قد يظن البعض أن أنبل إحساس في الوجود هو الحب، والبعض الآخر يظن أنه الشفقة والعطف، وكل إنسان سينظر إلى هذا الأمر بطريقته الخاصة، ووفقًا لرؤيته وأفكاره.
ولكنني أظن أن أنبل إحساس في الكون هو مُحاولتنا أن نُجنب الآخرين الألم، الذي اعترانا في أحد مراحل حياتنا، فمن يخشى أن يرى غيره يتألم، ويسعى بكل ما أُوتي من قوة أن يُقصيه عن الآلام التي شعر بها في يوم من الأيام، فهو بلا شك إنسان نبيل، ويحمل قلبًا من ذهب، فعلينا أن نُقارن بين من يفعل ذلك، وبين من يتسبب في إيلام الغير، فشتَّان بين الاثنين، فأبشع شعور يمر على الإنسان هو شعوره بالألم، خاصة لو كان هذا الألم في صمت، فهنا تستحيل حياته إلى جحيم، قد يتسبب في إتيانه أي سلوك طائش، قد يُدمر حياته بأكملها، ويكون في انتظار حدوث المعجزة، وهي اليد التي تنتشله من كل آلامه، وترحمه من سيل العذاب الذي يغمره بلا نهاية.
وقطعًا، الشخص الذي يمر بهذه الآلام، قد يتحول إلى قُنبلة موقوتة، ربما تتسبب في تدمير كل من حولها في أي لحظة، وما أدراك لو استطاع هذا الشخص أن يُجنب أي إنسان مُرَّ هذا الألم؛ خشية منه أن يرى هذا الغير يمر بكل ما مر به من عذاب وآلام.
فهذا بلا شك هو أعظم شعور وإحساسس، يمكن أن يشعر به إنسان تجاه إنسان، فعلى سبيل المثال، من يرى الشقاء في بداية حياته، حتى يصل إلى المجد، فيُحاول أن يُجنب من يبدأ الطريق هذا الشقاء، بأن يوفر عليه المسافة، ويُساعده، فهو قطعًا إنسان بمعنى الكلمة.
وهناك الكثير من الأمثلة على هذا الشعور النبيل، والغريب أن هذا الإحساس ليس بالصعب أو المستحيل، فهو كل ما يحتاجه "إنسان" لديه القدرة على تخيل نفسه في موضع الآخرين بصدق، ورفضه أن يرى غيره في مكانه، عندما كان على أهبة اليأس، وعلى وشك النهاية، فيُحاول تجنيبه ذلك الأمر بشتى الطرق.
فحقًا، ما أبشع من أن ترى غيرك يتألم ويحصد العذاب والوجع، فأظن أن من يملك قلبًا صادقًا، وإحساسًا نبيلاً، يأبى عليه ضميره، أن يرى حتى عدوه يتألم، فلو أدرك الإنسان معنى كلمة "الألم"، لابتعد عنها تمامًا وتجنبها وجنبها لكل من يعرفه، فهذه هي الرحمة التي تُوقظ القلوب النابضة بين الضلوع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة