محمود حمدون يكتب: رجل

الجمعة، 28 سبتمبر 2018 01:00 م
محمود حمدون يكتب: رجل هجرة - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
توقفت كثيرا أمام هذه الآية الكريمة" وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى "مأخوذا ومسحورا مما حوته من معانى, بضعة كلمات تصوّر لنا ما تعجز عنه رواية كاملة للحدث والموقف, خطر على بالى ذلك الرجل, تخيلت سعيه الأقرب, رأيتنى أشارك الحدث من مكان عالٍ, أرقب قدومه من مكانه البعيد كى يقول كلمة رآها حقا وواجبة فى وقت خذلان و تقاعس, وجدتنى أشفق عليه مما سيلاقيه من مصاعب ومتاعب قد تصل لحد الإيذاء وإيقاع الضرر به أو قتله فى النهاية.
 
كم احترمت صنيع هذا الرجل, وأكبرت شجاعته واندفاعه غير هيّاب لقول يؤمن به, رغم إدراكه مغبة فعلته هذه وتكاثر القوم عليه، على أن الاحترام والتقدير يزيدان عندما نقف أمام لحظة البدء بالفعل والمواجهة, تلك اللحظة الحاسمة التى قرر بعدها أو قبلها الرجل أن ينطلق هرولة أو جريا للقوم بالطرف الآخر من المدينة بغض النظر عن اتساعها أو ضيق المكان, لكن يعنينا توقيت القرار والصراع الداخلى الذى اعتمل بنفسه وتصاعد وصولا للفعل.
 
أجزم أن مثل هذا الرجل يظهر دائما فى لحظة فارقة وحرجة, الرجل على ضعفه وفقره أجده ينطق حقا ويواجه طغيانا يراه وغيره, بينما يغض الجميع الطرف عنه أو يتصالحون معه, أجده يندفع فى اتجاه آخر, معبرا عن رأيه وهو يعى تبعة ونتيجة قوله, لكنها الجرأة فى الحق, ورجولة الموقف فى وقت يتخاذل فيه الجمع ويتخذوا من النعام والنعاج قدوة لهم .
 
لم تذكر الآية الكريمة اسم الرجل وأبقت على الصفة, وبقى الوصف له "رجل" كأنما الرجولة هنا تُحسب لأصحاب المواقف فى الملّمات وعلماً على من يقدر على المواجهة فقط, لتصبح الرجولة عنواناً لمن يقدر ويستطيع ويفعل دون أن يكتفى بالقول, نجزم أن معنى الرجولة هنا لا علاقة له بالنوع أو بصفة الذكورة, لذا كان طبيعيا إلاّ نعرف "فى الآية" من يكون هذا الرجل؟ لكن اكتفينا بكونه "رجلا" ثم أنه جاء يسعى, أى جاء مهرولا من أحد الأطراف البعيدة للمدينة.
 
السؤال: هل ضاع جهده هباء؟! هل أحدث فارقا واختلافا ؟! رغم ضآلة حجمه فى عيون الجمع, نظن أنه ألقى حجرا ثقيلا بماء آسن, فأحدث بكلماته دوامات اتسعت ببطء لتصبح موجة عملاقة أطاحت بثوابت مستقرة, كما شكّلت كلماته مصدر قوة وطاقة لآخرين لا يعرفهم ولا يعرفونه, كأنما بعث الله الأمل على يديه، وألهمهم بكلماته وصراحته التى أنطقها على لسانه.
 
لنصل فى النهاية لنتيجة منطقية وحتمية تاريخية لا مفر منها, أن التغيير يبدأ بشرارة تنطلق من فم أحدهم أو بفعل عن قناعة أو ردة فعل رفضاً لموقف أو ثابت مستقر بالمجتمع.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة