لا أعلم لماذا المكابرة فى أمور لم تعد تحتمل؟
لماذا نتفنن فى دفن رؤوسنا فى الرمال، هربا من خطر حقيقى يدهمنا، بدلا من الاعتراف به لمواجهته؟
فجأة بعد أن أعلنت وزارة التضامن عن المشروع القومى لتوعية الشباب المقبلين على الزواج «مودة»، والذى تم بدء التخطيط له والعمل به، رجعت الوزارة خطوة إلى الوراء وظهرت وكأنها تتبرأ من المشروع، لتفقده أهم ما يميزه وهو الصفة الرسمية، وأن الحكومة المصرية تقف وراءه وتدعمه، لمواجهة مشكلة حقيقية أصبح المجتمع يعانى منها فى العقد الأخير، وقالت الوزارة فى معرض تراجعها إن اللجوء إلى «مودة» غير ملزم.
تزامن مع تراجع الوزارة، بعض مقالات رأى لبعض قيادات المجتمع المدنى ينكرن فيه ارتفاع نسب الطلاق فى مصر، وينكرن أيضا أن مصر اصبحت تتصدر دول العالم فى ارتفاع معدلات الطلاق، وبالذات فى أول سنة زواج.
من الأشياء الإيجابية أن مشروع «مودة» جاء بعد تكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسى وزارة التضامن خلال المؤتمر السادس للشباب بجامعة القاهرة للحد من الارتفاع المطرد فى معدلات الطلاق فى المجتمع المصرى، هو أب ورب أسرة قبل أن يكون رئيسا لنا ويسمع ويرى ما طرأ من تغييرات فى تركيبتنا الاجتماعية، ويهمه أن يكون صمام أمان المجتمع ممثلا فى الأسرة مستقرا وآمنا، ليس اقتصاديا وماليا فقط، ولكن أيضا مجتمعيا.
خطوة «مودة» على أهميتها جاءت متأخرة، سبقتنا إليها دول عربية، منها دولة الإمارات العربية المتحدة، وفى معرض الشارقة الدولى للكتاب قبل عامين تعرفت على تجربة ناضجة متكاملة الأركان تتعلق بحماية الأسرة، وتقديم نصائح وإرشادات، ودورات تثقيفية، وتربوية، وعلمية، ودينية للمقبلين على الزواج، جلست وشاهدت وقرأت عن الخدمات التى تقدم للمقبلين على الزواج، وأيضا للذين يفكرون فى الانفصال. ومن يومها تمنيت أن يكون لنا فى مصر مثل تلك البرامج.
يستهدف مشروع «مودة» قرابة 800 ألف سنويا من الشباب فى سن الزواج، وذلك فى الفئة العمرية ما بين 18 و25 عاما.. يعتمد «مودة» فى مراحل تنفيذه على خمسة محاور، أولها حملات الاتصال المباشر.. والقيام بحملات إعلامية لرفع الوعى بأهداف المشروع واللجوء إلى كل منصات التواصل الاجتماعى للترويج للمشروع منها إنشاء قناة على «يوتيوب»، وحساب على «تويتر» و«إنستجرام»، وصفحة على الـ«فيس بوك»، مع تصميم رسائل وتطبيقات على الهواتف المحمولة، فضلا عن إعداد برنامج إذاعى.
وأعلنت الوزارة عن إعداد برنامج تدريبى إلزامى للفئات المقبلة على الزواج، بمتوسط 30 ساعة حضور، مع اجتياز اختبار بنهاية البرنامج، ولكن الوزارة تراجعت خطوة إلى الوراء وأعلنت أنها لن تلزم أحدا.
وكانت وزارتا التضامن الاجتماعى والتعليم العالى قد وقعتا بالفعل بروتوكولا لتنفيذ برنامج تدريبى «إلزامى» لرفع الوعى لدى الشباب المقبل على الزواج، يتضمن مواد اجتماعية، ودينية، وصحية، حول أسس تكوين الأسرة وحمايتها والحفاظ عليها.
المؤكد أن هناك خللا أصاب تركيبة الأسرة المصرية، ولم يعد للزواج والارتباط تلك القدسية التى كان عليها فى جيلنا والأجيال التى سبقتنا، وأصبح من المعتاد أن تسمع أن فلانا طلق بعد زواج ستة أشهر، وأن فلانة عادت إلى بيت أبيها بعد أقل من سنة زواج، بل إنها أقامت احتفالا ابتهاجا بالطلاق، وارتفعت نسبة المطلقات، ومعهن ارتفعت نسبة الأطفال الذين لا يعيشون فى كنف الوالدين، وارتفعت النزاعات الأسرية ووصلت إلى معدلات قياسية فى محاكم الأسرة، وأصبح الأطفال ضحية نزاع بين زوجين ربما لم يدم زواجهما الا أشهرا معدودة، كل هذا يترجم فى عدم استقرار، وانهيار اجتماعى وأسرى، ويعنى فى النهاية أيضا ارتفاعا فى معدلات الانحراف والجريمة، والأخطر ارتفاع معدلات الإدمان.
مشروع مودة أراه مشروعا يقترب من مشروعات الضرورة، ويجب أن توفر له الدولة كل الدعم، قد يصادف فى البداية صعوبات تتعلق بالثقافة المجتمعية، ولكن كل شىء يتغير مع الأيام، فليكن تغيرنا إلى الأفضل.
من مزايا هذا المشروع أنه سوف يتيح لنا معلومات حقيقية عن أعداد الطلاق وأسبابه، وهل هى اقتصادية بالدرجة الأولى، أم لها أسباب أخرى بدليل أن ارتفاع حالات الطلاق لم يصب فقط الطبقات الفقيرة بل إنه ربما أعلى فى الطبقات الغنية، لابد أن نعرف هل للأمر علاقة بالتكنولوجيا، وانصراف أفراد الأسرة إلى السوشيال ميديا، وانفصام الروابط والوشائج التى تربط الزوج والزوجة، وأسرتيهما.. أم أنه السعار الاستهلاكى، والرغبة اللامتناهية فى تقليد الغير؟.. قد يكون.
المهم أن نعرف «كتالوج الطلاق فى مصر» أسبابه، وطرق تجنبه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة