أكرم القصاص

من‭ ‬لبنان‭ ‬لفرنسا‭ ‬ومن‭ ‬شيلى‭ ‬لبريطانيا‭..‬ أسئلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬واجوبة‭ ‬السياسة‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬يتغير

الأربعاء، 23 أكتوبر 2019 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا،‭ ‬ومن‭ ‬شيلى‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا،‭ ‬مرورا‭ ‬بالجزائر،‭ ‬هناك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسى‭ ‬تجتاح‭ ‬العالم،‭ ‬وتشتعل‭ ‬فى‭ ‬مناطق‭ ‬ودول‭ ‬متفرقة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الاقتصاد‭ ‬عنوانها،‭ ‬فإن‭ ‬السياسة‭ ‬هى‭ ‬العنوان‭ ‬الأبرز،‭ ‬وطوال‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬هناك‭ ‬تفاعل،‭ ‬واحتجاجات‭ ‬تشير‭ ‬لتغيير‭ ‬سياسى،‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬اتخذت‭ ‬اتجاهات‭ ‬درامية‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى،‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬والعالم‭ ‬الأول‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬تهديدات‭ ‬إرهابية،‭ ‬أو‭ ‬احتجاجات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬فى‭ ‬دول‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬تصنف‭ ‬باعتبارها‭ ‬أكثر‭ ‬استقرارا‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭. ‬
 
وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تشابه‭ ‬الأسباب‭ ‬التى‭ ‬أدت‭ ‬للغضب‭ ‬فى‭ ‬فرنسا‭ ‬ولبنان‭ ‬وشيلى‭ ‬أو‭ ‬بريطانيا‭ ‬أو‭ ‬الجزائر،‭ ‬هناك‭ ‬اختلافات‭ ‬فى‭ ‬التركيبة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬واختلفت‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬وشكل‭ ‬الاحتجاج‭ ‬ونسبة‭ ‬العنف‭ ‬فى‭ ‬سياقات‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬لبنان‭ ‬كان‭ ‬الأقل‭ ‬عنفا،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أسباب‭ ‬الغضب‭ ‬تبدو‭ ‬أقوى،‭ ‬اختلفت‭ ‬عن‭ ‬فرنسا‭ ‬وشيلى،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬شيلى‭ ‬الأكثر‭ ‬عنفا‭ ‬نظرا‭ ‬لطبيعة‭ ‬الواقع‭ ‬السياسى‭ ‬والاجتماعى‭ ‬فى‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬حيث‭ ‬تكررت‭ ‬مشاهد‭ ‬العنف‭ ‬فى‭ ‬احتجاجات‭ ‬فنزويلا‭.‬
 
المفارقة‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬فى‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬واستفتاء‭ ‬بريكست‭ ‬فى‭ ‬بريطانيا،‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬تراجع‭ ‬لتيارات‭ ‬السياسة‭ ‬والأحزاب‭ ‬التقليدية،‭ ‬لصالح‭ ‬تيارات‭ ‬حديثة،‭ ‬ولدت‭ ‬مؤخرا،‭ ‬سواء‭ ‬لليمين‭ ‬الرافض‭ ‬للأجانب،‭ ‬والساعى‭ ‬للانفصال‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى،‭ ‬أو‭ ‬تيارات‭ ‬احتجاجية‭ ‬ترفع‭ ‬شعارات‭ ‬اعتراض‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتركز‭ ‬عوائد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لصالح‭ ‬الأغنياء‭. ‬
 
فى‭ ‬إبريل‭ ‬2017‭ ‬خاضت‭ ‬مارى‭ ‬لوبان‭ ‬ممثلة‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬الجولة‭ ‬الأخيرة‭ ‬للانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬مع‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬التقليدية‭ ‬لمساندة‭ ‬ماكرون،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يرون‭ ‬فيه‭ ‬سياسيا‭ ‬ناجحا،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬ماكرون‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬ينتمى‭ ‬لأى‭ ‬من‭ ‬المعسكرات‭ ‬التقليدية،‭ ‬غادر‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكى‭ ‬ليؤسس‭ ‬حزب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬خارج‭ ‬أطر‭ ‬الأحزاب‭ ‬التقليدية‭.‬
 
فى‭ ‬ألمانيا‭ ‬شهدت‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة‭ ‬قوى‭ ‬صعود‭ ‬لليمين‭ ‬الشعبوى،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬فوزها‭ ‬أعلنت‭ ‬أنجيلا‭ ‬ميركل‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬عن‭ ‬نيتها‭ ‬عدم‭ ‬الترشح‭ ‬2021،‭ ‬وترك‭ ‬رئاسة‭ ‬الحزب‭ ‬المسيحى،‭ ‬حيث‭ ‬حقق‭ ‬الحزبان‭ ‬المحافظان‭ ‬الحاكمان‭ ‬الاتحاد‭ ‬المسيحى‭ ‬الديمقراطى،‭ ‬والاتحاد‭ ‬المسيحى‭ ‬الاجتماعى‭ ‬33%، وحصل‭ ‬حزب‭ ‬البديل‭ ‬لألمانيا‭ ‬اليمينى‭ ‬القومى‭ ‬المتشدد‭ ‬على‭ ‬13%،‭ ‬فى‭ ‬المركز‭ ‬الثالث‭ ‬وهو‭ ‬يدعم‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى‭ ‬ويعادى‭ ‬اللاجئين‭ ‬والأجانب،‭ ‬ويشبه‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬بريكست‮»‬‭ ‬فى‭ ‬بريطانيا‭ ‬الذى‭ ‬يحمل‭ ‬رمزية‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى،‭ ‬برئاسة‭ ‬النائب‭ ‬نايجل‭ ‬فاراج،‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬المتحمسين‭ ‬لمغادرة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبى‭. ‬فيما‭ ‬يواجه‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬مستمرة‭ ‬منذ‭ ‬توليه‭ ‬فى‭ ‬اعقاب‭ ‬استقالة‭ ‬تريزا‭ ‬ماى‭. ‬
 
فى‭ ‬فرنسا‭ ‬أيضا‭ ‬يواجه‭ ‬ايمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬منذ‭ ‬مايو‭ ‬الماضى‭ ‬احتجاجات‭ ‬السترات‭ ‬الصفراء‭ ‬التى‭ ‬بدأت‭ ‬بالاحتجاج‭ ‬على‭ ‬الضرائب‭ ‬والتردى‭ ‬الاقتصادى‭ ‬للطبقة‭ ‬الوسطى،‭ ‬وتطورت‭ ‬للمطالبة‭ ‬باستقالة‭ ‬ماكرون‭.‬
 
كانت‭ ‬الضرائب‭ ‬والغلاء‭ ‬محركات‭ ‬لغضب‭ ‬السترات‭ ‬الصفراء‭ ‬فى‭ ‬فرنسا،‭ ‬وانتقلت‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬وتراجعت‭ ‬بعد‭ ‬الاستجابة‭ ‬واتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬احتمالات‭ ‬اشتعالها‭ ‬قائمة،‭ ‬ولنفس‭ ‬الأسباب‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬متزامن‭ ‬فى‭ ‬لبنان‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشيلى‭ ‬فى‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭.  ‬
 
كان‭ ‬فرض‭ ‬ضرائب‭ ‬على‭ ‬الاتصالات‭ ‬فى‭ ‬لبنان‭ ‬مقدمة‭ ‬لإشعال‭ ‬غضب‭ ‬ترجمه‭ ‬خروج‭ ‬ملايين‭ ‬اللبنانيين،‭ ‬تطورت‭ ‬المطالب‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬والفساد‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬حكومات‭ ‬ليست‭ ‬طائفية‭. ‬
ولنفس‭ ‬الأسباب‭ ‬فى‭ ‬شيلى،‭ ‬أدى‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬النقل‭ ‬لإشعال‭ ‬مظاهرات،‭ ‬تحولت‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬كرات‭ ‬لهب‭ ‬أشعلت‭ ‬النار‭ ‬فى‭ ‬محطات‭ ‬المترو‭ ‬والحافلات‭ ‬والمؤسسات‭.‬
 
هناك‭ ‬اختلافات‭ ‬واسعة‭ ‬اقتصاديا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬ولبنان‭ ‬وشيلى،‭ ‬فرنسا‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الأول‭ ‬لديها‭ ‬بنيان‭ ‬اقتصادى‭ ‬قوى،‭ ‬واستقرار‭ ‬سياسى‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود،‭ ‬وقدرة‭ ‬مؤسسية‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يخل‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬مصادمات،‭ ‬قابلتها‭ ‬عمليات‭ ‬قبض‭ ‬وتوقيف‭ ‬واعتقالات‭ ‬لمتظاهرين‭ ‬اتهموا‭ ‬بتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬التظاهر‭. ‬
 
على‭ ‬العكس‭ ‬فى‭ ‬لبنان‭ ‬حيث‭ ‬الواقع‭ ‬الاقتصادى‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬وعجز‭ ‬الموازنة‭ ‬والفقر‭ ‬والغلاء‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬معقدة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أزمات‭ ‬فى‭ ‬الكهرباء‭ ‬والمياه،‭ ‬والخدمات‭ ‬الصحية‭ ‬والتعليم،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬سياسى‭ ‬هش‭ ‬تحكمه‭ ‬اتفاقات‭ ‬ترسخ‭ ‬الطائفية،‭ ‬بدا‭ ‬أمرا‭ ‬واقعا،‭ ‬حتى‭ ‬هزته‭ ‬التظاهرات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بشعارات‭ ‬تطالب‭ ‬بدولة‭ ‬واحدة‭ ‬لكل‭ ‬اللبنانيين،‭ ‬‭ ‬وتجاوزت‭ ‬المطالب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬إلى‭ ‬مطالب‭ ‬سياسية،‭ ‬تدين‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬عموما‭ ‬بطوائفها،‭ ‬وترى‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬السياسى‭ ‬ربما‭ ‬يساهم‭ ‬فى‭ ‬استمرار‭ ‬الفساد‭ ‬والفقر‭ ‬والاختلال‭ ‬الاقتصادى‭ ‬وغياب‭ ‬العدالة‭. ‬
 
ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬أن‭ ‬تتجه‭ ‬مطالب‭ ‬اللبنانيين‭ ‬الى‭ ‬توحيد،‭ ‬بينما‭ ‬تتجه‭ ‬مطالب‭ ‬اليمين‭ ‬الأوربى‭ ‬للانفصال‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تعقد‭ ‬الواقع‭ ‬الطائفى‭ ‬والسياسى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬التقت‭ ‬بحجر‭ ‬فى‭ ‬بركة‭ ‬ساكنة،‭ ‬بما‭ ‬يرتب‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬التقليدية‭ ‬أن‭ ‬تنتبه‭ ‬لتحولات‭ ‬كمية،‭ ‬تتنامى‭ ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬فشل‭ ‬صيغ‭ ‬تقليدية‭ ‬مستقرة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تعديل‭ ‬يناسب‭ ‬التحول‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭.‬









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة