لم تترك التكنولوجيا أى مهنة أو مجال لدخوله وتقديم طفرة به وتسهيل العمل على الإنسان، تلك المهن على اختلاف أشكالها ومدى صعوبتها، إلا أن هناك العديد من المهن التى لم تستطع التكنولوجيا الدخول فيها حتى الآن لتظل هذه المهن رافعة راية التحدى للتكنولوجيا، على الرغم من المواجهات الصعبة التى تواجهها للاستمرار وعدم الاندثار.
"المنجد، وصانع حدوة الحصان، وصانع السرج، ومسنن السكاكين".. كلها مهن حتى الآن تقف صامدة أمام سطوة التكنولوجيا فى جميع المجالات، إلا أنها تواجه شبح الاندثار، وهذا ما حرص "اليوم السابع" على استطلاعه مع بعض أصحاب تلك المهن، والتعرف على يومهم من بدايته وحتى نهايته.
"التنجيد دا فن له ناسه اللى بتقدره، والتنجيد الجاهز مهما طلع عمره ما يغطى عليه، زمان كان أهل العروسة بيستضيفوا المنجد عندهم أسبوع كامل لتنجيد جهاز العروسة، وكان فرحتهم بالتجنيد لا تقل فرحة عن ليلة الدخلة، حيث يتم إقامة احتفال للتنجيد عن طريق تشغيل التسجيل وتقوم نساء العائلة بالرقص، كما تقوم أفراد العائلة بإعادة تدوير مراتبهم القديمة والكنب فرحا بالزفاف".. هكذا روى طارق هنداوى 58 سنة حاصل على بكالوريوس تجارة، ومقيم بمدينة الزقازيق، حكايته مع التنجيد اليدوى.
وأوضح "هنداوى": "ورثت المهنة أبا عن جد، وجدى أول من عمل بها، وله محل فى الزقازيق كان يستأجره من شخص يونانى الجنسية، وورثة والدى، وحاليا أنا وشقيقى الأكبر بعد أن أحيل للمعاش وكان مهندسا بالكهرباء".
وتابع: "بعد ما حصلت على المؤهل العالى سافرت السعودية فترة، وعدت سنة 2000، لم أجد فرصة عمل واحدة فى البلد، وتعرضت لعملية نصب من أجل توفير فرصة عمل بقطاع حكومى، إلا أنى اتفقت مع شقيقى الأكبر على العمل بمحلات والدنا بعد وفاته، ونقوم بعمل التنجيد اليدوى".
وعن أنواع القطن المستخدم فى عملية التنجيد، قال: القطن الفلاحى ويطلق على القطن الشعرى الفلاحى، والكيلو منه يقدر بـ50 جنيها يأتى فى أول أنواع القطن المستخدم لكونه ناصع البياض فهو الذهب الأبيض، وبعده القطن الصوف الذى يستخدم فى عمل الكنب والأنتريه الأسيوطى لكونه رخيصا والكيلو منه بـ 3 جنيهات إلى 5 جنيهات، ثم قطن الحراير والكيلو منه من 10 جنيهات إلى 15 جنيها، والغالبية العظمى من الأهالى تفضل استخدام القطن الأبيض، وجهاز العروسة يستغرق يوما واحدا معى لتجهيزه ويكون عبارة عن مرتبتين ولحافين ومخدتين، إلى جانب مراتب غرفة الأطفال، لكن حاليا أغلب العرائس يفضلن شراء التنجيد جاهزا بنسبة 90% وشراء تنجيد تفصيل بنسبة 10%، لكن أغلب الأهالى فى الريف يفضلون التفصيل لعلمهم بقيمته، والمهنة حاليا شغالة بنسبة 50%.
وأضاف، أن التفصيل فى التنجيد له فوائد كبيرة عن التنجيد الجاهز، لأنه صحى ونظيف ويشرب المياه الناتجة عن العرق أثناء النوم، ويسهل إعادة تدويره عن الجاهز، الذى تقل قيمته فى حال حدوث قطع فيه.
"الحدوة روح الحصان.. لو يقدر الإنسان يمشى بدون حذاء يمشى الحصان، وعلبة مسامير محدبة وشاكوش وسكين والكماشات والمبارد والملاقط هى وسيلتنا للحفاظ على قدم الحصان".. هكذا بدأ صابر أبو عمار حديثه عن مهنة صنع الحدوة للأحصنة "البيطار"، وتقليم الحوافر حتى يتمكن من السير لمسافات طويلة لأنها بمثابة فرامل تحفظه من مخاطر الإسفلت.
وأكد صابر البيطار، أنه يعمل بالمهنة منذ ما يزيد عن 50 عاما حيث ورث الصنعة عن والده وهو فى العاشرة من عمره، ليصبح أحد أمهر الصانعين بها، حيث تخصص فى تركيب حدوة للخيل بكل أنواعها الكارو والخيول العربية الأصيلة التى تتميز بالجمال بالإضافة لتقليم الحوافر ومعالجتها وتجميلها.
وقال "صابر"، إن المهنة تواجه شبح الانقراض وخاصة بوجود سيارات النقل، وهذا يتسبب فى قلة عدد الأحصنة الخاصة بعربات الكارو بالمنطقة، لتقتصر على الأحصنة الراقصة والخيول العربية الأصيلة، موضحا: "المهنة أصبحت من التراث وأوشكت على الانقراض، ووجود سيارات النقل والتروسيكلات أصبح يهدد خيول الجر، ومفيش شغل غير للأحصنة الراقصة والخيل العربى الأصيل".
وأضاف، "الأسعار أصبحت نار نظرا لاستيراد المسامير من الهند، بجانب ارتفاع أسعار الكاوتش من المصانع، وأنا بدأت مع والدى وكنا بنركب الحدوة بـ 2 و3 جنيه دلوقتى عدت الـ 60 جنيه، وبالرغم من ده بتخسر لأن مفيش حمير بتركب حدوة إلا نادرا، وبدأت دلوقتى فى ابتكار حدوة للأبقار والجاموس الرحالة، لأن الإسفلت يساعد على تآكل حافر الحصان والأبقار الرحالة".
وأوضح، "الحرفة دى الغلطة فيها بضياع الحصان، يعنى تركيب المسمار بجانب الحافر بعيدا عن الظافر الحى حتى لا يصاب الحصان بالتسمم (التيتانوس)، وأيضا تقليم الحافر للحصان بعد ما تخلص تركيب الحدوة، علشان الشكل الجمالى للحصان، لأن الحصان أشيك حيوان على وجه الأرض، لاهتمامه بنظافته ويحب يتعايق ويحب صاحبه جدا".
واستطرد "صابر"، "حكاية أن الحدوة تجلب الحظ خرافات ليس لها أساس من الصحة، وتمنع دخول الشيطان المنزل وتمنع الحسد، وفيه كتير من السيدات بيطلبوا حدوة الحصان على إنها تجلب لحاملها الحظ السعيد، وأولادى بيقفوا معايا بعد الدراسة لكن هما فى تعليمهم، لأن المهنة متأكلش عيش ومش هتفتح بيت".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة