عفاف عبد المعطى تكتب: إدوارد سعيد وإسقاط الأقنعة

الأحد، 30 سبتمبر 2018 11:00 م
عفاف عبد المعطى تكتب: إدوارد سعيد وإسقاط الأقنعة عفاف عبد المعطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم يكن إدوارد سعيد ناقدا أدبيا ولا استاذا للآداب المقارنة فى جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة ولا مفكرا سياسيا فحسب، بل كان مفكرا موسوعيا بمعنى كلما رأى أنه يجب أن يقول كلمته بشأن عدالة اجتماعية عالمية ما كان يقولها غير مبالٍ بأى ردود فعل، سلبية خاصة، تجاهه.

 

وتمر هذه الأيام الذكرى الخامسة عشر لرحيل المفكر الكبير إدوارد سعيد مما يجعلنا نعاود التذكير بما قدمه سعيد فى مشروعه النقد/ سياسى، فى نهاية السبعينيات خرج علينا سعيد بكتابه المهم "الاستشراق"، والذى مثل حدثا مدويا آنذاك، لكن ما الذى جمع كل من إدوارد سعيد وفرانز فانون، وهومى بابا، وسبيفاك وكلهم من كتاب وأكاديمى نظريات ما بعد الاستعمار؟ ذلك الخطاب الذى يعتمد بشكل رئيسى على وحدة المعرفة وعلاقات القوة وترابط الاثنين بشكل وثيق، ومن هذا المنطلق يقوم هذا الخطاب على فكرة أن القوى الاستعمارية قامت بتعريف وتحديد ماهية الدول المستعمَرة أى "الآخر" وفقا  لمنظومتها المعرفية وخدمة لأهدافها الاستعمارية، وبهذا فإن المستعمر (الغربى) عرّف "الآخر" على أنه غير حداثى، غير ديموقراطى، بربرى، وما إلى ما ذلك من صفات مناقضة لقيمه المجتمعية بهدف تبرير الاستعمار أيا كان نوعه سواء استعمار فكرى أو اجتماعى ملموس كان أم غير ملموس، أى اعتبار تدخل المستعمر عملاً تنويريا تجاه السكان الأصليين، وذلك يهدف فى صميمه إلى تبرير الاستعمار واستغلال موارد وثروات الدول المستعمَرة سواء كانت ثروات وموارد تحقق للمستعمِر الاكتفاء المادى أو تجعله يعوض ما يحتاجه بغية التطور التكنولوجى المذهل الذى تصدره الدول الصناعية الكبرى للشرق مرة أخرى بأبهظ الأثمان.

 

يعتمد خطاب ما بعد الاستعمار على التفكيكية فى قراءة النصوص التى تشكل الركن الأساس فى تعريف "الآخر" بغية التمهيد لإخضاعه والسيطرة عليه. وفى هذا الإطار يبرز عمل سعيد الاستشراق فى أنه يقوم بدراسة جنيولوجية (جينية/ نفسية) للمؤلفات الغربية حول الشرق منذ القرن الثامن عشر، والتى أدت بحسب سعيد إلى وضع الإطار النظرى للاستعمار.

 

ويعتبر معظم مفكرى الخطاب ما بعد الاستعماري- وفى مقدمتهم جاك دريدا وإدوارد سعيد - أن الأسس المعرفية للفكر الاستعمارى لا تزال موجودة حتى يومنا هذا، لذا يسعون إلى تقديم خطاب جديد يعيد صياغة الإطار المعرفى الغربى حول الشرق، كما يبحث مفكرو ما بعد الكونيالية/ الاستعمارية أيضا  عن سُبل تخطى الآثار التى خلفها الاستعمار على الشعوب التى عانت منه، لا سيما على الصعيد الثقافى الذى استمر لمدد طويلة قد تصل الى قرون بعيدة، ويسعون إلى ذلك من خلال التعالى ضد الفئات المهمشة فى المجتمعات التى خضعت للاستعمار، تلك الفئات التى يقع عليها كل الضغوط الاجتماعية الممكنة والتى يأخذها المستعمر تكأة للصياح حول جهل الدول التى تمتلك ثروات وموارد لا تعرف قيمتها ولا كيف تديرها فتحولها الى موارد تفيد البشرية، غاضة الطرف على أن التجهيل لهذه الفئات المهمشة فرد عين وواجب يتم بالقصد من أجل الاحتلال الفكرى والاجتماعى خاصة لدول الشرق الأوسط التى تمتلك معظم ثروات العالم.

 

لذلك استطاعت الثقافة الغربية عن طريق ما دعاه سعيد بالاستشراق أن تتدبر وتعيد إنتاج وتقسيم الشرق سياسياً، وعسكريا، وعلميا، إضافة الى الحدود المُعوقة التى فرضها الاستشراق على الفكر الذى اجتاح الشرق وأعاد تقسيمه سياسياً واجتماعياً وعسكرياً وعقائدياً وعلمياً وقبل ذلك تكنولوجيا. ومن جهة أخرى يتحدث إدوارد سعيد عن الاستشراق الذى احتل مركز السيادة ومن ثم فرض قيوده على الفكر الشرقى وحتى على من يكتبون عن الشرق. وغاية حديثه هذا هو الوصول إلى كيفية حدوث كل ذلك ليظهر أن الثقافة الغربية اكتسبت المزيد من القوة والهوية بوضع نفسها موضع التضاد مع الشرق باعتباره ذاتاً بديلة لها حق الهيمنة والسيطرة على الأخر الضعيف.

 

إن جهد سعيد وغيره من نقاد فكر ما بعد الاستعمار فى فضح ألاعيب الاستعمار وأهمها تقسيم الشرق الأوسط الجديد الذى قادته الولايات المتحدة باقتادر خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001 هو ما يسم فكر سعيد بالاستشراف لما حدث ولا يزال يحدث – خاصة تجاه العالم العربى – حتى الآن، وعلى الرغم من بواكير أفكار سعيد فى طرح فكرة الاستشراق 1978 الذى اعتبره المستعمِر حق أريد به باطل إلا أن الوضع السياسى العالمى يزادا سوءًا والهيمنة الغربية (خاصة الأمريكية) الاستعمارية تُحكم آليات السيطرة التكنولوجية والاقتصادية على الشرق الأوسط خاصة العالم العربى الأبى على التعليم والثقافة.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة


لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة