لم أُغير مبدئى الذى طالما آمنت به طيلة حياتى، وهو أنك لن تستطيع أن تحكم على من حولك إلا فى الخلاف، رغم أن الخلاف يُوقد نار الغضب، لكنه يُظْهر المعدن الأصيل من الزائف، فبعد الخلافات، تهدأ الأمور، وتنطفئ النار، وهنا تتجلى الأشياء على حقيقتها.
فهناك موقف حقيقى حدث لإحدى الفتيات، أثار دهشتى، رغم تكراره فى الحياة، فقد كانت تلك الفتاة على علاقة عاطفية بشخص، كان يثق فيها بشدة، لدرجة أنه كان دائمًا يقول لها: "أنت الصندوق الأسود بتاعى"؛ لأنه كان يُخبرها بكل أمور حياته، سواء فى العمل، أو فى حياته الشخصية أو العائلية، وكان يثق فى رجاحة رأيها، وهى كانت دائمًا عند حُسن ظنه، فقد كانت تسمعه، وتشور عليه، وتُسانده، وتتحمل ظُروفه، رغم أنه تسبب فى إيذائها نفسيًا ومعنويًا أكثر من مرة، وبدون أسباب، إلا أنها كانت تتحمل تقلباته السلوكية، فقد كان يصل به الأمر إلى حد أن يقطع صلته بها لأسباب تخصه، دون أن يهتم بما قد تؤول إليه حالتها النفسية، وكانت تتحمله، تحت بند المشاعر التى تربطها به، ولم تخذله فى يوم من الأيام، بل كانت صديقته ورفيقته وأمه وحبيبته، كانت الشخص الوحيد الذى يستطيع أن يغتصب الضحكة منه، حتى فى أحلك الظروف التى يمر بها، فقد نصبت نفسها المسئول عنه بقية عمره، ولم تنتظر منه المقابل، لدرجة أنها تحملت إهانة إحدى الشخصيات التى تنتمى إليه؛ من أجله، ولم ترد الإهانة أو تُشوه صورته، أو حتى تدافع عن موقفها، ورغم ذلك لم يساندها، بل آزر الشخصية التى أهانتها.
وكانت المفاجأة، أثناء حديثهما الأخير عبر المحمول، سقط منها الهاتف الجوال أثناء الحوار، فتم كتم الصوت وهو يتحدث، فأخذت المحمول وأعادته إلى وضعه الأصلى، فشعر هو بحركة غريبة، وأصوات مُتغيرة، فكانت أول جملة تخرج من لسانه دون تفكير: "إنتِ بتسجلى لى"، وهنا أيقنت أنها لم تعرفه من قبل، فكيف يشك فيها، وهى التى صانت أسراره كلها بلا استثناء، ولم تتفوه بكلمة واحدة تُدينه، عندما تلقت الإهانة من أحد المقربين له؛ احترامًا له، ولم تُفكر فى إيذائه، عندما جرحها، ونال منها أكثر من مرة، بل والأدهى من ذلك أنها بطريق الصدفة فُوجئت به أنه قد وضعها على قائمة الحظر، على أحد البرامج التى كانا يتحدثان من خلالها فى المحمول، وكأنه يخشى أن تتصل به، وهى عرفت ذلك، دون أن تُحاول الاتصال به، وكانت دهشتها عارمة، فهل ظن أنها ستتصل به بعد كل ما فعله بها، وحتى لو ظن ذلك، كيف يُفكر فى أن يضعها على قائمة المحظورين عبر هذا البرنامج، وبدأت تُفكر، هل نسى كم مرة وقفت إلى جواره، وكم مرة تحملته، وربتت على كتفه، وكم مرة ساندته وأسعدته، فشعرت فى بادئ الأمر بالأسى على معادن البشر، ثم ضحكت على تفاهة تفكيره.
وأنا ذكرت هذه القصة لكى أوصل فكرة واحدة، وهى أن الكثيرين يتألمون من السلوكيات الشاذة للبشر، لاسيما من كانوا مُقربين منهم، لكن للأسف، نحن نقيس الأمور بصورة خاطئة، فهؤلاء الأشخاص يندرجون تحت قائمة السفهاء والجُهلاء، فلا تتألموا من تصرفاتهم، فهل كان الرسول "عليه الصلاة والسلام" يرد إساءة الكفار، بالعكس، كان يسمو عليها ويترفع عنها، ويتسامح.
فيا عزيزتى، اضحكى من قلبكِ على تصرفه، وافرحى أنكِ لم تضعيه على قائمة الحظر؛ لأنكِ لا تردى الإساءة بالإساءة، فأنتِ صُنْتِ العشرة؛ لأنكِ معدن أصيل، أما هو، وإن كان وضعك على قائمة الحظر فى هذا البرنامج، فضعيه أنتِ على قائمة المحظورين من فكركِ وحياتكِ وقلبكِ، والأهم من ذلك احترامكِ، وستدور الأيام، وكل شخص سيلتقى بمن يعرف قيمته الحقيقية، وهكذا كشفت نار الغضب معدن كل شخص، وهنيئًا لمن كان معدنه نفيسًا.
عدد الردود 0
بواسطة:
عبداللطيف أحمد فؤاد
مقال حديث
مقال حديث متحدث جدا و عصري و غرامي