فى الوقت الذى يبقى فيه الديمقراطيين على موعد مع تصويت تاريخى فى مجلس النواب، على الاتهامات التى يوجهونها للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، تمهيدا لعزله من منصبه، تحقق الإدارة الأمريكية خطوات واسعة نحو استقطاب دعم المواطن، والذى يمثل الرهان الرئيسى للبيت الأبيض، منذ صعود ترامب إلى رأس السلطة فى الولايات المتحدة، فى يناير 2016، وهو ما بدا فى تمرير مجلس الشيوخ الأمريكى لقرار بمنح إجازة مدفوعة الأجر للموظفين الفيدراليين، لأسباب عائلية أو طبية، وهو المشروع الذى سبق وأن عارضه الجمهوريون فى جولات سابقة، سواء فى عهد الإدارة الحالية أو الإدارات السابقة.
القانون الجديد يبقى أحد أهم المشروعات التى تبنتها نجلة الرئيس إيفانكا، والتى تشغل منصب كبيرة المستشارين فى البيت الأبيض، وبالتالى فإن تمريره يمثل انتصارا شخصيا قويا للرئيس ترامب، والذى يتبنى نهجا شعبويا يقوم فى الأساس على استرضاء المواطن الأمريكى بعيدا عن الأجندات السياسية، وهو ما بدا فى العديد من القرارات التى طالما تعارضت مع توجهات الحزب الذى ينتمى إليه، بينما تجد قبولا كبيرا فى الشارع، وعلى رأسها توجهه نحو تخفيف الوجود العسكرى الأمريكى فى العديد من مناطق العالم، وعلى رأسها سوريا، وذلك بالرغم من رفض تيار "الصقور" داخل الحزب لهذا التوجه، حيث يرون أن ثمة ارتباطا وثيقا بين النفوذ الأمريكى وموقع واشنطن فى صدارة النظام الدولى من جانب، والانتشار العسكرى من جانب آخر.
رسالة ضمنية.. القانون صفعة قوية للديمقراطيين
ولعل توقيت تمرير القانون الجديد، والذى يتزامن مع ذروة الحملة المناوئة للرئيس فى مجلس النواب، بالإضافة إلى التظاهرات التى أطلقها الحزب الديمقراطى فى واشنطن، وعدد من المدن الأمريكية لعزل الرئيس، يمثل رسالة ضمنية مفادها تضامن مجلس الشيوخ مع الإدارة، وبالتالى رفضه المطلق للحملات الديمقراطية، التى تهدف فى الأساس إلى تشويه صورة الإدارة الحالية، أمام الأمريكيين، على خلفية الإدعاءات المتواترة حول استدعاء الإدارة الحالية للتدخل الدولى، فى الصراع الشرس بين ترامب وخصومه الديمقراطيين قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية، والمقررة فى شهر نوفمبر من العام المقبل، وذلك بعد الكشف عن مكالمة جمعت الرئيس الأمريكى بنظيره الأوكرانى فلاديمير زيلنيسكى، حول أعمال مشبوهة قام بها نجل منافسه المحتمل فى الانتخابات المقبلة جو بايدن فى أوكرانيا.
وهنا يمكننا القول بأن القانون الجديد يمثل صفعة قوية للديمقراطيين، ليس فقط لأنها سوف تحظى بقبول كبير من جانب المواطنين الأمريكيين الذين يستفيدون من مثل هذا القرار، بعد سنوات من الانتظار، ولكن أيضا لأنها تضفى انطباعا مبكرا بفشل الحملة الشعواء التى تقودها رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى لعزل الرئيس، والتى بدأت منذ ما قبل الكشف عن تفاصيل مكالمة ترامب – زيلنيسكى، وتحديدا منذ انتصار ترامب فى انتخابات الرئاسة فى 2016، عندما تبارت المنابر الإعلامية والساسة الديمقراطيين على اتهام الحملة الانتخابية لترامب بالتواصل مع موسكو للفوز بالسباق الرئاسى، وهى الادعاءات التى سبق وأن قوضتها التحقيقات التى أجراها القاضى الأمريكى روبرت مولر، عبر تبرئة ساحة ترامب من مثل هذه الاتهامات.
عزل الرئيس.. مجلس الشيوخ يعلن موقفه مبكرا
قرار مجلس الشيوخ، ذو الأغلبية الجمهورية، يقدم دعما صريحا لترامب، على اعتبار أن القانون جاء بدعم من إيفانكا، والتى تمثل رأس حربة فى الإدارة الحالية، بالإضافة إلى أن قرار عزل الرئيس لا يمكن تمريره بأى حال من الأحوال، سوى بموافقة مجلس الشيوخ، والذى يملك الكلمة النهائية فى هذا الصدد، وهو ما يفسر التغريدة التى سبق وأن نشرها ترامب على حسابه بموقع التواصل الاجتماعى، والتى طالب خلالها الديمقراطيين بتسريع إجراءاتهم لنقل القضية إلى مجلس الشيوخ، حيث تكون الأمور هناك أكثر إنصافا، فى إشارة صريحة إلى نجاح رهانه إبان انتخابات التجديد النصفى فى نوفمبر من العام الماضى، عندما ركز على الاحتفاظ بالأغلبية على مجلس الشيوخ، بهدف عرقلة أية جهود محتملة من الديمقراطيين لإعاقته.
على الجانب الآخر، يبقى تمرير القانون خطوة أخرى لزيادة شعبية الرئيس فى مواجهة خصومه، فى المرحلة المقبلة، وبالتالى تقويض الاحتجاجات المنظمة، والتى أطلقها الديمقراطيون فى الأيام الماضية، بهدف نقل صورة غير حقيقية حول شعبية الإدارة بين المواطنين، وذلك بعد النجاحات الاقتصادية الكبيرة التى تمكن من تحقيقها، والتى تجلت بوضوح فى انخفاض معدلات البطالة، وزيادة الدخل لدى قطاع كبير من الأسر فى الولايات المتحدة، وبالتالى فإن القانون الأخير، والذى يستهدف خدمة الأسر الأمريكية، هو بمثابة خطوة جديدة لزيادة نسبة القبول له فى الفترة الحالية.
قانون "إيفانكا".. الجمهوريون يتسلحون بالوحدة فى مواجهة انقسام الخصوم
إلا أن قرار مجلس الشيوخ، لا يقتصر فى مداه مواجهة الخصوم الديمقراطيين، فى مرحلة تبدو حساسة للغاية فى تاريخ الولايات المتحدة، وإنما يمثل أيضا انعكاسا صريحا لنجاح الرئيس الأمريكى فى توحيد جبهة الجمهوريين، رغم وجود خلافات كبيرة بين التيارات المتعارضة داخل حزبهم، خاصة مع رفض "الصقور" للنهج الذى تتبناه الإدارة تجاه العديد من القضايا، وهو ما يبدو فى تراجعهم عن موقفهم مما يمكننا تسميته بـ"قانون إيفانكا"، حيث سبق لهم وأن رفضوه عدة مرات، وذلك لتقديم الدعم للبيت الأبيض فى حربه الشرسة التى يخوضها ضد خصومه.
وتتزامن حالة التوحد الجمهورى، مع مزيد من الانقسامات داخل صفوف الديمقراطيين، فى المرحلة الحالية، وهو ما يبدو فى انشقاق نائب ديمقراطى عن حزبه، وإعلانه الانضمام إلى الجمهوريين، على خلفية احتجاجه على حملة عزل الرئيس التى تقودها نانسى بيلوسى، بينما يعانى الحزب من معركة داخلية بين الشباب ومن يمكننا تسميتهم بـ"الحرس القديم"، حول اختيار المرشحين، منذ انتخابات الرئاسة فى عام 2016، على خلفية اختيار هيلارى كلينتون، لمواجهة ترامب فى الجولة النهائية، على حساب بيرنى ساندرز، والذى يراه قطاع كبير من شباب الحزب نموذجا للتجديد الذى يحتاجون إليه بعيدا عن الأفكار النمطية التى طالما تبناها الحزب لسنوات، وهى المعركة التى ربما تستمر فى ظل ارتفاع حظوظ جو بايدن، والذى يمثل امتدادا للوجوه القديمة، للحصول على بطاقة الحزب للترشح بالجولة النهائية من الانتخابات القادمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة