القس مكاريوس فهيم

ما بين العناد الكنسى المقدس والشيطانى

الإثنين، 14 يناير 2019 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الفارق الشاسع بين كلمة المقدس والشيطان يدعونا للتأمل قليلا علنا وكثيرا سرا، تحسبا لشطحات القلم الذى يصعب التحكم فى النقطة والحرف، بل الهمزة التى يسطرها «ربنا يسترها علينا»، التى قد تتسبب فى إصابة يد الكاتب بالشلل، ويعجز عن أن يمسك بالقلم بيديه لأن الأغلال الحديدية قد تلتف حول معصمه فيصرخ مع د. إبراهيم ناجى فى إطلاله «آه من قيدك ادمى معصمى»، ولذلك عزيزى القارئ.

وبالطبع سوف يقرأ الصديق والعدو والمتربص والخائن والناقد الذكى والغبى الطويل والقصير، ولذلك أضطر آسفا أتلمس كل كلمة وأعدل وأبدل وأشطب بل أمزق الأوراق بكلماتها استجابة للمبدأ العظيم لعبدالحليم حافظ «خايف وأكتب وأنا خايف.. أيدى فى أيدك وأنا خايف» وبالمناسبة مقالى للجميع وليس لطائفة محددة ومن يبحث عن مقال دينى صرف عليه بالصحف والمجلات الدينية ومثله الكروى، وما أكثر تخصصات الصحف المصرية.. ما علينا.

العناد الكنسى يا إخوتى قد يتخذ المسار المقدس أو الشيطانى وبنظرة ثاقبة للتاريخ نجد الأب الكبير للبشرية جمعاء وهو فى الجنة يرفض أوامر الله بعدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، ويعانده مع أمنا حواء شريكته فى العناد الشيطانى تنفيذا لرغبة ابليس فى عصيان أمر الرب ويأكلان فهذا العناد شيطانى، وبولس الرسول ينطبق عليه النوع الآخر وهو العناد المقدس ضد أولاده وتلاميذه عندما قرر الذهاب إلى معقل اليهود والكتبة والفريسين فى أواخر أيامه على الأرض ويرفض تلاميذه بشدة، ولكنه يتمسك برأيه ويصر على المضى فى طريقه معاندا كل معارضيه وما أكثرهم.

والآن؟؟ فى كنيستنا أيضا نجد أصحاب كل نظرية على حدة والكل يتمسك بعناده، مؤكدا أنه مقدس والآخر شيطانى ويظهر هذا جليا على المستوى الدولى أيضا بوجود الانقسام الكنسى، وظهور الطوائف المتعددة المذاهب والآراء والتفاسير المختلفة وبداية هذه الانقسامات ترجع إلى عام 451م ومازالت حتى الآن، والغريب والعجيب هو وجود العناد الشيطانى المستتر بقناع العناد المقدس، فنجد من يندفع فى حركة عنترية جهبزية للم الشمل، واتخاذ خطوة نحو الاتحاد المفاجئ دون روية أو دراسة أو أعداد مسبق بخطوات تمهيدية معلنة للجميع!!.

وينصح العقلاء والحكماء ولكن العناد غير المقدس يستمر فى خطواته الطويلة حتى يتعسر ويكون الفشل الذريع من نصيبه!!! نجد هذا أيضا فى مشكلاتنا العائلية وما أكثرها حيث تبدأ المشكلة بالعناد المقدس نتيجة حدوث أخطاء من أحد الطرفين، وتنتهى بالعناد الشيطانى والنتيجة خراب عش الزوجية ويتحول إلى «عيش الغراب».. ونعرج قليلا و«من بعيد لبعيد وحدينا» إلى الكبار فى الكنيسة ونجد أيضا العناد فى الرأى والتمسك بالحجة والبرهان، وأحيانا بدونهما أيضا، لأن الكبير كبير والمنصب والجاه والسلطان والعظمة فى عصر كنيستنا الحالى يمنح صاحبه صلابة العناد وقسوته الغير مبررة.

وللأسف بظن الكثيرين أن المنصب يمنحه الصواب والحكمة الدائمة فى التفكير، بل التعليم أيضا وهذا جهل عظيم ومخالف لكلام الرب والروح القدس الذى جاء على لسان بولس الرسول فى نصيحته لتلميذه تيموثاوس الأسقف «لاحظ نفسك والتعليم.. تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا»، ويقودنا هذا إلى ضرورة المناداة بالاهتمام بالجانب الثقافى والعلمى والفلسفى و...... إلخ، لكل من يتم ترشيحه لرتبة الأسقفية أو البابوية فى الكنيسة، خاصة أن هذه المناصب الكبرى والحساسة والخطيرة يتم اختيار صاحبها من طائفة الرهبان الذين، حسب قانون الرهبنة، انقطعوا عن العالم تماما ووسائل المعرفة ومتابعة التطورات العلمية والسياسية والاجتماعية، وفجأة يتم اختيار أحدهم فى أيام قليلة لهذه الرتب الكبيرة؟! كيف يخدم- وهذا أساس وظيفته الجديدة- شعبه ويقود أولاده وكنيسته ويحل مشاكلهم الاجتماعية والمادية والعلمية و.... إلخ؟؟ النتيجة الفعلية والواقعية مؤسفة للغاية، لأنها تقود صاحبها للعناد الغير مقدس، حيث لا يجيد لغة وأساسيات الحوار ولا يتفهم إطلاقا كينونة شعبه بمختلف طبقاته من مبادئ وسلوكيات وثقافات، بل الخطايا المتنوعة والمستحدثة المسايرة للتقدم الهائل فى مجالات الميديا.

وعندما نطالب الكبير بضرورة الاهتمام بدراسة هذه المجالات المختلفة إذا به يعارض ويعاند ويحول دفة النقد البناء إلى شماعة الطاعة الكنسية المطلقة ويطالب بها الجميع ثم ينادى بمبدأ التواكل على الله والتمسك بالقديسين والملائكة والقوات الروحية متجاهلا أوامر الرب لنا بالاهتمام بالعلم والدراسة، ويكفى كمثال يوضح هذه الحقيقة، لعلهم يفهمون، أن بالكنيسة صلاة مطولة لتقديس الزيت تسمى «صلاة القنديل» يجريها الكاهن للإنسان المريض، وأوصى السيد المسيح والروح القدس ويعقوب الرسول «أمريض أحد.. يدهنوه بالزيت».

وهذا بالطبع جنبا إلى جنب مع الآية الذهبية «صل وادع الطبيب لأن الطب من الله»، ولذلك بولس الرسول طلب من تلميذه المريض بداء فى المعدة، أن يشرب قليلا من الخمر للعلاج السائد وقتها «مثلما كان شرب ماء الشعير «البيرة» علاجا لأوجاع الكلى»، كما أنه لتأكيد أهمية القراءة والأطلاع أمره أن يرسل له الرقوق والكتب لمداومة القراءة وتثقيف نفسه مع أنه كان فى أيام شيخوخته، لذلك نرجو أن نطبق هذا التعليم على كل المشكلات الكنسية فعندما نناقش قضية الوحدة بين الطوائف علينا بالصلاة والصوم وقراءة الإنجيل، ثم ندعو طبقة المثقفين المتخصصين والعلماء وليس تجاهلهم، فمنهم جهابذة وأحدهم مثلا كان «عالم وعلامة وعلامه» فى مجال الحوارت واختلاف الطوائف، وتم استبعاده من المشاركة لأسباب مجهولة أو معلومة نعمل نفسنا مش عارفين أحسن!.

وهكذا فى علاج مشكلات الأطفال ومدارس الأحد تلجأ الكنيسة للأخصائيين فى مجال الطفولة ولا داع للعناد الشيطانى الذى قد يدمر الكنيسة مثلما يفعل البعض متمسكا برأيه وعنادة وتكرار أخطائه حتى مع أقرب الأصدقاء ضاربا عرض الحائط بنصائحهم، وقد عاصرت بنفسى مشكلة أحدهم لجأ لأحد كبار الأساقفة للتدخل لدى أولى الأمراء، ولكنه فشل فلجأ لآخر وكان الفشل أيضا من نصيبه والغريب أن كل منهما قال أمامى بهدوء «الراجل عنيد ودماغه ناشفه»، ولمت وعاتبت برقة مهذبة «هو صديقك وتعرف عناده فلماذا رشحته للمنصب؟»، وهذا هو حال كنيستنا فى بعض مشكلاتها الصعبة بين الأكليروس بمختلف درجاته عندما يعاند الكبار فقل عليه أو عليها أو عليهم السلام، وأختم كالعادة بحكمة ثومة: «... وعز عليك تسيب العند وتسامح».










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة