صداقة عمرها 59 سنة تحكى تاريخ السد العالى.. مهندسان شاركا فى البناء يرويان لحظات العرق والكفاح.. عبد الرحمن شلبى: ذهبت للعمل فى المشروع ثانى يوم تخرجى.. نبيل فوزى: العمل أسسنى كمهندس ولم نعرف الدلع أو الهزار

الأربعاء، 09 يناير 2019 07:00 م

صورة لبناء السد العالى

كتبت أسماء نصار

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- كان هناك موجة وطنية كبيرة لبناء المشروعات القومية وحماس الشباب كان سلاح بناء السد
- نبيل فوزى: الرئيس جمال عبد الناصر منحنى نوط الاستحقاق من الطبقة الأولى بمناسبة إطلاق الشرارة الأولى لمحطة كهرباء السد العالى

59 عاماً مروا على بداية الحلم.. حلم البناء.. حلم النهضة.. ذلك الحلم الذى راود أبناء جيل كامل، هو جيل الزعيم جمال عبد الناصر، اتفقوا جميعهم على أن لا بديل عنه، لذلك هبوا إلى ساحة المعركة والبناء، إلى بوابة مصر الجنوبية، حيث السد العالى، التعب والسهر والمرض وربما الموت كانوا رفقاء فى تلك الرحلة، لكنهم لم يهزوا عقيدة هؤلاء الشباب، فقد كان الانتماء هو الحافز، الذى دفعهم إلى بذل الجهد والعرق، بل والتضحية بأرواحهم؛ من أجل مصر.. مصر الحبيية .. مصر التى وضعوها نصب أعينهم وفى قلوبهم وعقولهم، ليأكدوا بعد أكثر من نصف قرن، أنهم كانوا يعتبرون ولا يزالون أن السد العالى هو حلمهم الشخصى، ومشروعهم القومى، الذى تحقق إنجازه بفضل بسالتهم، فبطولاتهم لا تقل عن بطولات من شاركوا فى نصر أكتوبر المجيد.

كثيراً ما كنت أسمع عن بطولات وأمجاد من شاركوا فى بناء السد العالى وكيف أنهم تحدوا الصعاب وكافحوا لينال هذا الشعب عزته وكرامته؟، فقد كانوا يواصلون الليل بالنهار لإنجاز العمل فى الحلم القومى، لكن لم تشأ الفرصة أن تجمعنى بأحد هؤلاء الأبطال على مدار سنوات عمرى السابقة، وفى 2019 جمعتنى الظروف التى كان الفضل فيها لوزير الرى الدكتور محمد عبد العاطى باثنين من أبطال معركة البناء حيث استضافهم لتكريمهم على ما بذلوه فى تلك المهمة، وبصعوبة تثقالت معها كلمات التاريخ، روى الأبطال بكل فخر وعزة بعض من تفاصيل المعركة التى لم تمحها السنوات.

يروى المهندس عبد الرحمن شلبى، أحد المشاركين فى بناء السد العالى، تفاصيل عمله فى هذا المشروع قائلاً "كنت بجيب نتيجة البكالوريوس سنة 1962 من كليتى هندسة القاهرة، ولقيت نفسى ناجح، خرجت من البوابة كان فى بياع الجرائد واقف اشتريت منه جريدة الأهرام، كان فيها إعلان كبير جداً إن وزارة السد العالى بتطلب مهندسين للعمل فى مشروع السد العالى، طلعت على وزارة السد العالى فى أحد شوارع باب اللوق "لم يتذكر الاسم".

ويستكمل "دخلت مبنى الوزارة وقابلت وكيل الوزارة المهندس أحمد الزرقانى، وقولتله أنا قريت اعلان انكم عايزين مهندسين، وقبل أن أكمل الجملة تفاعل معى بسرعة شديدة، وقال أيوة عايزين مهندسين يلا خد تذكرة واطلع اركب القطر وعلى أسوان، قولتله أنا مبلغتش أهلى وميعرفوش ومفيش تليفون عشان أبلغهم قالى روح لهم، وفعلاً روحت قولت لهم على اللى حصل وإنى هسافر السد العالى.. قالوا لى يلا على بركة الله خلى بالك على نفسك وسافر.

ويوضح "تانى يوم روحت تانى على الوزارة وأخدت تذكرة عشان اركب القطر.. فوجئت وأنا بركب القطر بعدد كبير من زملائى الدفعات الجديدة رايحين أسوان عشان يبنوا السد العالى وفى الوقت دا كان فى موجة وطنية كبيرة جدا ببناء المشروعات القومية الكبرى زى السد العالى والمصانع الوطنية اللى فى حلوان، وكان فى اندفاع وحماس من الشباب عشان يبنوا السد العالى، ثم يعود ويستكمل ذكرياته دخلت القطر لقيت كل العربيات طلبة لسه متخرجين من كليات الهندسة رايحين أسوان يبنوا السد العالى.

ثم يأخذ نفس عميق ويتوقف لثوانى عن الحديث وعلى وجهه ابتسامة خفيفة تضيع ملامحها على تجاعيد وجهه، وصلنا أسوان وقابلنا موظفين العلاقات العامة فى وزارة السد العالى كانوا منتظرينا باتوبيسات، ونقلونا الى منطقة المساكن الشعبية فى عمارات السيل بأسوان عيشت فيها فترة، المهم شغلونى أول ما روحت فى مداخل الأنفاق التى تم تحويل مجرى النيل من خلالها وكان رئيس قطاع الانفاق المهندس صدقى تركى وكنت حاضر يوم ما تم غلق مجرى النهر وحولوا مياه النهر من القناة الأمامية إلى القناة الخلفية عبر الانفاق الستة، وفاكر لما المياه اندفعت وجرفت السد اللى كان فى مخرج القناة الخلفية ومن هذا اليوم المياه تحولت إلى المجرى الجديد وعبرت المياه إلى أنفاق السد العالى، ومنذ ذلك الوقت أنشئت وزارة الكهرباء التى لم تكن موجودة حيث انفصلت ادارة الكهرباء المائية والحرارية عن وزارة الرى إلى الكهرباء".

ويروى المهندس نبيل فوزى أحد المهندسين المشاركين فى بناء السد العالى، ورئيس هيئة الصرف الأسبق، تفاصيل عمله فى مشروع القرن" فخر ليا وبعتز انى اشتغلت فى السد العالى، وليا ذكريات جميلة فى هناك، أنا فى البداية ر كبت القطار من محطة مصر بعد ما تخرجت، ومن حسن حظى لقيت معايا زملاء ليا كانوا معايا فى الجامعة وصلنا السد العالى، وروحت للمهندس صفوت عبد الحميد شاهين، رئيس قطاع السدود، واللى بدوره استدعى المهندس بديع نبيل،مساعد مدير أعمال، وبلغه إنى هشتغل معاه، تانى يوم المهندس بديع بلغنى إنى هشتغل مع المهندس عبد الرحمن شلبى، وكان فى بداية معرفتنا خناقة بعدها أصبحنا أصدقاء وصداقتنا من عمر السد العالى".

ويضيف "لم أر الرئيس جمال عبد الناصر رغم أنه منحنى نوط الاستحقاق من الطبقة الأولى فى 1967، بمناسبة إطلاق الشرارة الأولى لمحطة كهرباء السد العالى، لكن كمهندس صغير فى هذا الوقت لم أر الرئيس عبد الناصر، لكن الوزير صدقى سليمان وزير السد العالى كان راجل عظيم جداً الساعة 3 و4 الفجر أجده فى الموقع وأشرح له ما أقوم بتنفيذ، يثنى على ويشجعى ويذهب إلى غيرى من المهندسين، ومن الأشياء الجميلة أن الوزير كان بيمشى لوحده ومش معاه حرس، وكذلك رئيس الهيئة المهندس صفوت شاهين، كانت العلاقات جميلة، وكنت بشاهد رؤسائى كل يوم وباخد منهم الخبرة ولم يكن موجود البعد فى العلاقات".

ويستكمل "رغم أن العمل فى السد العالى كان مرهق جداً ومتعب الا أننا جميعا كنا فخورين بأننا نعمل فى مشروع قومى اللى هو السد العالى، فى الصيف كنت بنزل الساعة 2 ونصف ظهراً ودرجة الحرارة 42 وأركب عربية جيب روسى لا يوجد فيها أى نوع من أنواع الرفاهيات والكماليات بوصل الموقع المكتب بتاعى فى كشك خشب لا تكييف ولا حاجة، وكان ممنوع أقعد فى المكتب كتير طول الوردية من 3 إلى 11 مساءاً، الشغل كان صعب، حتى وردية الليل العمل فيها كان بيبدأ الساعة 11 مساءاً حتى 8 صباحاً لك أن تتخيل فى الشتاء كنا بننزل الساعة 10 ونصف وأوصل الموقع الساعة 11 كنا بنشتغل على منسوب أعلى من منسوب القاهرة 150 متر كان صقيع لا يمكن وصفه، كنا 3 ساكنين مع بعض فى شقة، كنت بلبس بنطلون البيجامة وفوقه شراب كورة وبعدين البنطلون، وكنت بلبس بلوفرات كل اللى موجودين معايا فى الشقة فى وردية الليل، وكان ممنوع أقعد فى المكتب، لانى ممكن أغمض، والنوم أثناء العمل كان فى 3 أيام جزاء، فكان لازم الف فى الموقع طول الليل، العمل كان صعب جداً وشاق جداً، لكن فى وردية الليل لما ألاقى الوزير ورئيس الهيئة ورئيس الأعمال بيسلموا عليا كنت بتحمل وأكمل.

ويضيف "الوردية لو بتبدأ الساعة 3 لازم أكون موجود الساعة 3، وأعمل تقرير أشرح لزميلى اللى بعدى أقوله إيه اللى حصل وتم وإيه اللى المفروض يعمله، أقعد معاه نص ساعة افهم، اتعلمت فى السد العالى الجدية فى العمل الالتزام، الدقة، إزاى أعمل تقرير، فى الحقيقة السد العالى أسسنا كمهندسين، وصلت فى النهاية رئيس مجلس إدارة بعتقد إن كل نجاحتى اتبنت لأن السد العالى أسسنى كمهندس.

ويستكمل فهمى "فى يوم من الأيام صحيت وقادر أقوم من السرير ولا عارف أتحرك الدنيا بتلف ولازم 2 يسندونى علشان أقدر أمشى، وكان المستشفى العسكرى هى اللى بيتم الكشف فيها على المهندسين العاملين فى السد العالى، وصلت للدكتور وتم تشخيص حالتى التهاب فى الأذن الوسطى أخدت العلاج، وسألته الأجازة مدتها قد ايه؟ قالى مافيش أجازة هتنزل الشغل بكره وكتب لى عمل خفيف.. طيب إيه هو العمل الخفيف فى السد العالى؟ كانوا بيسندونى أركب العربية وأوصل الموقع.. ويسندونى وأنا داخل الموقع.. ويسندونى وأنا خارج.. هذا هو العمل فى السد العالى مفيش أعذار.. مفيش هزار.. مفيش دلع.. الارتباط بالمواعيد.. الارتباط بالبرامج الزمنية، كنا دائماً مرتبطين إن السد العالى ينتهى فى موعده، كان مقرر البدء فى 1960 والانتهاء 1970".