كيف تقوض التحالفات الأمريكية الجديدة دبلوماسية "القواعد العسكرية"؟.. تحركات واشنطن لتطويق خصومها تساهم فى تخفيف التزامها بالانتشار العسكرى خارج الحدود.. وترامب يكتفى بالسلاح والاستشارات العسكرية للحلفاء الجدد

الخميس، 21 فبراير 2019 05:55 ص
كيف تقوض التحالفات الأمريكية الجديدة دبلوماسية "القواعد العسكرية"؟.. تحركات واشنطن لتطويق خصومها تساهم فى تخفيف التزامها بالانتشار العسكرى خارج الحدود.. وترامب يكتفى بالسلاح والاستشارات العسكرية للحلفاء الجدد
تحليل يكتبه - بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

منذ الحرب العالمية الثانية، باتت القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة فى العديد من مناطق العالم بمثابة أحد ثوابت الدبلوماسية الأمريكية، حيث رأت الإدارات المتعاقبة أن الوجود العسكرى الأمريكى الدائم فى مناطق الصراع، هو بمثابة الضامن الرئيسى لحماية مصالح واشنطن، وعلى رأسها الاحتفاظ بولاء حلفائها من جهة، بالإضافة إلى كونها ضمانة مهمة لهم بأن الولايات المتحدة مستعدة للتدخل فى أى لحظة لدحض أى تهديد قد يواجههم من جهة أخرى، إلا أن رؤية الرئيس دونالد ترامب ربما حملت اختلافا كبيرا ليس فقط فيما يتعلق بالدور الذى يمكن أن تلعبه القواعد العسكرية، وإنما أيضا فيما يتعلق بالدور العسكرى الذى تلعبه أمريكا فى العديد من الصراعات الدولية، والتى غالبا ما تتكبد فيها الولايات المتحدة الكم الأكبر من الخسائر.

الرؤية الأمريكية الجديدة تجسدت بوضوح منذ ما قبل صعود الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة مع انتقاداته المتواترة لحلف شمال الأطلسى، فى ظل تقاعس الحلفاء عن الوفاء بالتزاماتهم المالية والعسكرية، بينما كان القرار الأمريكى بالانسحاب من سوريا، وكذلك رغبة الإدارة فى الخروج من أفغانستان فى إطار اتفاق سلام مع حركة طالبان، والحديث المتواتر عن الانسحاب من أراضى الحلفاء التاريخيين فى آسيا، وعلى رأسهم كوريا الجنوبية واليابان، وهو ما يضفى انطباعا عن تغير كبير فى الكيفية التى سوف تسعى واشنطن خلالها استخدام أدواتها العسكرية فى المرحلة المقبلة.

حماية مجانية.. واشنطن لا تقبل ابتزاز حلفائها

ولعل المواقف الحادة التى تبنتها واشنطن تجاه عددا من الدول التى تستضيف القواعد الأمريكية على أراضيها، تمثل دليلا دامغا على التراجع الكبير لمسألة القواعد العسكرية على سلم أولويات الإدارة الحالية، وهو ما يبدو واضحا فى التوتر الحاد الذى تشهده العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، والتى تستضيف قاعدة "أنجرليك" العسكرية، على خلفيات عدة، أهمها التقارب التركى الروسى، والتهديدات التركية المتواترة بالهجوم على الميليشيات الكردية الموالية لواشنطن على الأراضى السورية ودعمها للإرهاب، بل والأكثر من ذلك أن الرئيس ترامب لم يتوانى فى فرض عقوبات على أنقرة بسبب تعنتها، قبل عدة أشهر، فى الإفراج عن القس الأمريكى المحتجز لديها أندرو روبنسون، ليجبرها على الرضوخ بعد ذلك وإطلاق سراحه.

ترامب لم يقبل الابتزاز التركى بسب قاعدة انجرليك
ترامب لم يقبل الابتزاز التركى بسب قاعدة انجرليك

ويعكس التعامل الأمريكى مع الدول التى تحتضن قواعد واشنطن العسكرية اختلافا جذريا فى عهد الإدارة الحالية، إذا ما قورن بالنهج الذى تبناه البيت الأبيض فى السابق، حيث سعى كافة الرؤساء السابقين إلى توطيد العلاقة مع تلك الدول للاحتفاظ بوجودهم العسكرى على أراضيهم، وبالتالى ضمان ولاء أنظمتهم، وحماية النفوذ الأمريكى المتنامى فى كافة مناطق العالم، وهو الأمر الذى دفع بعض القوى الدولية والإقليمية إلى ابتزازهم، إلا أن إدارة ترامب ترى أن وجود القواعد العسكرية يقدم حماية مجانية لتلك الدول، وبالتالى فعليهم أن يقدموا المقابل لذلك، من خلال المال أو المواقف السياسية، وبالتالى فإن وجود القاعدة العسكرية لا ينبغى أن يفتح المجال أمام ابتزاز الإدارة الأمريكية

تطويق الخصوم.. القواعد العسكرية لا تناسب حلفاء واشنطن الجدد

ويمثل التوجه الأمريكى الجديد نحو التخفيف من قواعدها العسكرية فى العديد من مناطق العالم، امتدادا للسياسة الأمريكية القائمة على ضرورة اعتماد الحلفاء على أنفسهم، وهو ما بدا واضحا فى تدشين سياسة التحالفات الدولية، والتى بدأت فى عهد الرئيس السابق باراك أوباما، عبر تأسيس تحالف دولى لدحض تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا والعراق، على أن يقتصر دوره على تقديم الغطاء الجوى لقوات محلية وميليشيات، على غرار ميليشيات الحشد الشعبى فى العراق، وقوات سوريا الديمقراطية على الأراضى السورية، والتى تقوم بدورها بالعمليات البرية، بينما تقدم واشنطن الأسلحة وكذلك التدريب لهم فى المقابل.

مؤتمر وارسو
مؤتمر وارسو

يبدو أن الرؤية الأمريكية التى يتبناها ترامب فى المناطق الأخرى من العالم، لا تبتعد كثيرا عن النهج الذى تبنته واشنطن فى الحرب ضد داعش، خاصة وأن دبلوماسية القواعد العسكرية ربما لا تصلح مع التحالفات الأمريكية الجديدة فى مناطق عدة، وهو ما يبدو واضحا فى التقارب الأمريكى الكبير مع دول شرق ووسط أوروبا فى المرحلة الراهنة، والذى تجسد بوضوح فى انعقاد مؤتمر وارسو الأسبوع الماضى، فى محاولة لإزعاج موسكو بالإضافة إلى التوجه نحو فيتنام فى آسيا، وهو ما يبدو كذلك فى اختيارها لاستضافة القمة الأمريكية الكورية الشمالية، والمقررة فى وقت لاحق من هذا الشهر، وهو ما يعكس رغبة أمريكية فى تطويق الصين.

وهنا ترتبط التحالفات الأمريكية الجديدة بمساعى واشنطن لتطويق خصومها، عبر ازعاجهم فى مناطق تمثل عمقا استراتيجيا لهم، إلا أن الموقع الجغرافى لتلك الدول ربما يضع أى قاعدة عسكرية تسعى الإدارة الأمريكية لتأسيسها على أراضيهم كهدف محتمل لصواريخ الخصوم فى المرحلة المقبلة، خاصة بعد الانسحاب الأمريكى من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، والذى ينذر بسباق نووى بين واشنطن وموسكو فى المستقبل القريب.

بديل واشنطن.. أمريكا تكتفى بتقديم السلاح والاستشارات العسكرية

ولعل البديل الذى تتبناه واشنطن فى التعامل مع حلفائها الجدد سوف يقتصر على تقديم الأسلحة والدعم اللوجيستى، لمجابهة التهديدات المشتركة، بالإضافة إلى الاحتفاظ بعدد من المستشارين العسكريين، لتقديم رؤيتهم لطبيعة المخاطر التى يواجهونها وكيفية مواجهتها، بعيدا عن وجود عسكرى كبير فى الخارج، وهو الأمر الذى يتوافق إلى حد كبير مع رؤية ترامب المتحفظة تجاه الالتزامات العسكرية لواشنطن خارج الحدود.

ترامب ونظيره الفيتنامى
ترامب ونظيره الفيتنامى

 

فلو نظرنا إلى النموذج الفيتنامى، نجد أن واشنطن اتجهت نحو التقارب معها فى السنوات الماضية تدريجيا، فى إطار رغبتها لتطويق الصين، وفى سبيل ذلك اتخذت إدارة أوباما فى عام 2016، قرارا بإلغاء حظر توريد الأسلحة الأمريكية الفتاكة إلى هانوى، بعدما استمر لأكثر من 50 عام على خلفية الحرب التاريخية بين البلدين، وهو ما يمثل انعكاسا لبداية التوجه الجديد، الذى يبتعد تدريجيا عن الوجود العسكرى الدائم فى أراضى الحلفاء.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة