سامى عمار يكتب: ألمانيا والشرق إيد واحدة

السبت، 29 سبتمبر 2018 10:00 ص
سامى عمار يكتب: ألمانيا والشرق إيد واحدة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ارتدى ثوباً أبيض وحمل على حصانه إكليلاً من الذهب الخالص وخرج من قلب أوروبا صوب الشرق العريق لينحنى أمام ضريح صلاح الدين الأيوبى، إنه قيصر ألمانيا فيلهلم الثانى خلال زيارته الفريدة للشرق العربى عام 1898 والتى لا يضاهيها حدثا سوى حفل افتتاح قناة السويس، الذى تم بحضور قياصرة وملوك أوروبا عام 1869.

 

قد تبدو صدفة تاريخية رفض ألمانيا عام 2003 الانضمام لضربات التحالف الدولى فى العراق خلال مداهمات جيوش الإمبراطورية الأمريكية للرؤساء المارقين فى الدول التى تجاوزت الخطوط الحمراء، لكن ألمانيا انفردت بسياسات خارجية مغايرة تجاه الدول العربية أو بالأحرى "الشرق".

 

ومنذ أسابيع قليلة، تم افتتاح 3 محطات طاقة كهربائية تعمل بالغاز بتكلفة 6 مليارات يورو وهذا الحدث يعيد إلى الذاكرة مشروع خط سكك حديد برلين - بغداد، والذى قدم قبلة الحياة الأخيرة لرجل أوروبا المريض آنذلك لتطوير البنية الصناعية والتكنولوجية العثمانية.

 

ألمانيا والشرق.. علاقة صداقة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ وتدفعنى أحياناً للتفكير فى أسباب انفراد الألمان دون غيرهم بأوروبا بمثل تلك العلاقة، فعلى الرغم من تحالفهم مع العثمانيين فى حرباً عالمية طاحنة ضد جيرانهم، خاصة فرنسا وبريطانيا إلا أننى أتساءل حول إدراك الألمان أنفسهم لهويتهم منذ بزوغ فجر تلك الأمة.

 

الثلاث محطات فى البرلس وبنى سويف والعاصمة الإدارية الجديدة بطاقة إنتاجية إجمالية 14400 ميجاوات أى تشكل حوالى 50% طاقة كهربائية إضافية لشبكة الكهرباء الحالية بمصر وتمثل إنجاز هائل لخطة التنمية الشاملة التى تسعى لها الحكومة المصرية، فتوفير الطاقة يمثل العمود الفقرى لاقتصاد البلاد بلا شك.

 

هذه المشروعات العملاقة التى تنفذها ألمانيا بمصر تدفعنى لإلقاء الضوء على أهم مجالات التعاون الألمانى المصرى والتى لا يمكن حصرها بالفعل، على الصعيد العلمى تحتل ألمانيا مركز الصدارة فى توفير فرص التبادل الأكاديمى بين الجامعات والمعاهد المصرية ونظيرتها الألمانية، وتعتبر الهيئة الألمانية للتبادل العلمى والتى يقع مقرها فى قلب الزمالك أهم محطات التعاون الأكاديمى بين الطرفين وبداخل هذا المقر يوجد مكاتب لعدة جامعات فى ألمانيا، مثل جامعة برلين الحرة وجامعة هومبولد وجامعة ميونخ التقنية وجامعة فيليبس ماربورج، وفى عام 2007 وفرت الهيئة الألمانية منح دراسية لنحو 6000 طالب من مصر ومن بينهم نال 112 باحثا مصريا منح دكتوراه طويلة الأجل، وتخرج أكثر من 700 باحث حتى الآن منذ تدشين البرنامج عام 2008 وفق الموقع الإلكترونى للهيئة.

 

والجدير بالذكر أن الاستراتيجية الألمانية للعلوم تركز على التغير المناخى، وأمن الغذاء، والطاقة المتجددة، ودعم التنمية بالدول الفقيرة فى كل أفقها.

 

ولا يمكن ترك التعاون العلمى الألمانى دون ذكر "يوم العلم الألمانى"، وهو حدث سنوى يتم عقده بالتنسيق بين الهيئة الألمانية للتبادل العلمى والجامعات والمعاهد التعليمية بمصر إذ تم تنظيمه يوم 18 يوليو الماضى وشارك به أكثر من 1400 شاب مصرى مقيدين ببرامج الدكتوراه بجامعات مصرية وتقدم للمشاركة به نحو 7000 شاب لنيل درجة الدكتوراه فى إحدى الجامعات الألمانية، وعندما نتحدث عن الطلاب المصريين فى تلك الجامعات سنجد أن جامعة ميونخ التقنية وجامعة برلين الحرة وجامعة هومبولد يحتلون الصدارة فى اهتمامات المصريين نظراً لترتيبهم المتقدم فى قائمة تصنيف أفضل الجامعات الألمانية التى ارتوى أبطال مصريين من علمها مثل المهندس هانى عازر.

 

نقل الخبرة الألمانية فى التصنيع وتطوير المنظومة الزراعية والتكنولوجيا يعتبر حجر زاوية فى توفير حلول لمشاكل بلدنا الحبيب بل يمثل نقطة انطلاق جادة نحو الإصلاح والتغيير بمصر وأرض خصبه لأبنائها الطموحين، وعلينا ألا ننسى محمد حسن المشهور بـ"النمر الأسود"، ودور ألمانيا فى تغيير مجرى حياة هذا البطل.

 

أما التعاون الاقتصادى فتعتبر ألمانيا من أهم شركاء الاقتصاد المصرى عالمياً، حيث تذخر مصر بكم هائل من الاستثمارات ومشروعات التنمية مع الألمان، وعلى مستوى حكومى، لعبت هيئة التعاون الدولى الألمانى "جى آى زد" والتى تمثل وزارة التعاون الاقتصادى والتنمية الألمانية فى مصر دوراً مثمراً فى تنمية الاقتصاد المصرى، حيث نفذت 18 مشروعاً بقيمة 222.1 مليون يورو تم انفاقهم لتطوير التعليم الثانوى وتوفير مياه شرب نظيفة وصرف صحى وقطاعات تنمية أخرى.

 

والجدير بالذكر أن تلك الهيئة قد استندت لمنهاجية فريدة فى تنفيذ تلك المشروعات وهى "التنمية بالمشاركة" حيث توفر التمويل لكل المبادرات الشبابية والمشروعات المقدمة لتطوير المناطق العشوائية شريطة صياغة تلك المشروعات بالمشاركة مع المستفيدين منها، وهم ساكنو المناطق العشوائية أنفسهم وتخطيط تلك المشروعات وفق احتياجات وأولويات هؤلاء المستفيدين.

 

ويعتبر برنامج التطوير الحضرى بالمشاركة "بى دى بى" الأنجح على الاطلاق فى هذا السياق والذى استفادت منه عدة مناطق عشوائية بالقاهرة الكبرى مثل جزيرة الدهب والوراق وعزبة النصر.

 

ويمتلك المستثمر الألمانى رصيداً استراتيجياً من الاستثمار بمصر فى كل القطاعات، وتعتبر السياحة الألمانية ذات أهمية قصوى، حيث تصدرت قائمة الدول المصدرة للسياح إلى مصر عام 2018 إذ زاد عدد السياح الألمان إلى 138 ألف فى أكتوبر فقط عام 2017 بل وتجاوزت أوكرانيا بكسر حاجز المليون سائح.

 

مال وأعمال وعِلم وأبطال.. ثمرة جسر التعاون المصرى الألمانى المُشيّد على جذور تاريخية من التحالفات والصداقات المتينة، فالمستقبل يحمل المزيد من الثمار.. وتظل ألمانيا توجه وجهها صوب الشرق المشرق ليصبحا يداً واحدة!










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة