د. داليا مجدي عبد الغني تكتب : الحاجة الوحيدة اللي مبتتغيرش

الجمعة، 08 نوفمبر 2019 02:03 م
د. داليا مجدي عبد الغني تكتب : الحاجة الوحيدة اللي مبتتغيرش داليا مجدي عبد الغني

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الإنسان سيظل مُرتبطًا به صفة، وكأنها خُلِقَتْ من أجله، وهي "التغيير"، فملامحه قابلة للتغير مع الزمن، وأفكاره أيضًا تتعرض دائمًا للمكتسبات، وهيئته لابد أن تتواكب مع الموضة وإمكانياته المادية، ولكن لابد أن يكون هناك شيء واحد لا يتغير في الإنسان، واكتشفت أن هذا الشيء هو "الإحساس"، وإن كان بالتأكيد قابلاً للتغيير، إلا في حالة واحدة فقط، هي أن يكون صادقًا وحقيقيًا، والغريب في الأمر أن الإحساس ليس منحصرًا في إحساسنا بالبشر فقط، بل إنه يتطرق أيضًا إلى الأشياء.

فمنذ عدة أيام، قررت إعادة قراءة رواية "غادة الكاميليا"، للكاتب الفرنسي "أليكساندر دُوماس"، وأذكر أنني قرأت هذه الرواية، وأنا في الرابعة عشرة من عمري، وكنت حينها فتاة في سن المُراهقة، وتأثرت جدًا بها، فكم آلمني مصير البطلة، التي دفعت حياتها ثمنًا لحُبها البائس، رغم أنها كانت غانية، إلا أنها كانت تملك قلبًا من ذهب، جعلها تتوب على يد حبيبها، وتترك كل ملذات الحياة وترفها من أجله، ورغم ذلك لم يرحمها القدر، وظلت تُعاني من مرض السُّل، حتى ماتت، وهي تنطق باسم حبيبها، الذي كان يظنها خانت عهده، ولم يعلم بالحقيقة إلا بعد وفاتها، عندما قرأ مذكراتها، والذي لا يعلمه الكثيرون أن هذه القصة حقيقية في كل أحداثها، وعندما قرأت هذه الروية قديمًا، انتابتني نوبة بكاء شديدة، لدرجة أنها ظلت مُترسخة بداخلي لعدة أيام، ومرت السنوات، وكنت في معرض الكتاب السنوي بالمصادفة، منذ سنتين، ولم يكن في مُخيلتي أنني سأشتري كتبًا؛ لأنني في الحقيقة ذهبت لغرض مُحدد، وهو مُطالعة أحدث كتبي المعروضة في المعرض، ولكن الطبع يغلب التطبع، فبدون أن أدري وجدتني أنتقي الكتب والروايات، وأشتريها، ووقع نظري على تلك الرواية، وكان الطبيعي ألا أشتريها؛ لأنني قرأتها من قبل، ولازلت مُتذكرة أحداثها، ولكنها لم تكن ملكي، فقد استعرتها من خالي، فشعرت حينها أنني أريدها أن تكون في مكتبتي الخاصة، حتى لو لم أقرؤها.

وظلت أمام عيني طيلة سنتين، لم أفكر أن اقرأها، ومنذ أسبوع دخلت في تحدٍ مع نفسي، وهو أنني لو قرأتها الآن، وبعد مرور كل تلك السنوات، لن أتأثر بها؛ نظرًا لتغير وتطور أفكاري، ولأنني لم أعد تلك الفتاة المُراهقة، مُرهفة الحس، التي تتأثر بالمشاعر الرومانسية، لاسيما لو كانت البطلة غانية، لا تستحق الشفقة، وظللت أقرأ في الرواية، وأضحك في سري، من أنني تأثرت بها في يوم من الأيام، حتى جاء الفصل الأخير، وهو مرحلة عذاب البطلة، ونهش المرض لجسدها الجميل، وذُبول وجهها الفتان، ومدى الشقاء الذي عانته؛ بسبب ظلم حبيبها لها؛ ظنًا منه أنها خانته، واعترافها بمدى حُبها له، حتى ماتت وهي تنطق باسمه، فوجدتني أذرف الدمع بلا توقف، حتى أن أنفاسي بدت غير مُنتظمة، وكانت الساعة تدق الثانية صباحًا، عندما انتهيت من قراءة الرواية، ودُموعي لم تنتهِ بعد، لدرجة أن المحمول رن في ذلك الوقت، ووجدت نفسي غير قادرة على الرد على أعز صديقاتي؛ لخشيتي من قلقها، عندما تستمع إلى صوت بُكائي الشديد، وعندما هدأت نسبيًا، ضحكت في سري، وقلت ألازلت أحمل بداخلي مشاعر فتاة مُراهقة، مُرهفة الحس، للأسف، لقد خسرت التحدي.

ولكن الحقيقية، أنني لست مُراهقة، ولا مُرهفة الحس، وإنما الإحساس الصادق بالأشياء هو الذي حركني، فأنا في الماضي كانت أحاسيسي صادقة في التعاطف والشفقة، لذا عندما كررت الحدث بعد كل تلك السنوات، تعايشت ذات الإحساس كما هو؛ لأن الإحساس الصادق سواء كان بالإنسان أو بموقف أو بلحظة معينة، هو الحاجة الوحيدة اللي مبتتغيرش.

بقلـــم

د./ داليا مجدي عبد الغني

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة