يحكى أن قاضى القضاة سأل رجلاً من الأعيان يريد أن يعين فقيهاً ببعض المحاكم: هل تحفظ القرآن؟، فأجاب: أيد الله مولانا القاضى، وعندى مصحف مليح بخط مؤلفه، فتحقق القاضى من جهله وطرده.
وتوقفت بنا السيارة فى قرية صغيرة من قرى البحيرة، ونحن عائدين من مؤتمر أدبى لنصلى الجمعة، فدخلنا زاوية صغيرة، وكان صبيا يقف على المنبر يخطب، فقال: إن يهوديا تحدى سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) سأله عدة أسئلة منها: كيف يقول الله للشىء كن؛ فيكون؟، وكان النبى يجلس على مقعد، واليهودى على آخر، فتبادلا الأماكن، وقال النبي: هكذا يقول الله للشيء كن فيكون.
وسأل اليهودى: كيف يُعذب إبليس بالنار مع أنه مخلوق من النار، فقام النبى وضربه بقالب طوب حتى أسال دمه، وقال له: أنت مخلوق من الطين، وها هو الطين يجرحك ويسيل دمك، واقترب الأستاذ عبد الحفيظ نصار ، وكان مدرسا للغة العربية، وأديبا وعالما فى الدين، فصافح الفتى، وقال له:
جميل أن تتصدى لخطبة الجمعة وتؤم المصلين، وأنت فى هذه السن المبكرة، لكن ما قلته عن لقاء الرسول واليهودى ليس حقيقيا، إنما هى خرافات.
فإذا بالفتى ينحنى على يد الأستاذ عبد الحفيظ نصار محاولا تقبيلها، قائلا: ليتك خطبت الجمعة بدلا منى، وصليت بنا فأنت أحق.
وذلك يذكرنى بما حدث فى الشركة التى كنت أعمل بها منذ سنوات طويلة، فقد أقامت الشركة معرضا للكتب فى المسرح، وفوجئت برواية جمال الغيطانى "التجليات" موضوعة ضمن الكتب الدينية.
ونشرت قصة فى جريدة الأهرام عام 1994، بعنوان "الشيخ عبد الصمد" تحكى عن موظف فى إدارة إحدى الشركات، له زميل معجب برجل اسمه عبد الصمد يعمل فى المصنع، ويحكى له كثيرا عن مدى تدينه، وقدرته على الإقناع، وفتواه التى لا تحيد عن الحق وأن لديه مكتبة كبيرة فيها كتب الفقه والسيرة.
وجاء هذا الزميل مع الشيخ عبد الصمد لزيارة راوى القصة فى وقت متأخر من الليل، واعتذرا لأنهما يجيئان متأخرين. لكن للضرورة أحكام، وهذه الضرورة أنهما يريدانه أن يذهب فى الغد لأداء امتحان قراءة وكتابة فى مقر اتحاد العمال، لأن الشيخ عبد الصمد سينزل – بإذن الله – فى انتخابات نقابة الشركة، ولابد له من إجادة القراءة والكتابة، وهو لا يعرفهما ودهش راوى القصة، كيف لا يعرف القراءة والكتابة وهو لديه هذه المكتبة العامرة بالكتب القيمة، فقال زميله:
- أصل عنده ابن فى السادسة الابتدائية يقرأ له.
وسأل زميله: كيف سأمتحن مكانه.
قال الزميل: الأمر سهل، سنزيل صورة الشيخ من بطاقته، ونثبت صورتك مكانها.
وسأله: ولماذا لا تذهب أنت وتمتحن مكانه؟
فقال: ذهبت كثيرا، وكاد أمرى ينكشف فى آخر مرة.
وذهب راوى القصة إلى لجنة الامتحان، وتقدم الشيخ عبد الصمد إلى الانتخابات، وحصل على أعلى الأصوات، وأصبح رئيسا للنقابة.
ولكى يرد جميل راوى القصة، فقد جعله عضوا باللجنة الثقافية بالشركة، التى يرأسها هو.
وقد قرأ القصة الدكتور رءوف سلامة موسى، فقال لي:
- هذه القصة ستسبب لك مشاكل فى الشركة التى تعمل بها.
- لكننى لا أقصد أحدا بها.
- ولو.
وفوجئت برئيس النقابة بالشركة يغضب مني، ويقول لزملائه فى الإدارة التى يديرها:
- ده كاتب مش مشهور.
فقد كان موظفوه يضعون له القصة فى درج مكتبه، وكان يكتفى بقراءة عنوانها، فهو غير قادر على قراءتها كلها، فقدرته على القراءة محدودة، ووصل إلى درجة مدير لأنه رئيسا للنقابة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة