عفاف عبد المعطى تكتب: ميثولوجيا الأشباح

الإثنين، 21 يناير 2019 08:00 م
عفاف عبد المعطى تكتب: ميثولوجيا الأشباح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
  مع التوالى المتباعد لإصدار الروائى المبدع هانى عبد المريد لرواياته الواحدة تلو الأخرى يقدم عالما خاصا وإن اقترب العالمان فى روايته الصادرة منذ عامين "أنا العالم " وكذلك فى روايته "محاولة الإيقاع بشبح"الصادرة مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية. فقد آثر فى كل منهما توظيف الميثولوجيا وإن اختلف المتن الروائى فيهما. 
 
فى رواية محاولة الإيقاع بشبح يجد القارئ نفسه أمام روايين يتداول كل منهما السرد وعبرهما يقدم إلينا النص وتفاصيل الشخصيات ومنظومة العلاقة بينهم، أولا الأم هانم ربة الأسرة التى تعمل فى الطبخ المنزلى ومن ثم توصيله إلى الزبائن المختلفة من أفراد أو مؤسسات، وثانيا ابنها الأوسط يامن الذى يسرد الرواية من وجهة نظره ذات الاثنى عشر عاما إذ إنه فى مرحلة الصبا. 
محاوله الايقاع بشبح
 
وعبر هانم ويامن نتعرف على أزمة كل منهما أزمة هانم التى تكمن فى تحول زوجها مرزوق وولدها مازن وابنتها فريدة إلى خُشب مسنّدة، وعلى الرغم من غرائبية الوصف بتحولهم إلى كائنات مطاطية إلا أن الوصف المشاعرى الذى يظهر للقارئ عبر السيدة هانم هو ما يفيض على النص بنبض خاص. 
قام النص بشكل أساسى على الراويين الأم هانم والابن يامن، حيث يصف كل منهما أنقاضا من البشر ومع توالى السرد يشعر القارئ أنهما بالتبعية سيصبحان هما أيضا أنقاضاً، هانم هذه السيدة التى تتشارك فى إعالة أسرتها فجأة تجد أن ثلاثة من أفراد الأسرة تحولوا إلى كائنات مطاطية خالية من الروح صُبّت فى مكانها على وضعها، الزوج مرزوق واقفا فى حجرة والابن مازن مسطحا على سريره رافعا قدما على الأخرى ثم الابنة فريدة فى باحة الشقة ترقد على بطنها ممدة رجلا ورافعة الأخرى حيث كانت قبل التجمد تستعد لاستذكار دروسها.
 
 
 تلك الراوية (هانم) أولا تنقذ ابنها يامن (الراوى الثانى) بإلحاقه بالعيش مع خاله يونس حتى لا يلقى مصير أخويه وأبوه واحترازا من عدم تعرضها للتجمد هى الأخرى فيصبح الصبى ذا الاثنى عشر عاما وحيدا مشردا، استطاع السرد عبر رؤية هانم أن يقدم الشرك الذى وقعت فيه بينما قدم جزء من الحل ليترك للقارئ حيرة التساؤل هل سيعود الثلاثى مرزوق/ مازن/ فريدة إلى سابق عهدهم البشرى أم سيظلون على ما هم عليه ومن ثم يرسخ الكاتب هانى عبد المريد مقولة أن البشر أبناء الحكاية فكلنا يحب الحكاية ويستمع إليها ويقرأها أو يشاهدها وبالتالى إعادة انتاج الفعل الحكائى الذى تقوم به بعد ملاحظة أنها عندما تروى للكائنات المطاطية (مرزوق/ مازن/ فريدة) حكاية يلتئم جسده المطاطى ولا يعانى من التشقق فتذهب إلى العجوز وقد اتخذ السرد فى النص عبر الراوية هانم قدرا من الأسطورية، حيث وصف عالم السيدة العجوز ذات الريش الذى يكسو جسدها ومن ثم تتلقفها الطير وتتلقف هى الأخرى الطير فى علاقة من المؤنسة أو التعاش الجميل المشترك ومع كل زيارة لهانم للسيدة العجوز يشعر القارئ أنه داخل إلى عالم ألف ليلة وليلة، حيث تلقى هانم برأسهاعلى فخذ العجوز التى بدورها تحكى لها حكاية وهى تداعب فى شعرها ومع توالى هذه الصورة يجد القارئ نفسه أمام شكل من السرد الأسطورى الذى استخدمه عبد المريد كى يقدم لحيرة هانم حلاً فى معالجة الكائنات المطاطية التى أصبحت مصيرها المحتوم وقدرها التعامل معها وإنقاذها لأنها خالية من الروح والجسد البشرى فلا يمكن حتى دفنها بالطريقة التقليدية البشرية، ومع توالى الزيارات للعجوز تأخذ منها هانم نصف الحل الذى يحول الكائنات المطاطية (مرزوق/ مازن/فريدة) إلى كائنات ليست مطاطية لكنها أجساد خالية من الروح منتظرة رواية هانم للحكاية التى ستعيد إليهم الروح.
أما يامن الابن الأوسط لأسرة هانم فيقع فى شرك أكبر مما وقعت فيه الأم فهو يعيش مع كائن آخر جاء من عالم غرائبى هو الخال يونس أو الشيخ يونس الضرير حسب توصيف عامة جيرانه له وهو –فى رأيى – أفضل شخصية مكتوبة فهذا الضرير الذى يعيش على الكفاف –نعرف عبر السرد أنه كان طباخا لكن كيف آل به الحال إلى فقد البصر ذلك جزء من مبهمات النص – ليست له وسيلة فى العيش تساعدة على الحياة إلا مراقبة جارته السيدة فواكه المتزوجة من حسين (يصف النص عبر خلفية بسيطة عنها القهر الذى عانته من زوج أمها) الذى يعاملها بقسوة – خاصة جنسية- وقد باتت فواكه (فوفا) بالنسبة ليونس الضرير برائحتها النفاذة سبيلا للهاث إلى بهجة الحياة مما جعله يُجنّد ابن اخته يامن لمراقبتها عبر النافذة بالتفاصيل شكلا وموضوعا لوصف السيدة (فوفا) التى ينتهى عليها النص وهى تبادل الشيخ يونس الضرير التحية وهو جالس لمراقبتها ليس بالعينين التى افتقدهما ولكن بالحس الذى يشتهر به والشعور بأنها (فوفا) شريان الحياة ورئته التى يتنفس منها فيكمل المعيشة فى بيت وصفه أيضا الراوى يامن كوصف منازل ألف ليلية وليلة حيث العناكب والعقارب وكل الحشرات التى تعشش فيه بأنواعها. 
بدون زخرفة التزم النص بمقتضيات الأسطورة مع تفاصيل سرد لأبطال مهزومين، وحيونات خرافية، بل إن كل ماكان يُعوّل عليه الساردين (هانم/يامن ابنها) هو أقصاء الواقع قليلاً، من صيغة المعقول إلى اللامعقول، مع خلق بعض المستويات الحكائية فى متن النص، من قبيل المزاوجة بين هيمنة الرواى على السرد من رؤيته فحسب، وترك بعض الحيرة للقارىء للنهايات غير التامة خاصة فيما يتعلق بهانم وأسرتها من البشر الذين تحولوا الى خُشُبٌ مسنّدة. نص صغير الحجم كبير القيمة قدمه الكاتب هانى عبد المريد باحترافية روائى مدرب على الصياغة الشائقة التى تجعل القارىء يلهث وراء النص حينا ويقع فى شرك ألغازه حينا آخر. 
 
 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة