كيف يمثل مؤتمر "وارسو" صفعة أمريكية لموسكو والناتو فى آن واحد؟.. اختيار العاصمة البولندية لتشكيل تحالف أمريكى جديد يمثل انتهاك لـ"حرمة التاريخ السوفيتى".. ويضع حلف شمال الأطلسى بين مطرقة ترامب وسندان بوتين

الثلاثاء، 19 فبراير 2019 02:00 ص
كيف يمثل مؤتمر "وارسو" صفعة أمريكية لموسكو والناتو فى آن واحد؟.. اختيار العاصمة البولندية لتشكيل تحالف أمريكى جديد يمثل انتهاك لـ"حرمة التاريخ السوفيتى".. ويضع حلف شمال الأطلسى بين مطرقة ترامب وسندان بوتين بوتين وروحانى وأردوغان
تحليل يكتبه - بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم يخرج المؤتمر الذى شهدته العاصمة البولندية "وارسو"، والذى عقد يوم الخميس الماضى، عن الخط الذى رسمته الدبلوماسية الأمريكية، منذ بداية حقبة الإدارة الحالية، حيث كانت فكرة تشكيل تحالفا دوليا جديدا ضد طهران، بمثابة الهدف الرئيسى الذى تبناه الرئيس دونالد ترامب، حيث دعا إليه فى العديد من المناسبات والفعاليات الدولية، ربما كان أولها خلال القمة الأمريكية الإسلامية التى عقدت فى الرياض فى مايو 2017، خلال أول جولة خارجية يقوم بها بعد تنصيبه، إلا أن الجديد الذى حملته القمة الأخيرة بدا واضحا فى أبعادها الرمزية أكثر منه فى أهدافها المعلنة.

ولعل الدعوة لتشكيل تحالفا دوليا من "وارسو" تحمل فى طياتها الكثير من الرسائل الضمنية، ليست فقط لإيران، وإنما لحليفها الروسى، لتتحول طهران من خصما أمريكيا مباشرا إلى مجرد واجهة جديدة للصراع بين واشنطن وموسكو، والذى بلغ ذروته فى الآونة الأخيرة تزامنا مع دخول الانسحاب الأمريكى من معاهدة القوى النووية، التى أبرمتها الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتى فى أواخر الثمانينات من القرن الماضى، حيز النفاذ، بالإضافة إلى التحرك الروسى لتطويق أمريكا عبر فنزويلا، سواء من خلال توطيد الروابط العسكرية بين موسكو وكاراكاس من جانب، أو ما تلا ذلك من دعم روسى كبير لنظام الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو فيما يتعلق بمحاولة الانقلاب المدعومة أمريكيا من قبل زعيم المعارضة خوان جوايدو.

بعدا رمزيا.. كيف انتهكت واشنطن حرمة التاريخ السوفيتى؟

ويحمل مكان انعقاد المؤتمر الأخير فى العاصمة البولندية بعدا رمزيا مهما، خاصة وأن "وارسو" كانت مقرا للحلف القديم الذى شكله الاتحاد السوفيتى، والمعروف باسم "حلف وارسو"، والذى ضم دول الكتلة الشرقية إبان الحرب الباردة، ليكون الخصم اللدود لدول المعسكر الغربى، وتحالفهم "الناتو"، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا للاستهداف الأمريكى لموسكو أكثر منه لطهران، عبر استفزازها فى منطقة تمثل عمقا استراتيجيا لها.

مؤتمر وارسو
مؤتمر وارسو

 

اختيار وارسو ليكون محلا لانعقاد المؤتمر الذى يستهدف طهران يحمل فى طياته رسالة واضحة لروسيا مفادها أن واشنطن قادرة على اختراقها عبر حلفائها التاريخيين، وهو ما يمثل ردا أمريكيا صريحا على المحاولات الروسية لتهديد أمن الولايات المتحدة عبر فنزويلا فى الآونة الأخيرة، خاصة وأن المؤتمر الأمريكى جاء على هامش جولة قام بها وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو شملت دولا أخرى من أعضاء الكتلة السوفيتية السابقة، وهى المجر وسلوفاكيا إلى جانب بولندا، وهو ما يمثل انتهاكا ضمنيا لحرمة التاريخ السوفيتى.

صفعة أمريكية للحلفاء.. هل يراهن بوتين على تقويض "الناتو"؟

إلا أن التحرك الأمريكى فى "وارسو" لا يمثل فقط انتهاكا صريحا للتاريخ السوفيتى، وإنما ربما يمثل صفعة جديدة لحلف شمال الأطلسى، خاصة من دول أوروبا الغربية، على خلفية الخلافات العميقة مع واشنطن، فى الأشهر الماضية، والتى يمثل فيها الموقف الأمريكى من طهران جزءا رئيسيا منها، وهو ما يبدو واضحا فى ضآلة تمثيل غالبية دول أوروبا الغربية فى المؤتمر الأمريكى، وهو ما يمثل انعكاسا للفجوة الكبيرة فى المواقف التى تتبناها الولايات المتحدة من جهة، وحلفائها التقليديين فى أوروبا من جهة أخرى.

ولعل الخلافات الأوروبية الأمريكية، على مستوى القضايا الدولية، لا يقتصر على المسألة الإيرانية، وإنما يمتد كذلك إلى الموقف من روسيا نفسها، والذى شهد تغيرات كبيرة من الجانب الأوروبى منذ صعود ترامب إلى البيت الأبيض، فى ظل التوجه الأوروبى نحو التعاون مع موسكو فيما يتعلق بالحصول على الطاقة، وهو الأمر الذى أثار قلقا أمريكيا كبيرا فى الآونة الأخيرة، ظهرت بجلاء فى تصريحات الرئيس الأمريكى، والذى اتهم شركائه الأوروبيين بالتبعية لروسيا.

بوتين نجح فى اختراق الناتو عبر أردوغان
بوتين نجح فى اختراق الناتو عبر أردوغان

 

وهنا يثور التساؤل حول ما إذا كان انهيار "الناتو" سوف يمثل رهان موسكو الجديد، فى ظل العقدة التاريخية للرئيس الروسى فلاديمير بوتين تجاهه، خاصة وأنه ربما تمكن من تحقيق عدة اختراقات داخله فى السنوات الماضية، بدأت باستقطاب تركيا إلى محادثات "استانا"، وهى الخطوة التى مثلت صفعة للمعسكر الغربى، بالإضافة إلى الانقسامات الكبيرة التى تشهدها أروقة التحالف الغربى، بسبب ليس فقط مواقف ترامب الدولية، وإنما أيضا بسبب مواقفه المتشددة إزاء التحالف نفسه.

رغبة بوتين فى تقويض الناتو ربما ليست بالأمر الجديد أو الخفى، حيث سبق وأن أعلن مرات عديدة أن بقاء الحلف أصبح غير مجدى منذ انتهاء الحرب الباردة، كما أنه أعلن قبل شهور قليلة دعمه للفكرة الفرنسية بتأسيس جيش أوروبى موحد، بحيث يتم تقديمه كبديل للناتو، إلا أن الرغبة الروسية فى تحقيق هذا الهدف ربما لا تجد توقيتا أفضل من الآن ليس فقط بسبب الظروف المواتية، ولكن لتحقيق انتصارا جديدا على الولايات المتحدة، خاصة وأن انهيار الناتو ربما يصبح بمثابة طلاقا رسميا بين واشنطن وحلفائها التقليديين فى أوروبا.

ليست الهدف الوحيد.. أمريكا تسعى لدحض حليف موسكو

وهنا يمكننا القول بأن طهران ربما لم تكن المستهدف الوحيد من المؤتمر الذى أثار ضجة كبيرة فى الآونة الأخيرة، وإن كان الهدف المعلن وراءه يمثل امتدادا للهدف الأخر، وهو استهداف روسيا، حيث كان الدور الكبير الذى تلعبه طهران فى الشرق الأوسط سببا رئيسيا ومباشرا للوجود الروسى فى المنطقة، وخاصة فى الأزمة السورية، وبالتالى فإن دحض النفوذ الإيرانى يمثل فى جوهرة وسيلة أمريكية لإنهاء الوجود الروسى فى الشرق الأوسط، وبالأخص فى سوريا، على اعتبار أن طهران تمثل ذراعا مهما لموسكو فى المنطقة فى المرحلة الراهنة.

أحد القمم الثلاثية بين بوتين وروحانى وأردوغان
أحد القمم الثلاثية بين بوتين وروحانى وأردوغان

 

ويمثل الرد الروسى على المؤتمر بعقد قمة ثلاثية، فى منتجع سوتشى، لتجمع بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ونظيريه الإيرانى حسن روحانى، والتركى رجب طيب أردوغان، بالتزامن مع المؤتمر الأمريكى، دليلا دامغا على إدراك موسكو للهدف الحقيقى وراء المؤتمر، خاصة وأن القمة الروسية حملت دعوة مباشرة للولايات المتحدة بالخروج من سوريا فى أقرب وقت، معتبرة أن مثل هذه الخطوة ستساهم فى تعزيز الأمن والاستقرار فى البلاد.

ويعد الحديث الروسى، ومن وراءه الإيرانى والتركى، عن الانسحاب الأمريكى من سوريا امتدادا لسلسلة الانسحابات التى بدأها الرئيس السابق باراك أوباما فى العراق، ويسعى ترامب لاستكمالها، سواء فى سوريا أو أفغانستان، وهو الأمر الذى يساهم بصورة كبيرة فى تقويض النفوذ الأمريكى فى المنطقة، خاصة وأن واشنطن طالما اعتمدت على وجودها العسكرى فى المنطقة عبر تعزيز وجودها العسكرى فى العديد من دولها.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة