المراقبين والمتخصصين، أو الاستعانة بممثلين للقوى السياسية وجبهة الإنقاذ، جاءت الرواية الإخوانية لتؤكد أن القوات المسلحة لم تكن تعمل وفق خطة سابقة الإعداد، وإنما تعاملت مع الأمر من منطلق مسؤولية وطنية فى مناخ بالغ السخونة، وكما كان «مرسى» يعود إلى مكتب الإرشاد قبل اتخاذ القرارات، فإنها اعتمدت المسار الطبيعى الواجب عليها بالعودة إلى الشارع/ الشعب.
 
 
 

ثغرات فى رسالة ملونة


 
حاول خالد العطية أن يبدو متوازنا فى حديثه، لكن الثغرة الأبرز فى الفيلم أن يتحدث مسؤول سياسى وتنفيذى فى دولة داعمة للإخوان، فى شريط يحاول تبرئة الإخوان وغسيل سمعتهم، وسواء كان ظهور «العطية» باعتباره وزيرا سابقا للخارجية، أو شاهد عيان وحلقة وصل بين واشنطن ومكتب الإرشاد، فإنه الآن وزير دفاع دولة يُعلق على شؤون دولة أخرى وأمور من قبيل السيادة والإرادة الشعبية.
 
ضمن الثغرات الواضحة أن الشريط حاول الإيهام بأن «مرسى» تعرض للتوقيف من جانب الحرس الجمهورى، وروج خالد القزاز فى حديثه مغالطة، مفادها أن جمال عبد الناصر أسس قوات الحرس الجمهورى لحماية رئيس الجمهورية من انقلاب الجيش، بينما فى حقيقة الأمر تظل تلك الوحدات جزءا أصيلا من القوات المسلحة، مهمتها الأساسية حماية النظام الجمهورى وليس شخص الرئيس، وهى مهمة القوات المسلحة نفسها التى قال عنها «مرسى» فى أحد خطاباته «عندنا رجالة زى الدهب»، وقد لعبت وحدات الحرس الجمهورى دورا وطنيا شبيها إبان ثورة 25 يناير، عندما التحقت باجتماعات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورفضت التصدى العنيف للمتظاهرين فى محيط القصور الرئاسية. 
 
طوال 50 دقيقة حاول المتحدثون إخفاء معلومات وإظهار أخرى، لكن المحصلة الأخيرة التى حملتها روايتهم أن الإخوان ماطلوا وتعنتوا كثيرا، وأن «مرسى» تلاعب بالجميع أكثر من مرة، بينما كانت المؤسسة العسكرية تراهن على تجاوز الأزمة فى وقت تختطف فيه الجماعة البلاد إلى المجهول، وتصر القوى السياسية وجبهة الإنقاذ ورمزها محمد البرادعى على الإطاحة بالجماعة وممثلها فى الرئاسة، حتى عندما تحدثوا عن حصار وإقامة جبرية، ناقضوا أنفسهم بتأكيد مزاولة مهامهم حتى آخر لحظة فى يوم 2 يوليو من داخل دار الحرس الجمهورى، بل وتصويرهم بيانا لـ«مرسى» فى استوديو ملحق بمقر إقامته، وبثه عبر مواقع التواصل الاجتماعى من خلال هواتفهم وأجهزتهم.
 
أراد جمال الشيال وفريق الجزيرة توثيق رواية مُلونة ترددها جماعة الإخوان منذ ست سنوات، لكنهم فى زحام الحقائق والمعلومات التى تدين الجماعة بكاملها، لم ينجحوا فى توجيه مسار الرسالة كما كانوا يتمنون، فخرج الشريط فى صورته الأخيرة وكأنه قذيفة مشتعلة من النيران «الصديقة جدا»، ومن فرط تركيز أصحابها فى إذكاء النيران وزيادة وهجها، حرقوا قلب الجماعة وأعادوا الاعتبار لـ«30 يونيو» بدون قصد.
 
 
p
 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة