محمود حمدون يكتب : سيف مبتور

السبت، 05 يناير 2019 08:00 م
محمود حمدون يكتب :  سيف مبتور  فارس على فرس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما أشدُّ غرابة ما رأيت اليوم, فارس يمتطي صهوة جواد خشبي , يُمسك بيده على مقبض سيف مبتور من منتصفه , لحيته مسترسلة , كأنما كان نديماً لأهل الكهف , يسير بتؤدة بين السيارات الحديثة المارقة , لا يُعير الناس اهتماماً , هم لا يلتفتون إليه , فكُلّ في شغل .

 

على الناصية المقابلة , شبح طفولي الوجه و إن بدا بعينيه لؤم الثعالب و خُبث الضباع , يقف بقامته القصيرة و بطنه الناتئة , يتلاعب الهواء بقميصه و شعره , كان يرقب " الفارس " بعيني صقر , يدوّن بدفتر صغير يُخبئه بحرص بين طيات سُترته , يُخرجه على استحياء , يكتب كل شيء , سكنات الفارس و حركاته , حتى تلك الخلجات التي تعتري وجهه من ألم جوع أو ارهاق سير طويل .

 

اقتربت من بائعة الجرائد العجوز , حيّيتها كما أفعل صبيحة كل يوم : صباحك خير , مشهد غريب , ألديك تفسير ؟

 

لعلها شارفت على التسعين من عمرها , فقد غارت عينيها فلا يبدو منها إلاّ لمعان طفيف يأتي كل فترة , يُظهر للمارة أنها لا تزال تحيا بينهم , رمقتني بدورها , ارتعشت أجفانها الثقيلة قائلة : أدري أنك " زبون " قديم , قارئ نهم للأخبار , تعزل نفسك عن الجميع , لك عالم صنعته على عينك , فلما سؤالك ؟ كما أن الاجابة لن تشفي غليلك.!

 

= عافاك الله , كيف لا تنتفضين لرؤية غريب يحيط بك ؟ فبضاعتك المعرفة .. من هذا " الفارس "؟ منظره مألوف لديّ , لكنيّ لا أتذكره .. من ذاك المترصّد الكامن هناك ؟ كأني أعرفه جيداً , ألتقيه كل يوم , لكن عقلي توقف عن الوصول إلى اسمه .. ثم كيف يسيران بين الناس دون أن يلتفت إليهما أحد ؟! أداء تمثيلي رخيص لرواية عالمية مشهورة ؟! لعلها كذلك .

 

كنت أحدّثُ نفسي , أسترسل في تساؤلات و أطرح إجابات ,بينما يفتر ثغر المرأة عن ابتسامة ضئيلة , تغتصبها من بين براثن شيخوختها , كانت تُنصت بقلق , غير بعيد " الفارس " ينطلق في حركة دائرية يواصل غزواته , بينما أصابت الرقيب " حُمّى" , فغمره عرق شديد بعد أن فرغت صفحات دفتره الورقي الصغير ..

 

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة