خالد عزب يكتب: من سومر إلى التوراة.. قراءة تاريخية تضع علامات استفهام

الأحد، 24 فبراير 2019 01:00 ص
خالد عزب يكتب: من سومر إلى التوراة.. قراءة تاريخية تضع علامات استفهام غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يثير كتاب من سومر إلى التوراة للكتور فاضل عبد الواحد علي، العديد من المشكلات التى قد يتفق معه فيها علماء الآثار والأديان القديمة والمؤرخين وقد يختلفون، ومثل هذه النوعية من الكتب تستحق أن نقف عندها كثيرا لكونها تتناول مسائل شائكة يصعب على أى مؤلف الخوض فيها، ورحلة المؤلف مع كتابة تبدأ بالبحث عن الحضارة السومرية وأثرها فى حضارات الشرق الأدنى.
 
من سومر إلى التوراه
 
 وإذا كنا نملك اليوم معلومات غزيرة عن منجزات السومريين فى مجال العلوم والآداب والفكر والفنون، بفضل التنقيبات والدراسات اللغوية والتاريخية، فإن اسم هذا الشعب العظيم كما يذكر الدكتور فاضل كان قد امحى من ذاكرة التاريخ، وظل فى طى النسيان حتى ما قبل 116 سنة خلت، أى حتى العام 1869 حينما بدأ يظهر بدأت ملامح تاريخ هذا الشعب. والظروف التى هيأت انبعاث السومرين من جديد ترتبط هى الأخرى بحدث مهم وقع قبل هذا التاريخ باثنتى عشر سنة، أى فى العام 1857. فقد شهدت هذه السنة مولد ما يعرف اليوم بعلم الآشوريات.. أى علم اللغة الآشورية وآدابها.
 
نتيجة لحل رموز الخط المسمارى الذى استعمل فى تدوين النصوص الآشورية. ومنذ ذلك الحين بدأت عودة السومريين إلى ذاكرة التاريخ.
 
وينتقل بعد ذلك المؤلف إلى الحضارة الأكدية وهو يرى أنه لا يوجد فارق بين السومريين والأكديين والفارق الوحيد بين حضارتهم ينحصر فى اللغة، فالسومريين كما هو معروف يتكلمون اللغة السومرية، وهى لغة ملصقة ما زالت عائلتها اللغوية مجهولة، بينما استعمل الأكديون اللغة الأكدية التى هى واحدة من عائلة لغوية كبيرة درج المختصون على تسميتها بعائلة اللغات السامية. إذا لاحظ علماء اللغة منذ بضعة قرون أن هناك تقاربا واضحا بين عدد من لغات الشرق الأدنى القديم كالأكدية ولهجاتها البابلية والآشورية والكنعانية والعبرية والفينيقية والآرامية والنبطية والعربية. ونقاط التشابه بين هذه اللغات جعلت العالم النمساوى شلوتر يبحث عن أصل قديم مشترك ترجع إليه تلك اللغات، فرآه فى الأقوام المتكلمة بتلك اللغات والتى رأى أنها انحدرت منجد واحد وهو سام بن نوح استنادا إلى قائمة الأنساب التى تذكرها التوراة فى الإصحاح العاشر من سفر التكوين. وإلى سام بن نوح نسب الأقوام ولغاتهم ولم يلبث مصطلح الساميون واللغات السامية أن شاع بين المختصين بالاستشراق. ولكن مؤلف كتابنا هذا يعترض على استخدام هذا المصطلح وذلك فى ضوء الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية الحديثة، وعلى ضرورة تقدير مصطلح بديل عنه يكون أكثر دقة وانسجامًا مع الحقائق التاريخية المعروفة عن الأقوام التى كانت تتكلم تلك اللغات.
 
ويمكن أنه نوجز جوانب الضعف فى مصطلح "الساميين" فى ضوء ما ذكره المؤلف، اعتمد شلوتر العرق أى وحدة الأصل أساسا لتأصيل التشابه اللغوى بين الأقوام السامية، فى حين أن هناك عوامل أخرى منها العامل الجغرافى مثلا فنحن نقول اللغة السومرية نسبة إلى أرض سومر، ووحدة الأصل أجمع علماء الأجناس منذ أواسط القرن الحالى إلى أن الحديث عن نقاء الأجناس قد أصبح فى حقيقة الأمر خرافة علمية. فضلا عن أن الحديث عن أصل مشترك للساميين على النحو الذى جاء فى التوراة لا يقوم أيضا على أساسا تاريخى فقائمة النسب التوراتية لا تتفق مع الحقائق التاريخية المعروفة، فهى تخرج الكنعانيين من قائمة الساميين لتضعهم مع الحاميين أبناء حام مع العلم بأن الكنعانيين يكونون واحدة من الجماعات الكبيرة بين القبائل السامية، ويرتبطون مع هذه القبائل بروابط تاريخية ولغوية متينة. واقترح المؤلف إطلاق لفظ اللغات الجزرية على هذه المجموعة من اللغات بدلا من السامية، ويقصد بمصطلح الجزريون تلك القبائل التى كان موطنها الأصلى جزيرة العرب. والتى كانت تتكلم لغات أو لهجات تعود فى أصلها إلى لغة واحدة هى لغة الجزيرة.. وقد اضطرت تلك القبائل ولأسباب مختلفة وفى أزمان مختلفة أيضا، إلى هجرة مواطن استيطانها والنزوح إلى المناطق الخصبة فى وادى الرافدين وسورية وفلسطين.
 
ويستطرد بعد ذلك المؤلف فى ذكر الإبداع الحضارى لبلاد الرافدين ويركز على الأختام والزقورات وأشهرها زقورة بابل القوانين التى وضعها ملوك هذه البلاد وأشهرها قانون حمورابي، لينتقل بنا بعد ذلك إلى ثانى أهم قضية أثارها هذا الكتاب، وهى أثر حضارة بلاد وادى الرافدين فى معتقدات العبرانيين، حيث احتوت أسفار التوراة، وسفر التكوين على وجه الخصوص، على كثير من المعتقدات التى ترجع إلى أصول سومرية وبابلية، إلى الحد الذى دفع عالم الأشوريات الألمانى فريدريك ديليج إلى القول بأن سفر التكوين غارق فى ذنوب الانتحال.. ومهما كان مدى تأثير بالنتاج الحضارى لبلاد الرافدين، وانعكاس ذلك بشكل واضح فى التوراة، فإن تلك التأثيرات وصلت بطريقتين، الأولى منهما ذات علاقة بدور الآباء الأول فى نقل المعتقدات الرافداينية إلى العبرانيين وهى مسألة ذات احتمالات متعددة، وقابلة للمناقشة وللموافقة عليها والرفض، والثانية وهى الأكيدة، التى انتقلت بوساطتها تلك المعتقدات، فكانت من خلال الصلات التجارية والسياسية والحملات العسكرية، وأهم من ذلك كله من خلال وجود العبرانيين أنفسهم فى بابل أثناء الأسر البابلي. إذ من المعروف أن الصلات بين العراق وبلاد الشام لم تنقطع فى كل العصور التاريخية. فبلاد الشام ذات موقع جغرافى متميز أدى فى النهاية إلى مواجهة عسكرية بين القوتين الكبيرتين آنئذ.
 
شغلت قضية خلق الكون وخلق الإنسان مساحة واسعة فى المعتقدات الدينية، وتأثرت التوراة كثيرا بالأساطير السومرية والبابلية بهذا الخصوص، كما تأثرت التوراة أيضا بمعتقدات المصريين القدماء وهو ما لم يذكره المؤلف، وهذا يجعلنا نثير قضية تنساها المؤلف منا يتجهالها علماء الآثار وهى أيهما الأصل هل الدين نشأ نتيجة لحاجة الإنسان وتطور مع حياته إلى أن أصبح شيئا من الترف فى عصرنا الحاضر، أم أن الله خلق الكون والإنسان الذى حرف ديانة التوحيد فصارت ديانات وثنية أثرت بعد ذلك بالسلب على ما قام به أنبياء الله من محاولات لتصحيح هذا الانحراف، ولذا فالتشابه بين الديانة المصرية القديمة، وديانات بلاد الرافدين فى قضية خلق الكون أمر طبيعى ثم تأثير هذا الانحراف على التوراة أمر طبيعى وهذا ما أراه صحيحا.
 
ومن هذا المنطلق يجب إعادة النظر فى توظيف دراسات وأبحاث علم الآثار مرة أخرى فى ضوء المعتقدات الإسلامية لا فى ضوء الفكر العربى ونقرأ لدى مؤلف الكتاب مبحث آخر حول مدى تأثر التوراة بمعتقدات حضارة الرافدين، قصة جنة عدن والفردوس المفقود، أن لها جذور سومرية وأن هذه الجذور أثرت فى سفر التكوين.
 
وهذه القصة تتشابه مع قصة جنة آدم وخطيئته ونزوله إلى الأرض بعد ذلك، وهذا ما يؤكد ما سبق وأن ذهبت إليه من أن الديانة السومرية ديانة سماوية مخرفة أثرت بتحريفتها فى التوراة فصار بين المعتقد السومرى فى هذه القصة والتوراتى تشابه شديد، وعلى أى حال نستطيع أن تلتمس أوجه التشابه بين المعتقد القرآنى الصحيح والتوراتى والسومرى فى النقاط التالية، هذه الروايات تدور حول خطيئة الإنسان فى جنة عدن، وفيها شيئا كان محرما على الإنسان تناوله ثم تناوله فعصا ربه، ثم خروج الإنسان من الجنة إلى الأرض، وخيبة الأمل التى لحقت بالإنسان ثم النتيجة المترتبة على ذلك والتى تختلف وجهات النظر فيها بين المعتقد القرآنى والسومرى التوراتي. إن هذا الكتاب مثير فهو يأخذنا إلى جذور الأفكار فى الماضى وتأثيرها فى الحاضر، وأفضل ما يمكن ن نستفيد منه فى هذه الدراسة هو قراءة ما ورد فيه فى ضوء دراسات مقارنة موسعة.








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة